علاج تسنين الأطفال: دليل شامل للتعامل مع مرحلة التسنين

تُعد مرحلة التسنين من أكثر المراحل تحدياً في حياة الطفل وأسرته، لما يرافقها من أعراض مزعجة وتأثيرات على سلوك الطفل وصحته العامة. تبدأ أولى علامات التسنين عادة ما بين عمر 4 إلى 7 أشهر، وقد تتفاوت من طفل لآخر. ومن المهم أن يكون لدى الأهل فهم دقيق لهذه المرحلة، ليس فقط للتعامل مع الألم والانزعاج، بل أيضاً لدعم النمو الصحي للأسنان وتفادي المشكلات المحتملة.

يشمل علاج تسنين الأطفال طيفاً واسعاً من الوسائل الطبيعية والطبية والسلوكية، التي تهدف إلى تخفيف الألم، تقليل الالتهابات، تحسين راحة الطفل، والوقاية من المضاعفات. يعتمد نجاح العلاج على مدى استجابة الطفل ومدى ملاءمة الخيارات المتاحة لعمره وحالته الصحية. وفي هذا المقال، نستعرض بشكل موسّع الأساليب العلمية والعملية في علاج التسنين عند الأطفال، بدءاً من الفهم البيولوجي لعملية التسنين، مروراً بالأعراض والعلامات، وانتهاءً بأفضل الطرق العلاجية المتاحة وفقاً لأحدث التوصيات الطبية.

الفهم البيولوجي لعملية التسنين

يبدأ تكوّن الأسنان اللبنية لدى الجنين في رحم الأم، حيث تبدأ البراعم السنية بالتشكل خلال الأسبوع السادس إلى الثامن من الحمل. وعند الولادة، يكون الطفل مزودًا بجميع الأسنان اللبنية داخل اللثة، لكنها تبدأ بالظهور تدريجيًا بعد الولادة.

تبدأ عملية التسنين عادة بين الشهر الرابع والسابع من العمر، وقد تمتد إلى عمر 12 شهراً عند بعض الأطفال دون أن يشير ذلك إلى مشكلة صحية. تتراوح المدة الزمنية لبزوغ كل سن بين عدة أيام إلى أسبوعين، وتستمر العملية حتى عمر ثلاث سنوات تقريبًا، حيث يكتمل ظهور العشرين سناً لبنياً.

أعراض التسنين عند الأطفال

الأعراض المرتبطة بالتسنين تختلف من طفل لآخر، وتتفاوت في شدتها. تشمل الأعراض الأكثر شيوعًا ما يلي:

• زيادة إفراز اللعاب (الريالة)

• عض الأصابع أو الألعاب أو أي شيء آخر

• تهيج اللثة واحمرارها وتورمها

• بكاء الطفل دون سبب واضح

• اضطراب النوم وعدم انتظامه

• رفض الطعام أو ضعف الشهية

• فرك الأذن أو الخد

• حرارة خفيفة (أقل من 38 درجة مئوية)

من المهم التمييز بين الأعراض الطبيعية للتسنين والأعراض التي قد تشير إلى أمراض أخرى مثل الالتهابات الفيروسية أو البكتيرية، خاصة عند وجود ارتفاع كبير في درجة الحرارة أو إسهال شديد أو طفح جلدي ممتد.

الجدول الزمني لبزوغ الأسنان اللبنية

العلاجات الطبيعية لتسنين الأطفال

تعتمد العلاجات الطبيعية على وسائل غير دوائية تهدف إلى تخفيف آلام اللثة وتهدئة الطفل دون آثار جانبية:

تدليك اللثة

يُعد تدليك لثة الطفل بلطف باستخدام إصبع نظيف أو قطعة شاش مبللة بالماء الدافئ من أكثر الطرق فاعلية في تهدئة الألم وتخفيف التهيج.

استخدام عضّاضات التسنين

تتوفر عضّاضات مصنوعة من السيليكون أو المطاط الآمن طبيًا، ويمكن تبريدها (دون تجميدها) لتخفيف الألم. يُفضل تجنب العضّاضات المملوءة بالسوائل لاحتمال تسربها.

تقديم أطعمة باردة

في حال كان الطفل قد بدأ تناول الأطعمة الصلبة، يمكن تقديم شرائح الخيار أو الجزر البارد أو مهروس التفاح المبرد تحت إشراف مباشر لتجنب خطر الاختناق.

تحسين بيئة النوم

توفير بيئة هادئة للنوم، وتطبيق روتين يومي ثابت يساعد في تقليل الانزعاج الليلي المرتبط بالتسنين.

العلاجات الطبية لتسنين الأطفال

في بعض الحالات، يكون من الضروري اللجوء إلى العلاجات الدوائية بعد استشارة الطبيب:

استخدام المسكنات الموضعية

توجد جلّات مخصصة للتسنين تحتوي على مواد مخدّرة موضعية مثل “ليدوكائين”، لكن يُمنع استخدامها دون وصفة طبية، خاصة للأطفال دون عمر السنتين، لما لها من آثار جانبية خطيرة على الجهاز العصبي والتنفس.

الباراسيتامول أو الإيبوبروفين

يُعد الباراسيتامول الخيار الأول لتخفيف الألم والحمى عند الأطفال بعد عمر 3 أشهر، بينما يستخدم الإيبوبروفين بعد عمر 6 أشهر. يجب الالتزام بالجرعات المقررة بحسب العمر والوزن.

العلاجات المثلية

تتوفر بعض المنتجات التي تعتمد على مكونات مثل “الكاموميل” أو “البيلادونا”، لكن فعاليتها لا تزال موضع نقاش في الأوساط الطبية، ويُفضّل توخي الحذر عند استخدامها.

المحاذير الواجب الانتباه لها

توجد بعض العادات والمنتجات الشائعة التي يجب تجنبها أثناء فترة التسنين، لما لها من أضرار محتملة:

• استخدام جواهر العنبر: تدعي بعض الجهات أن قلائد العنبر تخفف التسنين، لكن الدراسات لم تثبت فعاليتها، وهي تشكل خطراً كبيراً بالاختناق أو الانخناق.

• فرك اللثة بالكحول أو العسل: هاتان الطريقتان شائعتان تقليديًا، لكنهما مضرّتان، فالعسل قد يحتوي على بكتيريا “كلوستريديوم بوتولينوم” الخطرة على الرضع، والكحول خطر على الجهاز العصبي.

• الإفراط في استخدام المسكنات: الاستخدام غير المراقب للأدوية قد يؤدي إلى تسمم أو آثار جانبية خطيرة.

الدعم النفسي والسلوكي للطفل

الرعاية النفسية والسلوكية تُعد جزءاً لا يتجزأ من علاج التسنين. فخلال هذه المرحلة، يحتاج الطفل إلى مزيد من الحنان والاحتواء والتفاعل:

• الحمل المتكرر وتهدئة الطفل: يزيد الاتصال الجسدي من إفراز هرمونات الراحة مثل الأوكسيتوسين.

• الغناء أو قراءة القصص: تشتيت انتباه الطفل يساعد على تقليل تركيزه على الألم.

• الاستحمام بماء دافئ: يساعد في استرخاء العضلات وتهدئة الجهاز العصبي.

تأثير التسنين على التغذية والنمو

يُلاحظ خلال مرحلة التسنين أن بعض الأطفال يرفضون الرضاعة أو تناول الطعام بسبب الألم، مما قد يؤثر مؤقتًا على النمو. لذلك ينبغي على الأهل مراقبة وزن الطفل وتقديم الأطعمة بطرق جديدة تحفّزه على الأكل، مثل التقديم البارد أو المهروس جيدًا، والحرص على استمرار الرضاعة.

الوقاية من مشاكل الأسنان اللبنية

رغم أن الأسنان اللبنية مؤقتة، إلا أن العناية بها ضرورية جداً للحفاظ على صحة الفم العامة وتجنب المضاعفات. تتضمن خطوات الوقاية:

• تنظيف اللثة قبل بزوغ الأسنان باستخدام شاش مبلل بعد كل رضعة

• البدء بتفريش الأسنان فور ظهورها بفرشاة ناعمة وماء فقط، ثم باستخدام معجون خاص بالأطفال بعد عمر سنتين

• زيارة طبيب الأسنان لأول مرة بين عمر 6 إلى 12 شهراً

• الابتعاد عن إرضاع الطفل أثناء النوم بدون تنظيف الفم بعدها لتجنب “تسوس الرضاعة”

حالات تستدعي التدخل الطبي العاجل

على الرغم من أن التسنين عملية طبيعية، إلا أن بعض الأعراض قد تكون مؤشرًا على مشكلات تتطلب تدخلًا طبيًا:

• ارتفاع درجة الحرارة لأكثر من 38.5 درجة مئوية

• الإسهال الشديد أو المستمر

• فقدان الوزن أو الامتناع التام عن الأكل

• وجود إفرازات دموية أو صديدية من اللثة

• أعراض تستمر أكثر من أسبوع دون تحسن

في هذه الحالات، من الضروري مراجعة طبيب الأطفال لتشخيص الحالة بدقة واستبعاد أي أمراض أخرى.

الخلاصة

التسنين مرحلة طبيعية لكنها مصحوبة بالعديد من التحديات الصحية والسلوكية. التعامل معها يتطلب مزيجاً من الفهم العميق لآليات التسنين، والتعامل الحذر مع الأعراض، وتطبيق الأساليب المناسبة من العلاج الطبيعي أو الدوائي، إلى جانب الدعم النفسي والسلوكي. كما أن الوقاية من المضاعفات المرتبطة بالتسنين تبدأ من العناية الفموية المبكرة والتوجيه الصحي المستمر من قبل المختصين.

من خلال التسلح بالمعلومة الصحيحة وتطبيق الإجراءات المناسبة، يمكن تخفيف الكثير من الأعباء عن الطفل ووالديه خلال هذه المرحلة المهمة في نموه.

المراجع:

1. American Academy of Pediatrics (AAP). “Teething: 10 Things You Should Know”. healthychildren.org

2. Mayo Clinic. “Teething: Symptoms and remedies”. mayoclinic.org