أمي تغار من زوجتي: صراع خفي داخل الأسرة العربية

مقدمة

تُعد العلاقة بين الحماة والكنّة من أكثر العلاقات الاجتماعية تعقيداً داخل البنية الأسرية العربية، إذ تتداخل فيها مشاعر الحب، التملك، الغيرة، الحماية، وحتى السلطة. حين تتجسد هذه المشاعر في شكل غيرة من الأم تجاه زوجة ابنها، تنشأ حالة من التوتر المستمر قد تزعزع استقرار الأسرة وتهدد تماسكها. الجملة “أمي تغار من زوجتي” ليست مجرد عبارة عابرة، بل تعكس صراعاً عاطفياً خفياً يمتد جذوره إلى التكوين الثقافي والنفسي للأسرة العربية التقليدية.

هذا المقال يتناول هذه الظاهرة بعمق، مستعرضاً أسبابها، مظاهرها، انعكاساتها النفسية والاجتماعية، ومدى تأثيرها على الزوج، الزوجة، والأبناء، في ضوء التحليل النفسي والاجتماعي والديني، مع تقديم حلول قائمة على الوعي والاحترام المتبادل.

الخلفية النفسية والاجتماعية للغيرة الأمومية

الغيرة ليست حكراً على العلاقات العاطفية بين الأزواج، بل قد تظهر أيضاً في علاقات الأمومة، خاصة عندما تشعر الأم بأن سلطتها على ابنها أصبحت مهددة أو منتقصة بسبب دخول امرأة جديدة إلى حياته: الزوجة.

في المجتمعات العربية، غالباً ما تنشأ علاقة عاطفية قوية ومكثفة بين الأم وابنها، خاصة في ظل أدوار الأمومة المكثفة التي تفرضها الثقافة. هذه العلاقة غالباً ما تتجاوز حدود الأمومة التقليدية لتصبح نوعاً من التملك العاطفي، فتجد الأم نفسها عاجزة عن التقبل الكامل لفكرة أن ابنها أصبح “ملكاً” لامرأة أخرى، مهما كانت مكانتها.

العوامل النفسية المحفزة للغيرة

1. الإحساس بالفقد:
   
   دخول زوجة إلى حياة الابن يُفسَّر في لاوعي الأم كنوع من “الخسارة”، إذ لم يعد محور اهتمامه مقتصراً عليها.

2. الاعتماد العاطفي:
   
   عندما تكون الأم قد جعلت ابنها مركزاً لعالمها العاطفي، فإن أي تغيير في هذا المركز يؤدي إلى أزمة نفسية تُترجم أحياناً عبر الغيرة.

3. الخوف من التهميش:
   
   شعور الأم بأن مكانتها داخل الأسرة قد تهتز، في ظل تصاعد دور الزوجة كمحور جديد لحياة الابن.

4. التنافس اللاشعوري:
   
   قد تنشأ غيرة الأم أحياناً من جمال الزوجة، شبابها، أو حتى دورها الجديد الذي قد يُفسَّر ضمنياً كمنافسة لها في الرعاية والاهتمام.

مظاهر الغيرة في السلوك اليومي

تتخذ الغيرة الأمومية تجاه الزوجة مظاهر متعددة، تختلف حسب شخصية الأم، وضعها الأسري، ومدى وعي الزوج بالأزمة. في ما يلي بعض أبرز أشكالها:

الانتقاد المستمر

غالباً ما تُبدي الأم الغيورة سلوكاً انتقادياً مفرطاً تجاه زوجة ابنها، بدءاً من طبخها، مروراً بطريقة لبسها، وانتهاء بأسلوبها في تربية الأطفال. هذا الانتقاد لا يكون موضوعياً، بل يُستخدم كوسيلة للضغط وإظهار التميز والتفوق الأمومي.

التقليل من شأن الزوجة

قد تعتمد الأم الغيورة أسلوب التقليل من قيمة الزوجة، بنعتها بأوصاف مهينة، أو التشكيك في نواياها، أو تذكير الابن دائماً بتضحياتها مقارنة بما تقدمه الزوجة.

افتعال المشكلات

تكرار افتعال المشكلات بين الأم والزوجة، غالباً دون أسباب جوهرية، هو مؤشر صريح على الغيرة. قد تتعمّد الأم التدخل في قرارات الزوجين لإثبات سلطتها، أو الإصرار على الحضور المستمر في حياة الزوجين الخاصة.

الاستحواذ على وقت الابن

من مظاهر الغيرة الواضحة سعي الأم الدائم إلى إشغال ابنها بزيارات متكررة، أو طلبات مفاجئة، أو حتى خلق مواقف تجعله مضطراً لاختيارها على حساب زوجته.

تأثير الغيرة الأمومية على الحياة الزوجية

التوتر العاطفي المستمر

يشعر الزوج في مثل هذه الحالات بأنه عالق بين قطبين متنافرين: أمه من جهة، وزوجته من جهة أخرى. هذا التوتر العاطفي المستمر قد يُفقده القدرة على اتخاذ قرارات متزنة ويضعه في موقف دفاع دائم.

ضعف الثقة بين الزوجين

عندما تفشل الزوجة في الشعور بالأمان والاحترام داخل بيتها، تتآكل ثقتها بزوجها، خصوصاً إذا أحسّت أن كلمتها لا تُحترم وأن أمّه تتدخل في كل صغيرة وكبيرة.

شعور الزوجة بالاغتراب

في البيئات التي تعيش فيها الزوجة مع حماتها، تتضخم الأزمة، إذ تشعر الزوجة بأنها ضيفة غير مرغوب فيها، وتفتقد إلى الخصوصية، ما قد يدفعها إلى الانطواء أو حتى التفكير في الطلاق.

تأثير سلبي على الأبناء

الأبناء الذين ينشأون في بيئة يسودها التوتر بين الجدة والأم، يتأثرون نفسياً. غالباً ما ينعكس هذا في شكل قلق، ضعف في الأداء المدرسي، اضطرابات سلوكية، وشعور بعدم الأمان.

الجدول التالي يوضح الفروقات بين السلوك الطبيعي للأم والسلوك الناتج عن غيرة:

الأسباب الثقافية والاجتماعية لغياب الوعي بهذه الظاهرة

رغم شيوع هذه الظاهرة في المجتمعات العربية، فإن الحديث عنها نادراً ما يتم بصراحة، وذلك لعدة أسباب ثقافية واجتماعية:

• تقديس الأم كرمز لا يجوز انتقاده:
  
  تعتبر الأم في الثقافة العربية خطاً أحمر، ما يجعل مناقشة تصرفاتها الغير منطقية نوعاً من “العقوق”، حتى لو كان الهدف هو الإصلاح.

• ضعف التثقيف الأسري:
  
  غياب الوعي بمفاهيم العلاقات الأسرية وحدود الأدوار يجعل الزوج غير قادر على إدارة الصراع بين أمه وزوجته.

• التطبيع مع التدخل الأمومي:
  
  في كثير من الأحيان، يُنظر إلى تدخل الأم في حياة ابنها وزوجته كحق طبيعي لها، لا يُنظر له كمصدر توتر.

الحلول المقترحة لمعالجة غيرة الأم من زوجة ابنها

تعزيز الاستقلالية النفسية للزوج

على الزوج أن يدرك أنه أصبح مسؤولاً عن حياة جديدة تتطلب منه النضج والاستقلالية. من الضروري أن يوازن بين احترامه لأمه وولائه لزوجته، دون الانجرار إلى تفضيل طرف على آخر بطريقة عشوائية.

وضع حدود واضحة

من المهم أن يُرسى في البيت نظام واضح للحدود، بحيث لا يُسمح لأي طرف بتجاوز حدوده. الأم تُحترم وتُكرّم، لكن دون أن يُسمح لها بالتدخل في قرارات الزوجين الخاصة.

حوار صريح ومحترم

عند تفاقم الأوضاع، لا بد من جلسات حوارية صريحة بين الأطراف الثلاثة. على الزوج أن يتحدث مع أمه بصراحة حول مشاعره، ومع زوجته حول أهمية احترام الأم، مع تأكيد على أهمية أن يسود الحوار الاحترام المتبادل.

الاستعانة بمستشار أسري

في الحالات التي تتصاعد فيها الخلافات وتصل إلى حدود الانفجار، يُستحسن اللجوء إلى متخصص في العلاقات الأسرية لتقديم المشورة. التدخل المحترف قد يساعد في نزع فتيل التوتر وإعادة التوازن.

دور الزوج في حل الأزمة

الزوج هو المحور في هذه المعادلة، وأي تهاون منه في التعامل مع الوضع يؤدي إلى تفاقم الخلافات. عليه أن يكون واعياً لدوره كوسيط عادل وحكيم، وألا ينحاز بشكل أعمى لأي طرف، بل يوزع اهتمامه وعدله بين الأم والزوجة، ويحرص على بناء بيئة أسرية متوازنة يحكمها الحب والاحترام المتبادل.

الخاتمة

الغيرة الأمومية من الزوجة ليست مرضاً أو انحرافاً، بل حالة إنسانية معقدة تنبع من مشاعر عميقة، تتطلب فهماً نفسياً عميقاً وحلولاً تقوم على الوعي، العدل، والاحترام. في المجتمعات العربية التي لا تزال تحكمها الأعراف والتقاليد الصارمة، من الضروري إعادة النظر في نمط العلاقات الأسرية، بما يضمن التوازن بين الماضي والمستقبل، وبين البر والعدالة.

المراجع:

1. مصطفى حجازي، الإنسان المهدور: دراسة تحليلية نفسية اجتماعية، المركز الثقافي العربي، 2006.

2. طارق الحبيب، تحليل الشخصية: رؤية نفسية إسلامية، دار الحضارة، 2010.