حرب الكويت: بداية النزاع وتفاصيل الصراع
تعد حرب الكويت واحدة من أبرز الحروب العسكرية التي شهدتها المنطقة العربية في القرن العشرين، وقد كانت بداية لها أحداث تاريخية شهدت تحولات جذرية في العلاقات الإقليمية والدولية. في عام 1990، اندلعت حرب الخليج الثانية، والتي شهدت غزو العراق للكويت، مما شكل نقطة تحول كبيرة في تاريخ منطقة الشرق الأوسط. وقبل أن نغوص في تفاصيل تلك الحرب، لا بد من استعراض السياق التاريخي والتوترات التي أدت إلى هذه الصراع المدمر.
الخلفية التاريخية والتوترات بين العراق والكويت
أسباب حرب الكويت لم تكن وليدة اللحظة بل كانت ثمرة توترات تاريخية بين العراق والكويت. قبل بداية القرن العشرين، كانت منطقة الخليج العربي خاضعة للسيطرة البريطانية، وكانت الكويت تتبع الحماية البريطانية في إطار سياسات الاستعمار البريطاني في المنطقة. ومع بداية القرن العشرين، حصلت الكويت على نوع من الاستقلال السياسي رغم الحماية البريطانية، مما كان يثير قلق العراق بشأن الحدود الجنوبية التي كانت تُعتبر ضبابية وغير محددة بشكل واضح.
عقب الحرب العالمية الثانية، بدأ العراق، الذي كان قد أصبح دولة ذات سيادة تحت حكم الملك فاروق، في توجيه مطالبات على الكويت. وكان من بين هذه المطالبات أن الكويت كانت جزءًا من الأراضي العراقية التي كانت قد انفصلت أثناء فترة الحكم العثماني. كانت هناك مخاوف متزايدة في العراق من أن الكويت قد تشكل تهديدًا لثروات النفط العراقية، وهو ما يمكن أن يؤثر على استقرار الاقتصاد العراقي.
من جهة أخرى، كانت الكويت، التي حصلت على استقلالها في عام 1961، تسعى إلى بناء مكانتها السياسية والاقتصادية في منطقة الخليج العربي. وقد عملت على تقوية علاقاتها مع الدول الغربية، خصوصًا المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية. هذه العلاقة المتينة مع القوى الغربية زادت من تعقيد العلاقة مع العراق.
مع مرور الوقت، تطورت القضايا الاقتصادية، وعلى وجه الخصوص النزاع حول حقول النفط، حيث كانت الكويت تستخدم أساليب استخراج النفط من الحقول المشتركة بين البلدين. كما أن الكويت كانت قد قامت بتخفيض إنتاجها من النفط بشكل فردي بهدف الحفاظ على أسعار النفط، وهو ما أثار غضب العراق الذي كان يعاني من آثار حربه الطويلة مع إيران في الثمانينات.
التحضير للغزو: الحرب العراقية الإيرانية وأزمة الديون
في الفترة التي سبقت غزو الكويت، كان العراق يعاني من آثار مريرة للحرب العراقية الإيرانية (1980-1988). الحرب كانت قد كلفت العراق مليارات الدولارات، وكانت آثارها على الاقتصاد العراقي شديدة. وعلى الرغم من أن العراق كانت قد حصلت على دعم مالي من بعض الدول العربية خلال الحرب، فإن العراق وجد نفسه في موقف اقتصادي صعب بعد انتهاء الحرب. وكان من بين أكبر الدائنين للعراق دول الخليج، وعلى رأسها الكويت والسعودية.
كان العراق قد طلب من الكويت إلغاء جزء من ديونه التي كانت قد تراكمت خلال الحرب. لكن الكويت رفضت هذا الطلب، بل إن الكويت أظهرت نية لزيادة إنتاج النفط في منطقة “الرميلة” المشتركة بين البلدين، وهو ما اعتبره العراق انتهاكًا لحقوقه في الحقول النفطية. هذا التصعيد الاقتصادي كان من العوامل الرئيسية التي غذت التوترات بين البلدين.
غزو الكويت: يوم 2 أغسطس 1990
في الثاني من أغسطس 1990، بدأت القوات العراقية في تنفيذ غزو شامل للكويت. العملية العسكرية بدأت في ساعات الصباح الباكر، حيث عبرت القوات العراقية الحدود الجنوبية واحتلت العاصمة الكويت. كانت الحملة العسكرية سريعة جدًا، وفي أقل من 24 ساعة، كانت الكويت قد سقطت بالكامل في يد القوات العراقية.
كانت القوات العراقية تقدر بحوالي 100,000 جندي، وقد تم دعمها بأسلحة ثقيلة وطائرات هجومية. في المقابل، كان لدى الكويت حوالي 16,000 جندي فقط، مع دعم جوي محدود. لم تكن القوات الكويتية قادرة على مقاومة الغزو العراقي، وسرعان ما اندلعت المعارك في العاصمة الكويتية. وسعت العراق إلى تدمير البنية التحتية الكويتية، بما في ذلك المنشآت النفطية.
ردود الفعل الدولية: تشكيل التحالف الدولي
أدى غزو الكويت إلى رد فعل قوي من المجتمع الدولي. فقد اعتبرت الولايات المتحدة، التي كانت تملك مصالح استراتيجية في منطقة الخليج العربي، الغزو تهديدًا مباشرًا لأمن المنطقة. وعلى إثر ذلك، بدأ التحرك الدولي ضد العراق. في 29 أغسطس 1990، أصدر مجلس الأمن الدولي قرارًا رقم 660 الذي أدان الغزو وطلب انسحاب القوات العراقية من الكويت.
في سبتمبر من نفس العام، تم تشكيل تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة بهدف تحرير الكويت من الاحتلال العراقي. ضم التحالف دولًا من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الدول الغربية (مثل المملكة المتحدة وفرنسا) والدول العربية (مثل السعودية ومصر وسوريا). كان هذا التحالف بمثابة استجابة مباشرة للأزمة، وقد عُقد اجتماع في جدة بالمملكة العربية السعودية، حيث تم الإعلان عن “حرب تحرير الكويت”.
الحرب البرية والتحرير
في 17 يناير 1991، بدأت عمليات التحالف ضد العراق تحت اسم “عاصفة الصحراء”. بدأت الحملة الجوية المكثفة، التي دامت نحو خمسة أسابيع، وتم خلالها تدمير الكثير من البنية التحتية العسكرية العراقية، بما في ذلك الدفاعات الجوية والطائرات الحربية. وكان الهدف من هذه الحملة الجوية تمهيد الطريق للهجوم البري اللاحق.
في 24 فبراير 1991، بدأ الهجوم البري لتحرير الكويت، الذي أطلق عليه اسم “حرب تحرير الكويت”. القوات البرية المشتركة (التحالف الدولي) قادت الهجوم على القوات العراقية. كانت المعركة قصيرة جدًا، حيث تمكنت القوات من اجتياح القوات العراقية بسرعة، بينما كانت القوات العراقية تعاني من تدهور معنوياتها بسبب الضغوط الجوية.
في 26 فبراير 1991، تمكنت قوات التحالف من دخول العاصمة الكويت وتحريرها بالكامل من الاحتلال العراقي. وبعد تحرير الكويت، بدأت القوات العراقية في الانسحاب من الأراضي الكويتية، لكن الأضرار التي لحقت بالكويت كانت هائلة، فقد تم تدمير العديد من المنشآت النفطية والحكومية.
النتائج والآثار
نتج عن حرب الكويت العديد من التداعيات السياسية والعسكرية. أولًا، كانت نتائج الغزو العراقي مريرة بالنسبة للعراق. فقد تعرضت القوات العراقية لانتكاسات شديدة، وتم فرض عقوبات اقتصادية صارمة من قبل الأمم المتحدة على العراق، كما تم تدمير جزء كبير من بنيته العسكرية. كما استمرت القوات العراقية في مواجهة التفتيش الدولي لأسلحة الدمار الشامل.
أما بالنسبة للكويت، فقد تكبدت خسائر بشرية ومادية كبيرة، حيث تم تدمير العديد من المباني والمنشآت النفطية، كما شرد الغزو آلاف الكويتيين. ومع ذلك، استطاعت الكويت بعد الحرب أن تعيد بناء نفسها بسرعة بفضل الدعم الدولي، خصوصًا من دول الخليج والدول الغربية.
على الصعيد الإقليمي، أسفرت الحرب عن تعزيز النفوذ الأمريكي في منطقة الخليج، حيث أسس التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة قاعدة عسكرية دائمة في المنطقة. كما كانت الحرب نقطة تحول في العلاقات الدولية وظهور النظام العالمي الأحادي القطبية، بقيادة الولايات المتحدة.
الخاتمة
حرب الكويت كانت واحدة من أدمى الحروب في التاريخ الحديث لمنطقة الشرق الأوسط. كانت بداية لمرحلة جديدة من الصراعات الإقليمية والدولية، وتركت آثارًا طويلة الأمد على العديد من الدول. ورغم الدمار الذي خلفته الحرب، إلا أن الكويت استطاعت أن تستعيد استقلالها وازدهارها، بينما ظل العراق يعاني من تبعات الحرب حتى تدخلات السنوات اللاحقة في الشؤون العراقية.
