الأعمال المستحبة في الأيام البيض

تحتل الأيام البيض من كل شهر هجري مكانة عظيمة في الشريعة الإسلامية لما تحمله من فضائل جليلة وأعمال مباركة يتقرب بها العبد إلى ربه. وقد ارتبطت هذه الأيام المباركة بجملة من السنن والأعمال التي وردت في الأحاديث النبوية الصحيحة والتي ينبغي على المسلم أن يحرص عليها لما فيها من خير عميم وأجر عظيم.

تعريف الأيام البيض

الأيام البيض هي ثلاثة أيام من كل شهر هجري وهي: اليوم الثالث عشر واليوم الرابع عشر واليوم الخامس عشر. وسميت “البيض” لأن لياليها تكون مكتملة الإضاءة بنور القمر الذي يكون في أوجه، فتكون الليلة بيضاء من شدة ضوء القمر، وهذا المعنى يعكس نورانية هذه الأيام وبركتها في حياة المسلم.

وقد ثبتت هذه التسمية في الأحاديث النبوية الصحيحة، منها ما رواه أبو ذر رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا صمت شيئًا من الشهر فصم ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة” [رواه الترمذي].

فضل الأيام البيض

لعل من أبرز ما يميز الأيام البيض هو الفضل العظيم الذي ناله الصيام فيها وسائر الأعمال الصالحة، فهي من الأيام التي يُستحب للمسلم أن يغتنمها في الطاعة، وقد ورد في صحيح السنة ما يدل على عظيم منزلتها. ومن فضائلها ما يلي:

1. موافقتها لهدي النبي صلى الله عليه وسلم: فقد كان عليه الصلاة والسلام يحافظ على صيام الأيام البيض من كل شهر.

2. تحصيل أجر صيام الدهر: لما ورد عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “صم من الشهر ثلاثة أيام، فإن الحسنة بعشر أمثالها، فذلك مثل صيام الدهر” [رواه البخاري ومسلم].

3. مضاعفة الأجور: في هذه الأيام تتضاعف الأجور، ويُكتب للمسلم أجرًا عظيمًا مقابل عمل يسير، مما يحفز على الاجتهاد فيها.

4. الارتقاء الروحي: الصيام والعمل الصالح في الأيام البيض يسهمان في صفاء النفس وتقوية العلاقة بالله تعالى.

الأعمال المستحبة في الأيام البيض

أولًا: صيام الأيام البيض

يُعد صيام الأيام البيض من أعظم القربات إلى الله تعالى في هذه الأيام. وقد وردت في ذلك أحاديث كثيرة منها ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام” [رواه البخاري ومسلم].

وقد خص النبي صلى الله عليه وسلم الأيام البيض بهذا الفضل لما فيها من اكتمال النور وانتشار البركة. وصيام هذه الأيام له أثر بالغ في تهذيب النفس وتكفير السيئات، ومن شأنه أن يُدرّب المسلم على الصبر والطاعة.

ثانيًا: الإكثار من ذكر الله تعالى

من أحب الأعمال إلى الله في هذه الأيام المباركة الإكثار من الذكر بمختلف أنواعه، كالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والاستغفار. فالمسلم يُستحب له أن يلهج لسانه في هذه الأيام المباركة بذكر الله، لما في ذلك من تطهير للقلب واستحضار لعظمة الخالق سبحانه وتعالى.

ثالثًا: قراءة القرآن الكريم

قراءة القرآن من العبادات التي لها أجر عظيم في جميع الأوقات، ويتأكد فضلها في الأيام البيض. فالعبد في هذه الأيام ينبغي له أن يُكثر من تلاوة القرآن الكريم بتدبر وخشوع، وأن يحرص على ختمه أو قراءة ما تيسر له، فكل حرف بحسنة والحسنة بعشر أمثالها.

رابعًا: قيام الليل

قيام الليل له مكانة خاصة في شريعتنا الإسلامية، ويُستحب أن يُداوم المسلم على قيام الليل، ويتأكد ذلك في الأيام البيض لما فيها من فضل ونفحات ربانية خاصة. قيام الليل في هذه الليالي يعين المسلم على التزود بالإيمان والتقوى ويقربه من ربه.

خامسًا: الدعاء والإلحاح فيه

من الأمور المستحبة أيضًا في الأيام البيض الإكثار من الدعاء، لا سيما في أوقات الإجابة مثل الثلث الأخير من الليل وبين الأذان والإقامة وبعد الصلوات المفروضة. فينبغي للمسلم أن يدعو بما يحب من خيري الدنيا والآخرة، وأن يلجأ إلى الله في قضاء حوائجه ومغفرة ذنوبه.

سادسًا: الصدقة

الصدقة في الأيام البيض من الأعمال التي لها أثر عظيم في حياة المسلم، فهي تطهر المال وتزيده بركة، وتكون سببًا في دفع البلاء، وقد ثبت أن الصدقة تطفئ غضب الرب. فالعبد يُستحب له أن يجتهد في الإنفاق على المحتاجين والفقراء في هذه الأيام الفضيلة.

سابعًا: صلة الرحم

صلة الرحم من أفضل الأعمال التي يُثاب عليها المسلم وتُعد من القربات العظيمة، وينبغي اغتنام الأيام البيض لتعزيز علاقات الرحم سواء بالزيارة أو الاتصال أو قضاء الحاجات.

ثامنًا: بر الوالدين

الاجتهاد في بر الوالدين في هذه الأيام يعد من أفضل القربات التي يُتقرب بها إلى الله، سواء عبر الخدمة المباشرة، أو الإحسان بالقول، أو قضاء حوائجهما، أو إدخال السرور عليهما.

تاسعًا: إصلاح ذات البين

من أحب الأعمال إلى الله تعالى، وهي من الأعمال التي ينبغي أن يحرص عليها المسلم في هذه الأيام، لما فيها من عظيم الأجر، إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إصلاح ذات البين” [رواه أبو داود والترمذي].

عاشرًا: الأعمال التطوعية

يمكن للمسلم أن يغتنم الأيام البيض في تقديم المساعدة للمجتمع من خلال الأعمال التطوعية مثل خدمة المرضى، مساعدة كبار السن، تنظيم المبادرات الخيرية، وهي أعمال تعود بالنفع على الفرد والمجتمع.

الحادي عشر: الاعتكاف

الاعتكاف في المسجد ولو لفترة محدودة من اليوم يُعد من القربات التي يُستحب للمسلم أن يؤديها في الأيام البيض، لما فيها من تفرغ للعبادة وابتعاد عن مشاغل الدنيا.

الثاني عشر: إحياء السنن المهجورة

في هذه الأيام المباركة، يمكن للمسلم أن يحيي العديد من السنن التي هُجرت بين الناس مثل إفشاء السلام، والتبسم في وجه الآخرين، والتصدق باليسير، والمصافحة عند اللقاء، وحسن الخلق، وكل هذه الأعمال من شأنها أن ترفع درجات المسلم وتُعلي منزلته عند الله.

أهمية اغتنام الأيام البيض

اغتنام الأيام البيض لا يقتصر على صيامها فقط، بل يشمل استثمار كل لحظة فيها بالعمل الصالح، فالإنسان لا يعلم هل سيُدرك هذه الأيام في الشهر القادم أم لا، ولذلك فالمؤمن العاقل هو من يسارع في الخيرات ولا يؤجل عمل اليوم إلى الغد.

وتكمن أهمية اغتنام هذه الأيام في كونها فرصة متجددة كل شهر، فهي ليست موسمًا محدودًا في العام كما هو الحال في شهر رمضان أو العشر الأوائل من ذي الحجة، بل تتكرر كل شهر مما يجعلها ميدانًا دائمًا للسباق إلى الطاعات.

أثر الأعمال الصالحة في الأيام البيض على النفس

الأعمال الصالحة التي يؤديها المسلم في الأيام البيض تترك أثرًا بالغًا في النفس، فهي تهذب السلوك وتزكي الروح وتقوي الصلة بالله. كما أن الصيام في هذه الأيام يربي النفس على الصبر وكبح الشهوات ويساعد على التخلص من الذنوب والمعاصي.

الذكر وتلاوة القرآن يملآن القلب طمأنينة وراحة نفسية ويبعدان عن العبد وساوس الشيطان. وأما قيام الليل والدعاء فيجعلان القلب متعلقًا بالله، ويمنحان المسلم قوة إيمانية تعينه على مشاق الحياة.

الصدقة وصلة الرحم وإصلاح ذات البين تساهم في بناء مجتمع متراحم متماسك تسوده المحبة والتكافل.

جدول ملخص بالأعمال المستحبة في الأيام البيض

خلاصة

إن الأيام البيض تمثل محطة إيمانية يتزود فيها المسلم من الطاعات والقربات التي تُصلح دنياه وآخرته. من أعظم ما ينبغي للمسلم أن يحرص عليه أن لا تمر هذه الأيام المباركة إلا وقد اغتنمها بالصيام وسائر العبادات المشروعة التي تقربه إلى الله تعالى، وتجعل حياته مليئة بالنور والخير والبركة.

المصادر

• صحيح البخاري

• صحيح مسلم