فاطمة الزهراء سيدة النساء

سيدة نساء العالمين

تشرفت الإنسانية عبر تاريخها بوجود نماذج نادرة ومضيئة من النساء اللواتي حملن في طيات حياتهن معاني سامية من الإيمان، والطهارة، والتضحية، والعقل، والصبر، وكان لهن الدور البارز في تشكيل معالم الهداية والقدوة للأمة. وفي قمة هرم هذه النماذج النسائية تأتي امرأة اصطفاها الله تعالى بمكانة لم تنلها أي امرأة أخرى، حتى خلد ذكرها في القرآن الكريم وميزها النبي محمد صلى الله عليه وسلم بوسام الشرف الإلهي حين قال عنها إنها “سيدة نساء أهل الجنة”، بل و”سيدة نساء العالمين”، إنها فاطمة الزهراء بنت رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم.

هذا المقال الموسع يتناول شخصية فاطمة الزهراء عليها السلام بوصفها سيدة نساء العالمين، ويغوص في معاني هذه التسمية، ومكانتها الفريدة في الإسلام، وأبرز محطات حياتها، وسر تميزها وخلودها في وجدان الأمة الإسلامية.

معنى “سيدة نساء العالمين”

اللقب الشريف “سيدة نساء العالمين” ليس مجرد تعبير بلاغي أو توصيف مجازي، بل هو وصف نبوي صادر عن أفصح خلق الله وأصدقهم، النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهو الذي لا ينطق عن الهوى. أخرج الإمام البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فاطمة سيدة نساء أهل الجنة».

وفي رواية أخرى قال:

«فاطمة سيدة نساء أهل الجنة بعد مريم بنت عمران». (صحيح البخاري، رقم 3769)

وقد اختلف العلماء في معنى هذا التفضيل: هل هي أفضل نساء الجنة بعد مريم، أم أن المقصود هو بيان خصوصية كل منهما في مجالها؟ وقد رجح جمهور العلماء أن فاطمة الزهراء رضي الله عنها تُعد أفضل نساء هذه الأمة، وسيدة نساء المؤمنين بلا منازع، وهي بلا شك من أشرف نساء البشرية على الإطلاق.

نسب فاطمة الزهراء ومولدها

فاطمة الزهراء بنت محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمية القرشية، أمها خديجة بنت خويلد، وهي أصغر بنات النبي صلى الله عليه وسلم، ويقال إنها ولدت بعد البعثة بخمس سنوات تقريبًا، أي في مكة قبل الهجرة بسنوات قليلة.

كان ميلادها نورًا في بيت النبوة، ونشأت في كنف والدين كريمين، هما خير أهل الأرض في ذلك الزمان: رسول الله، وأول من آمنت به من النساء خديجة رضي الله عنها. ونشأت فاطمة الزهراء في بيئة إيمانية صافية، شاهدت فيها آلام الدعوة، وعانت مع والدها محن القريشيين، وتربّت على الزهد والصبر والمكارم.

صفاتها الخُلقية والخَلقية

اتسمت فاطمة الزهراء بمكارم الأخلاق وسمو النفس، وامتازت بصفاء القلب ونقاء السريرة. كانت قليلة الكلام، كثيرة الذكر، تخشى الله حق خشيته، وتحب الفقراء وتخدمهم، وتمارس العبادة بخشوع، حتى ورِمت قدماها من طول السجود.

أما عن صفاتها الخَلقية، فقد رُوي أنها كانت بيضاء، نقية البشرة، شبيهة بأبيها صلى الله عليه وسلم في ملامحه، وكان إذا دخلت عليه قام لها وقبّل رأسها، وقال: “مرحبًا بأم أبيها”.

فاطمة الزهراء في بيت النبوة

تعلّقت فاطمة الزهراء بوالدها تعلقًا شديدًا، ولم يكن مجرد تعلق بنوّة، بل كان تعلقًا روحانيًا نابعًا من إدراكها العميق لقيمة النبوة والرسالة. كانت تحزن لحزن والدها وتفرح لفرحه، وكانت تؤنسه في لحظات الشدة.

وحين توفيت أمها خديجة، لُقّبت فاطمة بـ”أم أبيها” لما كانت عليه من الحنان والمواساة، فكانت نعم السند والرفيقة لوالدها في أصعب لحظات الدعوة، وعاشت تجربة الحصار في شعب بني هاشم، وألمت بكل ما مرّ به والدها من آلام.

زواجها من علي بن أبي طالب

اختار النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة الزهراء أعزّ الناس إليه من الرجال، وأقربهم إليه نسبًا وإيمانًا، وهو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ابن عمه وأول من آمن به من الصبيان. وتم الزواج الميمون في السنة الثانية للهجرة.

وقد كان زواجًا مثاليًا بسيطًا، لا تكلّف فيه ولا تبذير، وكان مهرها زهيدًا، كما رُوي أن النبي زوجها بـ”درع حطمية”، ومع ذلك فقد أسس هذا الزواج نموذجًا راقيًا في المودة والرحمة والعيش الكريم. وقد أنجبت من علي رضي الله عنه الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم.

مكانتها في حياة النبي صلى الله عليه وسلم

حظيت فاطمة الزهراء بمكانة مميزة في قلب النبي صلى الله عليه وسلم، فكان يحبها حبًا شديدًا ويحرص على راحتها وسعادتها. وقد روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:

“ما رأيت أحدًا كان أشبه سمتًا ودلاً وهدياً برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة… وكان إذا دخلت عليه قام إليها فأخذ بيدها فقبّلها وأجلسها في مجلسه”.

وكانت هذه المكانة دليلًا على مدى قُرب فاطمة من قلب النبوة، وهو ما يعكس أيضًا مستوى تقواها وورعها وإيمانها الذي تربّت عليه منذ نعومة أظافرها.

فاطمة الزهراء بعد وفاة النبي

عاشت فاطمة الزهراء بعد وفاة والدها النبي صلى الله عليه وسلم في حزن بالغ، وقد أثّر فراقه فيها تأثيرًا شديدًا، حتى أنها توفيت بعده بستة أشهر فقط، كما أجمع عليه المؤرخون. ودفنت في البقيع ليلًا بناءً على وصيتها، وقد صلى عليها زوجها علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

وكانت وفاتها في ريعان شبابها، وهي لم تتجاوز الثلاثين عامًا، ومع ذلك تركت أثرًا خالدًا في التاريخ الإسلامي، وكانت مثالًا للمرأة المسلمة التي تمزج بين العبادة والوعي، وبين الإيمان والصبر.

الأسباب التي جعلتها سيدة نساء العالمين

لا تأتي هذه المنزلة الرفيعة عبثًا، بل نتجت عن مجموعة من الصفات الفريدة، والمواقف الصادقة، والسلوكيات السامية التي ميزت فاطمة الزهراء، منها:

• الصفاء الروحي والإيماني: كانت متقدمة في العبادة، كثيرة الصلاة والذكر، وقد حثها النبي على المداومة على التسبيح والتهليل، وعلّمها “تسبيح الزهراء”، الذي أصبح سُنّة متبعة.

• الزهد والتقشف: كانت حياتها مثالًا في البساطة، وكانت تطحن الشعير بيدها وتخدم بيتها بنفسها.

• التضحية والإيثار: آثرت غيرها حتى وهي في أشد حالات الفقر والجوع.

• الوقار والحكمة: لم تكن ممن ينشغلون بالقشور أو المظاهر، بل كانت عاقلة، رزينة، تُقدّر الأمور بميزان الشرع والعقل.

• النسب الشريف: فهي بنت خير خلق الله، وزوجة الإمام علي، وأم الحسن والحسين، الذين قال عنهم النبي: “الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة”.

في ميزان المقارنة مع مريم عليها السلام

ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم:

«خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَخَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ، وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ». (مسند الإمام أحمد)

والجمع بين هذه الأحاديث يدل على أن مريم هي سيدة نساء عصرها، وكذلك فاطمة هي سيدة نساء عصرها. لكن يبقى لفاطمة ميزة خاصة، كونها ابنة النبي، وزوجة الإمام، وأم السبطين، ووريثة العلم والخلق المحمدي.

أثر فاطمة الزهراء في الفكر الإسلامي

لم تكن فاطمة مجرد شخصية تاريخية، بل كانت رمزًا للمرأة المؤمنة المجاهدة، وأصبحت مثالًا تحتذي به النساء المؤمنات على مر العصور. وقد تناولت كتب السيرة والفقه والحديث سيرتها بالتفصيل، وأصبحت رمزًا للطهر والحياء والالتزام، بل وتُعد قدوة في التربية الأسرية الإسلامية الصحيحة.

وقد سطّر الشعراء والكتاب الكثير من المدائح في وصف فضائلها، وأفردت لها كتب مستقلة مثل:

• “فاطمة الزهراء” لسيد قطب

• “سيدة نساء أهل الجنة” للشيخ عبد المحسن العباد

جدول موجز: مقارنة بين أبرز النساء المذكورات في الحديث النبوي

الخلاصة

فاطمة الزهراء رضي الله عنها ليست مجرد ابنة لنبي، بل هي شخصية إسلامية متكاملة نضجت في محاضن الإيمان، وتربّت على يد أعظم مربٍّ في تاريخ البشرية، وبلغت من الصفاء الروحي والخلق الرفيع ما أهلها لتكون بحق “سيدة نساء العالمين”.

وكانت سيرتها العطرة ملهمة لكل من أراد أن يعرف كيف يمكن للمرأة أن تصل إلى القمة دون صخب أو بهرجة، بل بالصدق، والطهارة، والعمل، والصبر، والإيمان العميق.

المراجع

• صحيح البخاري

• مسند الإمام أحمد