فاضل السامرائي: بلاغة القرآن

فاضل السامرائي: عالم اللغة وبلاغة القرآن

ولد الدكتور فاضل بن صالح بن مهدي السامرائي في مدينة سامراء العراقية عام 1933، في بيئة عربية إسلامية تزخر بالعلم والمعرفة. وتعود أصوله إلى عائلة عريقة تهتم بالعلوم الشرعية واللغوية، مما كان له أثر بالغ في تكوينه الثقافي والفكري منذ مراحل عمره الأولى. وقد التحق بالمدارس النظامية، وتدرج في التعليم حتى أتم دراسته الجامعية في اللغة العربية، ثم حصل على الماجستير والدكتوراه، ليتحول لاحقاً إلى واحد من أبرز علماء النحو والبلاغة في العالم العربي، وخاصة في ميدان الدراسات القرآنية.

يشتهر فاضل السامرائي بمنهجه المتفرّد في تفسير بلاغة القرآن الكريم وتذوق أسراره اللغوية، وقد استطاع بأسلوبه التحليلي العميق أن يسلّط الضوء على الجوانب البلاغية في النص القرآني بطريقة لم تسبقها مدرسة تفسيرية عربية معاصرة. أسهمت مؤلفاته ومحاضراته وبرامجه الإعلامية في توسيع مدارك الكثيرين من المهتمين بعلم اللغة والقرآن، مما جعل اسمه يتردد في المحافل الأكاديمية والمؤسسات التعليمية في سائر أرجاء العالم العربي.

التكوين العلمي والنشأة الأكاديمية

تخرج الدكتور فاضل السامرائي في كلية التربية بجامعة بغداد، ثم واصل دراساته العليا في مجال اللغة والنحو العربي، فحصل على شهادة الماجستير ثم الدكتوراه في النحو، وكانت أطروحته في الدكتوراه تدور حول “التعبير القرآني”. وقد عمل في العديد من الجامعات العراقية والعربية، ودرّس في جامعات مرموقة منها جامعة بغداد، ثم جامعة قطر حيث عمل أستاذاً للغة العربية وعلوم القرآن.

تميز منذ بداياته بأسلوب علمي صارم، يربط بين قواعد النحو وبلاغة النص، وكان له نظرات متفردة في تحليل الجمل القرآنية. تميّز منهجه بالتركيز على “لماذا استخدم القرآن هذه الكلمة دون غيرها؟” أو “لماذا قدّم هذا التعبير وأخّر ذاك؟”، وهو ما جعله مختلفًا عن مناهج المفسرين التقليديين.

الإسهامات العلمية واللغوية

عُرف عن الدكتور فاضل السامرائي التزامه الصارم بالتحليل اللغوي الدقيق، ورفضه للتأويلات التي تفتقد للأسس البلاغية والنحوية. وقد ألف عشرات الكتب في النحو والبلاغة والتفسير، كما ألّف كتبًا تخصصية في النحو مثل:

• معاني النحو (أربعة أجزاء): هذا العمل الموسوعي يعد من أهم أعماله على الإطلاق، حيث جمع فيه بين قواعد النحو وتطبيقاته البلاغية من خلال أمثلة قرآنية حية. والكتاب لا يكتفي بشرح القواعد، بل يشرح الدلالة البلاغية الناتجة عن استعمال كل تركيب نحوي.

• التعبير القرآني: وهو دراسة متخصصة في أسرار البلاغة والتعبير في النص القرآني، وكيف تختلف الألفاظ والمفردات باختلاف السياق والمقام.

• لمسات بيانية في نصوص من التنزيل: كتاب ينقل فيه القارئ إلى عالم البيان القرآني من خلال تحليل آيات منتقاة بعمقٍ لغوي وبلاغي.

إلى جانب ذلك، نشر العديد من المقالات العلمية المحكمة في المجلات الجامعية، وشارك في مؤتمرات لغوية وتفسيرية دولية.

منهجه في تفسير القرآن الكريم

يعتمد الدكتور فاضل السامرائي في تفسيره على منهج التحليل اللغوي البلاغي، الذي يقوم على فهم السياق العام للآية، ثم الدخول في التفاصيل الدقيقة لاختيار الألفاظ، وتحليل الأساليب من حيث التقديم والتأخير، والحذف والذكر، والتعريف والتنكير، وغيرها من الظواهر البلاغية التي تظهر في التركيب القرآني.

من أبرز الأمثلة التي يتناولها السامرائي في محاضراته وتحليلاته: لماذا قال الله تعالى في موضع ﴿فأنجيناه وأهله أجمعين﴾، وفي موضع آخر ﴿فنجيناه وأهله إلا امرأته﴾؟ فيقوم بتحليل السياق ومراعاة الترتيب البلاغي، ويربط كل آية بمقامها وهدفها الخطابي.

لقد بيّن أن البلاغة القرآنية لا تأتي اعتباطاً، وإنما لكل حرف وموضعٍ في القرآن دلالته التي تخدم المقام البياني والمقصد العقدي والتشريعي، بأسلوب يدمج بين الذوق الأدبي والدقة العلمية.

برامجه الإعلامية ودورها في نشر المعرفة

من أبرز البرامج التي قدّمها الدكتور فاضل السامرائي برنامج “لمسات بيانية”، والذي بثّ على قناة الشارقة الفضائية، واستمر لسنوات طويلة محققًا حضورًا جماهيريًا لافتًا. ويُعد هذا البرنامج من أبرز أعماله التي قرّبت علم اللغة والبلاغة من عامة الناس، بأسلوب مبسّط لكن غير سطحي، يجمع بين العمق والتحليل الواضح.

يتناول البرنامج آيات متفرقة من القرآن الكريم، ويطرح أسئلة لغوية عن سبب اختيار هذا التعبير دون سواه، ويعرض اختلاف القراءات والتراكيب بتفسير لغوي دقيق، يجيب من خلاله على ما قد يبدو تناقضًا ظاهريًا أو غموضًا في التراكيب، مبيّنًا حكمة التعبير القرآني.

كان لهذه البرامج أثر كبير في زيادة الوعي اللغوي والبلاغي لدى جمهور واسع من المتلقين، خاصةً المهتمين باللغة العربية وتفسير القرآن الكريم.

أثره في ساحة الدراسات القرآنية واللغوية

ترك فاضل السامرائي إرثًا فكريًا ضخمًا في علم النحو والبلاغة، حيث أسهم في تجديد النظر إلى النحو العربي من خلال ربطه بالواقع التعبيري، وأعاد الاعتبار للدرس النحوي كأداة ضرورية لفهم القرآن الكريم، بعدما كانت بعض المدارس المعاصرة تتهم النحو بالجفاف وعدم الصلة بالواقع.

لقد دمج بين علوم البلاغة واللغة والنحو في قالب متكامل، يتجاوز حدود الشرح الأكاديمي ليصل إلى عمق البيان القرآني، مع التركيز على أن كل تركيب لغوي في القرآن يؤدي وظيفة بلاغية وجمالية مقصودة.

ساهم أيضًا في تصحيح الكثير من المفاهيم الخاطئة التي يتداولها البعض في تفسير القرآن، خاصة تلك التي تعتمد على الفهم السطحي للنصوص دون الرجوع إلى دلالات اللغة العربية الأصيلة.

أبرز مؤلفاته

مكانته في الفكر العربي والإسلامي المعاصر

تبوأ فاضل السامرائي مكانة علمية رفيعة بين علماء اللغة والمفسرين المعاصرين. وقد جمع بين العمق اللغوي والبراعة في الإلقاء والقدرة على الشرح والتحليل، وهو ما جعله واحدًا من القلائل الذين استطاعوا الجمع بين التأصيل العلمي والنشر الجماهيري.

احترامه الشديد للنص القرآني، وحرصه على الدفاع عن بلاغته بمنهج علمي رصين، جعله مرجعًا للباحثين والدارسين، بل وحتى الخطباء والدعاة الذين يستقون من تحليلاته وشرحِه للألفاظ والمعاني في خطبهم ودروسهم.

اعتزاله الحياة العامة

في السنوات الأخيرة من حياته، اختار الدكتور فاضل السامرائي الانكفاء عن الإعلام والعمل الأكاديمي، ليتفرغ للكتابة والتأليف، بعد مسيرة طويلة مليئة بالعطاء والتدريس. ويُعرف عنه تواضعه وزهده في الشهرة، مع إصراره على خدمة اللغة العربية والقرآن حتى آخر أيامه.

الخلاصة

يمثل فاضل السامرائي نموذجًا نادرًا في العالم العربي المعاصر، يجمع بين الإخلاص للتراث والتجديد في الطرح، وبين الدقة الأكاديمية والأسلوب الجاذب للقارئ والمستمع. وقد أسهم بإسهامات علمية فريدة في ربط النحو العربي بالبلاغة القرآنية، ما جعله حجر زاوية في ميدان الدراسات القرآنية الحديثة.

تُعد مؤلفاته وشرحه البلاغي للقرآن الكريم من أهم المراجع التي ينبغي لكل طالب علم لغوي أو شرعي أن يطلع عليها، لفهم الجمال البياني في كتاب الله، ووعي دلالات التعبير في آياته البينات.

المراجع:

1. فاضل السامرائي، معاني النحو، دار الفكر العربي.

2. فاضل السامرائي، التعبير القرآني، منشورات جامعة بغداد.