عنوان المقال: علاج سرقة الأطفال تربويًا
تُعدّ السرقة لدى الأطفال من المشكلات السلوكية المؤرقة التي تواجه العديد من الأُسر، وهي سلوك يثير القلق، سواء أكان ناجمًا عن دوافع بريئة كجهل الطفل بمفهوم الملكية، أم عن مشكلات أعمق ترتبط بالحرمان أو الاضطرابات النفسية أو البيئية. وتكمن خطورة هذا السلوك في إمكانية تطوره إلى عادة متجذرة إذا لم يُعالج في مراحله المبكرة، ما قد يؤدي إلى انحراف الطفل مستقبلاً.
يتطلب التعامل مع الطفل السارق فهمًا عميقًا لطبيعة نموه النفسي والاجتماعي، كما يتطلب وعيًا تربويًا يميز بين السلوك كظاهرة مؤقتة قد تكون طبيعية في بعض المراحل العمرية، وبين السلوك كعرض لمشكلة تحتاج إلى تدخل تربوي منظم وممنهج. هذا المقال يتناول بتفصيل معمق أسباب السرقة عند الأطفال، مؤشرات الخطر، والطرق التربوية والعلمية للتعامل مع هذا السلوك بما يضمن تصحيحه دون الإضرار بالحالة النفسية للطفل.
أولاً: مفهوم السرقة عند الأطفال
السرقة تُعرف بأنها أخذ شيء لا يملكه الشخص دون إذن صاحبه وبنية الاحتفاظ به، وهي فعل يخالف القواعد الاجتماعية والأخلاقية. غير أن هذا التعريف لا ينطبق دومًا بحذافيره على الأطفال، إذ أن إدراك الطفل للملكية وحقوق الآخرين يتطور تدريجيًا مع النمو العقلي والاجتماعي. فالطفل في سنواته الأولى لا يُفرّق بوضوح بين ما يملكه وما يملكه الآخرون، كما أن الدافع وراء الاستحواذ قد لا يكون نية السرقة بل الفضول أو الحاجة.
ثانيًا: الأسباب النفسية والاجتماعية وراء سرقة الطفل
لفهم سلوك السرقة عند الأطفال، يجب تحليل أسبابه ضمن السياق النفسي والاجتماعي والتربوي الذي يعيش فيه الطفل. فيما يلي أهم الأسباب المحتملة:
1. غياب الوعي بمفهوم الملكية
خاصة في المراحل العمرية بين 3-6 سنوات، حيث لا يزال الطفل غير قادر على التمييز الكامل بين مفهوم “ملكي” و”ملكية الغير”، ويظن أن ما يعجبه أو يلفت نظره من حقه أن يأخذه.
2. الحرمان المادي أو العاطفي
الطفل الذي يعاني من الفقر أو من غياب الحنان والرعاية، قد يلجأ إلى السرقة كوسيلة للحصول على ما يفتقر إليه، سواء كان غرضًا ماديًا كالألعاب أو طعامًا، أو تعبيرًا عن غضبه وحاجته إلى الاهتمام.
3. تقليد الآخرين
الطفل يتأثر بسلوك من حوله، وإذا رأى أقرانه أو أفراد أسرته يمارسون سلوكيات خاطئة كأخذ أشياء دون استئذان، فقد يقلدهم دون إدراك لخطورة ما يفعل.
4. ضعف الرقابة التربوية
في البيئات التي يغيب فيها الانضباط الأسري والقدوة الحسنة، ومع غياب الحوارات التربوية، تزداد احتمالية انحراف السلوك.
5. اضطرابات نفسية أو سلوكية
بعض الأطفال المصابين باضطرابات مثل فرط النشاط ونقص الانتباه (ADHD)، أو اضطرابات التحدي والعناد، أو اضطراب السلوك، يكون لديهم اندفاع سلوكي قد يتضمن السرقة دون تفكير بالعواقب.
6. البحث عن الإثارة والانتباه
في بعض الحالات، يسرق الطفل لا لحاجته للغرض المأخوذ، بل كنوع من جذب الانتباه أو كاختبار للحدود والقوانين.
ثالثًا: التقييم الأولي للسلوك
للتعامل الصحيح مع هذا السلوك، يجب أولًا تقييم طبيعة الفعل وفقًا للمعايير التالية:
| المعيار | دلالة إيجابية | دلالة سلبية |
|---|---|---|
| العمر | أقل من 6 سنوات | أكبر من 7 سنوات |
| تكرار الفعل | لمرة واحدة | سلوك متكرر |
| الدافع | بدافع الفضول | بدافع الانتقام أو المتعة |
| الوعي بالخطأ | يشعر بالذنب | لا يشعر بالذنب أو يتباهى |
هذا الجدول يساعد في التمييز بين حالة طبيعية عابرة يمكن معالجتها بسهولة، وحالة تحتاج إلى تدخل تربوي أو حتى نفسي متخصص.
رابعًا: خطوات التعامل التربوي مع الطفل السارق
يتطلب الأمر تدخلًا متدرجًا ومدروسًا. فيما يلي خطة متكاملة للتعامل مع هذه المشكلة:
1. الهدوء وعدم التسرع في رد الفعل
الانفعالات القوية مثل الضرب أو الإهانة تضر أكثر مما تنفع. يجب الحفاظ على الهدوء عند اكتشاف الفعل ومناقشته بهدوء.
2. فهم الدافع خلف السلوك
يجب الاستماع للطفل ومحاولة فهم لماذا قام بالسرقة. هل هو محتاج؟ هل يشعر بالغيرة؟ هل يحاول لفت الانتباه؟ هذا الفهم يساعد في صياغة خطة التدخل المناسبة.
3. تعليمه القيم الأخلاقية والملكية
عبر القصص التربوية والحوار الإيجابي، يجب شرح معنى “الملكية” و”الاستئذان” و”الصدق” بطريقة يفهمها الطفل.
4. تشجيعه على إصلاح خطئه
من المهم دفع الطفل إلى إعادة ما سرقه، أو الاعتذار إذا كان ذلك مناسبًا، دون إذلال أو فضح علني له، فالغرض هو التعلم وليس العقاب.
5. تعزيز السلوك الإيجابي
كلما أظهر الطفل سلوكًا مسؤولًا، يجب مكافأته لفظيًا أو ماديًا. هذا يساعده على ربط السلوك الإيجابي بالمكافأة.
6. الحد من الوصول إلى الإغراءات
خصوصًا في سن مبكرة، يجب تقليل الفرص التي قد تدفع الطفل للسرقة، كترك النقود في متناوله، أو تعريضه لمواقف فيها فروقات طبقية صارخة.
7. توفير البدائل
يجب التأكد من أن الطفل يحصل على ما يكفي من الألعاب والاهتمام والحب، وأن لديه وسائل تعبير عن مشاعره واحتياجاته.
8. المراقبة دون تجسس
توفير بيئة رقابية تشعر الطفل بوجود من يوجهه ويراقبه، دون شعوره بالاتهام أو فقدان الثقة.
9. التعاون بين المدرسة والمنزل
إذا تكررت السرقات في المدرسة، من الضروري التعاون مع المرشد النفسي والمعلمين لتوحيد الجهود وتصحيح السلوك.
خامسًا: الحالات التي تستوجب استشارة مختص
في بعض الحالات، لا يكون السلوك عرضيًا بل علامة على اضطراب أعمق. وتشمل هذه الحالات:
-
استمرار السلوك بعد التوجيه والتقويم.
-
تمادي الطفل في سلوكيات أخرى مثل الكذب أو التعدي.
-
افتخار الطفل بسلوكه أو شعوره بالقوة من خلاله.
-
وجود مشكلات سلوكية أو نفسية مترافقة.
-
تعرض الطفل لإهمال حاد أو سوء معاملة.
في هذه الحالات، يوصى بالتوجه إلى مختص نفسي أو تربوي لتقييم الحالة بدقة وتقديم علاج سلوكي معرفي.
سادسًا: أثر العقاب السلبي والخطاب التهديدي
عندما يُقابل سلوك السرقة بالصراخ أو التهديد أو التخويف، فإن الأثر قد يكون عكسيًا، ويؤدي إلى تعميق المشكلة. الطفل قد يلجأ إلى الكذب أو الخداع لتجنب العقاب، مما يخلق دائرة من السلوكيات السلبية.
التأديب الناجح لا يعني القسوة، بل الاتساق في وضع الحدود، مع الحفاظ على علاقة آمنة ومحبة مع الطفل.
سابعًا: دور القدوة في التربية
الطفل يتعلم أكثر من خلال المشاهدة مما يتعلمه من التعليمات. إذا لاحظ الطفل أن والديه يأخذان أشياء دون استئذان، أو يتحايلان في التعاملات المادية، فسيعتبر ذلك سلوكًا طبيعيًا.
لذا يجب أن يكون الكبار قدوة في:
-
احترام ملكية الآخرين.
-
الأمانة في التعاملات.
-
الاعتراف بالخطأ وإصلاحه.
ثامنًا: الوقاية من السلوك السرقي
الوقاية التربوية تبدأ منذ السنوات الأولى، وتشمل:
-
غرس القيم الأخلاقية من خلال القصص.
-
تعليم الطفل من سن مبكر أن يسأل قبل أن يأخذ.
-
تشجيعه على المشاركة وتبادل الأشياء مع الآخرين.
-
منحه مصروفًا بسيطًا وتعليمه كيفية التصرف فيه.
-
إشراكه في أنشطة تعزز الثقة بالنفس والانتماء.
تاسعًا: التأثير طويل المدى للسرقة غير المعالجة
إذا أُهملت المشكلة أو عولجت بطريقة غير صحيحة، قد تتطور السرقة لتصبح عادة مرضية تُعرف في علم النفس باسم “الكلبتومانيا” (اضطراب السرقة القهرية)، أو تصبح بوابة لانحرافات اجتماعية وجنائية مستقبلية.
في المقابل، المعالجة المبكرة والمتوازنة تعزز من وعي الطفل الأخلاقي وتمنعه من الانزلاق في سلوكيات أكثر خطورة.
المراجع:
-
عبد الرحمن العيسوي، “علم نفس الطفل والمراهق”، دار المعرفة الجامعية.
-
شفيق جبرة، “إرشاد الطفل سلوكيًا ونفسيًا”، دار الفكر العربي.
