العملة الرسمية لدولة نيجيريا: النيرة النيجيرية NGN

تعد نيجيريا من أكبر الدول الإفريقية من حيث عدد السكان والاقتصاد، وتمثل قوة اقتصادية وسياسية بارزة في غرب القارة الإفريقية. من أبرز المكونات التي تشكل الهوية الاقتصادية لأي دولة هي عملتها الرسمية، وفي حالة نيجيريا، فإن العملة الوطنية هي “النيرة النيجيرية” (Nigerian Naira)، والتي يُرمز لها بالرمز ₦ وتُعرف بالاختصار الدولي “NGN”. تحمل هذه العملة أهمية اقتصادية، تاريخية، وسياسية، تجعل من فهم تطورها وتحولاتها ضرورة لفهم المشهد الاقتصادي النيجيري بشكل أعمق.

نبذة تاريخية عن النيرة النيجيرية

ظهرت النيرة النيجيرية لأول مرة في عام 1973، لتحل محل الجنيه النيجيري الذي كان يُستخدم في البلاد إبان الحقبة الاستعمارية البريطانية. وقد شكل هذا التحول خطوة حاسمة نحو تعزيز السيادة الاقتصادية الوطنية بعد الاستقلال عن بريطانيا في عام 1960. اتخذت الحكومة النيجيرية حينها قراراً استراتيجياً بتبني نظام عشري للعملة، حيث أن 1 نيرة = 100 كوبو (Kobo)، وذلك تماشياً مع الأنظمة النقدية الحديثة والمتطورة.

الاسم “نيرة” مشتق من لفظة “نايجيريا” نفسها، وتم اعتماده من قبل البنك المركزي النيجيري (CBN)، الجهة المسؤولة عن إصدار العملة وتنظيم السياسة النقدية في البلاد. وقد تميزت النسخ الأولى من النيرة بتصميماتها التي حملت صوراً لأبرز الرموز الوطنية والشخصيات التاريخية النيجيرية، إلى جانب معالم ثقافية وجغرافية مميزة للبلاد.

تطور النيرة عبر العقود

فترة الاستقرار النسبي (1973–1985)

خلال السنوات الأولى بعد إصدار النيرة، تمتعت العملة بقوة شرائية ملحوظة، وكانت قيمتها متقاربة إلى حد ما مع الدولار الأمريكي. إلا أن اعتماد الاقتصاد النيجيري بشكل مفرط على النفط أدى إلى هشاشة العملة أمام تقلبات الأسعار العالمية، وهو ما جعل النيرة عرضة للتدهور السريع لاحقاً.

التدهور في التسعينيات

شهدت النيرة انخفاضًا حادًا في قيمتها خلال الثمانينات والتسعينات، نتيجة لعوامل عديدة، أبرزها:

• الاعتماد شبه الكامل على صادرات النفط الخام دون تنويع اقتصادي حقيقي.

• الفساد السياسي والإداري الذي أنهك الاقتصاد الوطني.

• برامج الإصلاح الاقتصادي المدعومة من صندوق النقد الدولي، والتي تضمنت تعويمًا جزئيًا للعملة وتخفيض قيمتها بهدف تعزيز الصادرات وتقليص العجز التجاري.

نتيجة لذلك، تآكلت القوة الشرائية للنيرة بشكل كبير، وانتشرت السوق السوداء لتداول العملات الأجنبية، وهو ما زاد من ضعف العملة الرسمية.

فئات النيرة: عملات ورقية ومعدنية

العملات الورقية:

تشرف شركة الطباعة النيجيرية للأوراق النقدية (Nigerian Security Printing and Minting Company) على طباعة الأوراق النقدية بالتنسيق مع البنك المركزي. وتشمل الفئات الورقية الحالية:

• 5 نيرة

• 10 نيرة

• 20 نيرة

• 50 نيرة

• 100 نيرة

• 200 نيرة

• 500 نيرة

• 1000 نيرة

تُصمم هذه الفئات بتقنيات متقدمة لمكافحة التزوير، وتشمل العلامات المائية، الخيوط الأمنية، وأحبار الألوان المتغيرة، إلى جانب صور شخصيات نيجيرية بارزة مثل: ننامدي أزيكيوي، أول رئيس لنيجيريا المستقلة، وأوباڤيميا أولوو، الزعيم الثقافي لليوروبا.

العملات المعدنية:

رغم أن العملات المعدنية لم تعد شائعة في الاستخدام اليومي بسبب التضخم، إلا أن النظام النقدي لا يزال يحتفظ بها في فئاته الرسمية، وتشمل:

• 50 كوبو

• 1 نيرة

• 2 نيرة

غالباً ما تستخدم هذه العملات في التسعيرات الرمزية أو ضمن العمليات المصرفية الإلكترونية.

تعويم النيرة وسياسات البنك المركزي

التعويم الجزئي

في عام 2016، أعلن البنك المركزي النيجيري تبني سياسة “سعر صرف مرن”، وهي خطوة تُعتبر بمثابة تعويم جزئي للعملة، حيث سمح بتحديد سعر صرف النيرة بناءً على قوى السوق من عرض وطلب، ولكن مع تدخل محدود للحفاظ على استقرار السوق.

تهدف هذه الخطوة إلى:

• تقليل الضغط على احتياطي النقد الأجنبي.

• مواجهة السوق السوداء للعملات.

• جذب الاستثمارات الأجنبية.

إلا أن هذه السياسات لم تؤتِ ثمارها بالكامل، بل أدت في كثير من الأحيان إلى تفاقم الأزمة النقدية، حيث ظل الفارق بين السعر الرسمي وسعر السوق السوداء كبيرًا.

جهود إعادة التصميم 2022–2023

أعلن البنك المركزي النيجيري في نهاية عام 2022 عن مشروع لإعادة تصميم بعض فئات العملة الورقية، شملت 200، 500، و1000 نيرة. وقد تم تبرير هذا القرار بأسباب تتعلق بمكافحة التزوير، والفساد، وتدوير الأموال غير القانونية. لكن التغيير أثار موجة من الجدل والنقد، خصوصاً بسبب النقص الحاد في السيولة خلال عملية الانتقال.

التضخم والتحديات الاقتصادية

تشهد نيجيريا معدلات تضخم مرتفعة تتجاوز أحياناً 20% سنويًا، ما يؤثر بشكل مباشر على قيمة النيرة الشرائية. يعود ذلك إلى عدة عوامل، منها:

• الاعتماد الكبير على الواردات، مما يزيد الضغط على العملة الأجنبية.

• عدم الاستقرار الأمني، خاصة في المناطق الشمالية التي تعاني من تمرد جماعات مسلحة.

• السياسات النقدية المتذبذبة.

• ضعف البنية التحتية الصناعية والزراعية.

كل هذه العوامل ساهمت في تدهور قيمة النيرة مقابل العملات الأجنبية، وعلى رأسها الدولار الأمريكي واليورو.

أسعار صرف النيرة مقابل العملات الأجنبية

من المهم تتبع أسعار صرف النيرة باستمرار نظراً لتذبذبها. في الجدول التالي، نستعرض متوسط أسعار صرف النيرة مقابل بعض العملات العالمية الرئيسية في السوق الرسمية خلال عام 2024:

هذه الأرقام تتغير بمرور الوقت وتعتمد على متغيرات داخلية وخارجية عديدة.

الاقتصاد الرقمي ومستقبل النيرة

في ظل التحولات التكنولوجية العالمية، قامت نيجيريا بخطوة جريئة بإطلاق العملة الرقمية الرسمية “إي-نيرة” (eNaira) في أكتوبر 2021، لتكون بذلك أول دولة إفريقية تطلق عملة رقمية للبنك المركزي (CBDC). تهدف eNaira إلى:

• تعزيز الشمول المالي.

• تسريع المعاملات النقدية الرقمية.

• تقليل اعتماد المواطنين على الدولار والعملات الأجنبية.

• محاربة الاقتصاد الموازي.

ورغم التحديات المرتبطة بالتوعية الرقمية والبنية التحتية التقنية، إلا أن هذه الخطوة تمثل بداية لعصر جديد في نظام المدفوعات الوطني في نيجيريا، وتفتح المجال لتطورات مستقبلية محتملة في سياسات النقد.

العملة والهوية الوطنية

لا تقتصر أهمية النيرة على الجوانب الاقتصادية فقط، بل تمتد لتكون رمزًا من رموز الهوية الوطنية. إذ تحفل تصاميم العملة بصور تمثل التنوع الثقافي والعرقي الغني في البلاد، مما يعزز من الشعور بالانتماء والهوية الوطنية، في بلد يعاني من انقسامات عرقية ودينية بين الشمال المسلم والجنوب المسيحي.

دور النيرة في التجارة الإفريقية

كون نيجيريا عضواً مؤسسًا في منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (AfCFTA)، فإن النيرة مرشحة لأن تلعب دورًا إقليميًا هامًا في التجارة البينية في غرب إفريقيا. وقد طُرحت عدة مبادرات لتقوية استخدامها في المبادلات التجارية الإقليمية، بدلاً من الاعتماد على العملات الأجنبية مثل الدولار أو اليورو.

غير أن هذه الطموحات لا يمكن أن تتحقق دون تقوية البنية النقدية الداخلية، وتعزيز الثقة في النيرة من خلال استقرار اقتصادي ونقدي مستدام.

الخلاصة

تمثل النيرة النيجيرية أكثر من مجرد أداة للتبادل المالي؛ فهي مرآة تعكس الوضع الاقتصادي والسياسي في أكبر دولة إفريقية من حيث عدد السكان. على مدى نصف قرن، شهدت العملة تطورات دراماتيكية، من الاستقرار إلى الانحدار، ومن الإصلاح إلى الرقمنة، مما يجعل من دراسة تاريخها ومآلاتها ضرورة لفهم المشهد الاقتصادي النيجيري.

وفي ظل التحديات المتعددة، تظل النيرة محورية في رسم ملامح المستقبل الاقتصادي لنيجيريا، بما في ذلك قدرتها على الصمود أمام الأزمات، وتبنيها للرقمنة، وانفتاحها على العالم ضمن سياق عولمي متسارع.

المراجع:

1. Central Bank of Nigeria – https://www.cbn.gov.ng

2. IMF Country Report on Nigeria, 2023 – International Monetary Fund