فرص التعليم المتاحة للسوريين في الأردن
يواجه السوريون في الأردن تحديات كبيرة نتيجة للظروف التي مرت بها سوريا منذ بداية الأزمة في عام 2011، مما أدى إلى هجرة الملايين منهم إلى البلدان المجاورة، بما في ذلك الأردن. تعتبر مسألة التعليم من أبرز القضايا التي تشغل العديد من اللاجئين السوريين، حيث يسعى الكثير منهم إلى إيجاد فرص تعليمية لأبنائهم لضمان مستقبل أفضل. في هذا المقال، سنستعرض الفرص التعليمية المتاحة للسوريين في الأردن، بما في ذلك التعليم الرسمي وغير الرسمي، المساعدات التعليمية من قبل المنظمات الدولية والمحلية، والتحديات التي تواجه هذه الفئة في الحصول على التعليم.
1. التعليم الرسمي في الأردن: التحديات والفرص
لقد كانت الحكومة الأردنية من أوائل الحكومات التي فتحت أبواب مدارسها للاجئين السوريين، واستقبلت الآلاف منهم في المدارس الحكومية. حيث تتيح وزارة التربية والتعليم الأردنية للسوريين التسجيل في المدارس الحكومية الأردنية بشكل مجاني، وذلك وفقاً لاتفاقات بين الحكومة الأردنية والمنظمات الدولية.
لكن، على الرغم من هذه الفرصة، هناك بعض التحديات التي يواجهها السوريون في الحصول على التعليم الرسمي:
أ. الاكتظاظ في المدارس:
من أبرز التحديات التي يواجهها التعليم في الأردن هي الزيادة الكبيرة في عدد الطلاب السوريين، مما يؤدي إلى الاكتظاظ في المدارس. يشير تقرير صادر عن وزارة التربية والتعليم الأردنية إلى أن العديد من المدارس وصلت إلى حدود استيعابها القصوى، ما يؤثر سلباً على جودة التعليم المقدّم للطلاب السوريين.
ب. اللغة والمنهج الدراسي:
من التحديات الأخرى التي تواجه الطلاب السوريين هي اختلاف اللغة والمنهج الدراسي. في حين أن المناهج الدراسية الأردنية تعتمد على اللغة العربية بشكل أساسي، إلا أن هناك اختلافات في المحتوى بين المناهج السورية والأردنية. هذا يتطلب من الطلاب السوريين التكيف مع أسلوب التعليم المختلف، وهو ما قد يشكل تحدياً للعديد منهم، خاصة في المراحل الأولى.
ج. التكاليف المترتبة على التعليم:
رغم أن التعليم في المدارس الحكومية الأردنية مجاني للاجئين السوريين، إلا أن هناك بعض التكاليف غير المباشرة التي قد تثقل كاهل الأسر السورية، مثل تكاليف النقل والمواد المدرسية. كما أن بعض الأسر قد تجد صعوبة في تغطية هذه التكاليف بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة.
2. برامج الدعم والمنظمات الإنسانية
للحد من هذه التحديات وتوفير بيئة تعليمية أفضل للاجئين السوريين، أطلقت العديد من المنظمات الدولية والمحلية برامج تعليمية تهدف إلى دعم الطلاب السوريين. تشمل هذه البرامج عدة جوانب:
أ. توفير المنح الدراسية:
توفر العديد من المنظمات مثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) ومنظمة اليونيسف منحًا دراسية للطلاب السوريين في الأردن. تساعد هذه المنح في تغطية التكاليف التعليمية مثل الرسوم الدراسية والكتب المدرسية والمواد الدراسية الأخرى. كما أن بعض المنظمات تقدم برامج دراسية لتحسين مهارات اللغة العربية والرياضيات، وهو ما يساعد الطلاب السوريين على التكيف بشكل أفضل مع المناهج الأردنية.
ب. التعليم الإلكتروني والدورات التدريبية:
في ظل جائحة كورونا، تم تعزيز الاعتماد على التعليم الإلكتروني كخيار بديل. استثمرت العديد من المنظمات الدولية في توفير المنصات الإلكترونية والدورات التدريبية عبر الإنترنت للسوريين في الأردن، مما يساعد الطلاب على مواصلة تعلمهم حتى في ظل الصعوبات الميدانية. كما تقدم بعض المنظمات برامج خاصة تهدف إلى تدريب الطلاب على المهارات الحياتية والتقنية لتعزيز فرصهم في سوق العمل.
ج. المدارس الخاصة والمبادرات المجتمعية:
بالإضافة إلى المدارس الحكومية، توجد بعض المدارس الخاصة التي تعمل على تقديم تعليم للاجئين السوريين، مثل مدارس “الإنقاذ” أو تلك التي تديرها الجمعيات الخيرية. توفر هذه المدارس بيئة تعليمية مختلفة من حيث العدد المحدود للطلاب في الفصل الدراسي، ما يسمح بتقديم تعليم أفضل. كما توفر بعض المبادرات المجتمعية دروسًا إضافية ودورات لتعليم اللغة العربية والإنجليزية والرياضيات بهدف مساعدة الطلاب على تحسين مهاراتهم الأكاديمية.
3. التعليم العالي للطلاب السوريين
فيما يتعلق بالتعليم العالي، فإن السوريين في الأردن يواجهون تحديات إضافية للوصول إلى الجامعات والكليات. العديد من الطلاب السوريين الذين اضطروا للفرار من الحرب لم يتمكنوا من إكمال دراستهم الجامعية في سوريا، ما جعلهم يتطلعون إلى فرص التعليم العالي في الأردن.
أ. المنح الدراسية الجامعية:
تسعى الجامعات الأردنية إلى توفير منح دراسية للطلاب السوريين الذين يواجهون صعوبة في دفع الرسوم الدراسية. على سبيل المثال، تقدم الجامعات مثل جامعة اليرموك وجامعة مؤتة منحًا دراسية خاصة للاجئين السوريين. كما توفر بعض المنظمات الدولية مثل الاتحاد الأوروبي ومنظمة اليونسكو فرصًا للدراسة في الخارج، ما يتيح للطلاب السوريين فرصة متابعة تعليمهم الجامعي في دول أخرى.
ب. التحديات المالية:
على الرغم من وجود المنح الدراسية، فإن العديد من الطلاب السوريين يواجهون صعوبة في تأمين التمويل اللازم للدراسة الجامعية. ويرجع ذلك إلى الوضع المالي الصعب للأسر السورية اللاجئة، التي قد تكون بحاجة إلى الأموال لتغطية احتياجاتها الأساسية بدلاً من التعليم. بالإضافة إلى ذلك، قد لا يتمكن الطلاب السوريون من العمل في الأردن بشكل قانوني إلا في بعض الحالات، ما يزيد من صعوبة تحصيل الأموال اللازمة.
ج. صعوبة التكيف مع التعليم الجامعي:
يتعين على الطلاب السوريين التكيف مع نظام التعليم الجامعي في الأردن، وهو ما قد يشكل تحدياً كبيراً لهم بسبب الفروقات في المناهج وأساليب التدريس. كما أن بعض الطلاب السوريين يعانون من صعوبة في التفاعل مع المجتمع الجامعي الجديد، مما قد يؤدي إلى عواقب نفسية واجتماعية.
4. برامج التدريب المهني والحرفي
بالإضافة إلى التعليم الأكاديمي، يواجه العديد من اللاجئين السوريين تحديات في العثور على فرص عمل مستدامة في الأردن. ومن هنا تأتي أهمية البرامج التدريبية المهارية التي تقدمها بعض المنظمات الدولية والمحلية. تساعد هذه البرامج السوريين على اكتساب مهارات جديدة في مجالات مثل الخياطة، والحدادة، والتصميم، وتكنولوجيا المعلومات، وغيرها من المهارات التي يمكن أن تؤهلهم لسوق العمل المحلي.
تتعاون العديد من المنظمات مع الجهات الحكومية الأردنية لتقديم برامج تدريبية تساعد اللاجئين السوريين على تعلم مهارات مهنية تؤهلهم للعمل في مجالات متعددة، ما يساهم في تحسين وضعهم الاقتصادي والاجتماعي.
5. التحديات المستقبلية
فيما يتعلق بالمستقبل، يظل التحدي الأكبر هو كيفية توفير فرص تعليمية مستدامة للسوريين في الأردن مع استمرار تدفق اللاجئين وتزايد الحاجة إلى الدعم المستمر. من المهم أن تستمر الأردن في تعزيز شراكاتها مع المنظمات الدولية وتحسين البرامج التعليمية لتشمل ليس فقط التعليم الرسمي ولكن أيضًا برامج الدعم المهني والنفسي.
ختامًا، يبقى التعليم أحد أهم العوامل التي تساهم في تحسين الوضع المعيشي للسوريين في الأردن، سواء على المستوى الفردي أو الجماعي. رغم التحديات الكثيرة التي تواجهها هذه الفئة، فإن الفرص التعليمية المتاحة لهم من خلال المدارس الحكومية والخاصة، والمنح الدراسية، وبرامج التدريب المهني تظل حجر الزاوية لتحقيق تقدم ملموس في مسألة تعليم اللاجئين السوريين.
