علاج ارتفاع درجة حرارة الحامل: مقاربة شاملة للوقاية والعلاج الآمن

تُعدّ فترة الحمل من أكثر المراحل حساسية في حياة المرأة، إذ تتطلب مراقبة دقيقة للحالة الصحية وتجنب أي ظروف قد تؤثر سلباً على الجنين أو الأم. ومن بين الحالات التي تستدعي اهتماماً خاصاً هي ارتفاع درجة حرارة الجسم أثناء الحمل، وهي حالة قد تبدو بسيطة في الظروف العادية، لكنها في حالة الحامل قد تحمل مضاعفات خطيرة إذا لم تُعالج بالشكل السليم. يتطلب الأمر معرفة الأسباب المحتملة، وسبل التشخيص، والعلاج الآمن الذي لا يُعرض صحة الجنين للخطر.

مفهوم الحمى أثناء الحمل ومدى خطورتها

تُعرّف الحمى بأنها ارتفاع درجة حرارة الجسم عن 38 درجة مئوية، ويُعد هذا الارتفاع مؤشراً على استجابة الجسم لعدوى أو التهابات. وقد يرتبط ارتفاع الحرارة أثناء الحمل بمخاطر صحية متعددة، لا سيما في المراحل المبكرة من الحمل، حيث يمكن أن يتداخل مع نمو الجنين وتطوره.

تشير دراسات علمية منشورة في مجلة Obstetrics & Gynecology إلى أن ارتفاع الحرارة الشديد في الأشهر الأولى قد يؤدي إلى خلل في تكوّن الأنبوب العصبي للجنين، كما أن استمرار الحمى في مراحل لاحقة من الحمل قد يزيد من خطر الولادة المبكرة أو انخفاض وزن الطفل عند الولادة.

الأسباب المحتملة لارتفاع درجة حرارة الحامل

تتعدد الأسباب التي قد تؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الجسم لدى الحامل، وتتنوع بين أسباب بسيطة وأخرى تتطلب تدخلاً طبياً عاجلاً. ومن أبرز هذه الأسباب:

1. العدوى الفيروسية والبكتيرية

مثل:

• الإنفلونزا ونزلات البرد، والتي تنتشر بسهولة في فصول الشتاء.

• عدوى الجهاز البولي، وهي شائعة خلال الحمل نتيجة ضغط الرحم على المثانة.

• التهاب الشعب الهوائية أو الالتهاب الرئوي.

• عدوى الجهاز التناسلي.

• العدوى السريرية مثل الليستيريا أو التوكسوبلازما.

2. تغيرات هرمونية

الزيادة في مستويات البروجسترون قد تؤدي إلى ارتفاع طفيف في حرارة الجسم، خصوصاً في بداية الحمل، ولكن هذا لا يُعتبر حمى بحد ذاتها ما لم تتجاوز درجة الحرارة 38°C.

3. التسمم الغذائي

تناول أطعمة ملوثة قد يؤدي إلى ارتفاع درجة الحرارة مصحوباً بأعراض مثل الغثيان والإسهال، ويُعد من الحالات الحرجة للحامل.

4. اضطرابات في الجهاز المناعي

مثل الذئبة الحمراء أو أمراض المناعة الذاتية الأخرى، والتي قد تؤدي إلى التهابات داخلية تسبب الحمى.

5. التهابات فيروسية موسمية أو محلية

بما في ذلك COVID-19 أو الفيروس المخلوي التنفسي RSV، والتي تستدعي متابعة طبية خاصة بسبب تأثيراتها المتوقعة على الجهاز التنفسي.

مخاطر الحمى على الأم والجنين

يمكن أن يسبب ارتفاع درجة الحرارة في الحمل مضاعفات خطيرة تختلف حسب توقيت حدوثها ومدى شدتها، منها:

تشير بيانات مراكز مكافحة الأمراض (CDC) إلى أن ارتفاع الحرارة خلال الأسابيع الأولى من الحمل مرتبط بزيادة خطر التشوهات، وهو ما يعزز ضرورة التدخل السريع والآمن.

طرق التشخيص وتقييم الحالة

تُعد الفحوصات التشخيصية ضرورية لتحديد السبب وراء الحمى، خاصة في حال استمرارها لأكثر من 24 ساعة. تشمل هذه الفحوصات:

• قياس درجة الحرارة بشكل دوري (مرتين إلى ثلاث مرات يومياً).

• فحص الدم الكامل (CBC) لتحديد وجود التهاب.

• فحص البول للكشف عن العدوى البولية.

• تصوير بالموجات فوق الصوتية عند الحاجة لمتابعة صحة الجنين.

• فحص مزرعة البول أو الدم في حال الشك بعدوى بكتيرية.

• تقييم سريري كامل للجهاز التنفسي والهضمي والجلدي.

المبادئ الأساسية لعلاج ارتفاع درجة الحرارة لدى الحامل

إن علاج الحمى أثناء الحمل يجب أن يتم بحذر شديد، لتجنب الأدوية أو الإجراءات التي قد تؤثر على تطور الجنين. ويُفضل اتباع خطة علاجية تجمع بين التدخل الدوائي والوسائل الطبيعية الآمنة.

أولاً: خفض درجة الحرارة بشكل فوري

• الراحة التامة في غرفة ذات تهوية جيدة ودرجة حرارة معتدلة.

• الكمادات الباردة على الجبين وتحت الإبطين.

• الاستحمام بماء فاتر (وليس بارد جداً) لتخفيف الحرارة تدريجياً.

• شرب كميات وفيرة من الماء والسوائل الشفافة لتعويض الفقد الناتج عن التعرق.

• تجنب الأغطية الثقيلة والملابس الصوفية.

ثانياً: استخدام الأدوية الآمنة

• الباراسيتامول (Paracetamol) هو الدواء الآمن الأكثر شيوعاً والمُوصى به لخفض الحمى عند الحوامل. الجرعة المعتادة تكون بحد أقصى 1000 ملغ كل 6 ساعات، بشرط ألا تتجاوز الجرعة اليومية القصوى وهي 4000 ملغ.

• تجنب تماماً الأدوية المضادة للالتهاب غير الستيرويدية (NSAIDs) مثل الإيبوبروفين والأسبرين، خاصة بعد الأسبوع 20 من الحمل، لما لها من آثار سلبية محتملة على الجنين مثل انسداد القناة الشريانية.

ثالثاً: معالجة السبب الجذري

• في حال العدوى البكتيرية، يمكن للطبيب وصف مضادات حيوية آمنة للحمل، مثل:

  • أموكسيسيلين (Amoxicillin)

  • سيفالكسين (Cephalexin)

  • إريثروميسين (Erythromycin)

• في حالات العدوى الفيروسية، غالباً ما يتم دعم الجسم بالعلاج العرضي فقط دون مضادات فيروسية، ما لم تستدعِ الحالة (كما في حالات الأنفلونزا الشديدة).

رابعاً: المتابعة الطبية المنتظمة

• يجب على الحامل التي تعاني من حمى مراجعة الطبيب فوراً إذا استمرت الأعراض لأكثر من يوم، أو إذا رافق الحمى أعراض أخرى مثل الطفح الجلدي، تقلصات الرحم، أو قلة حركة الجنين.

الوقاية من ارتفاع درجة الحرارة أثناء الحمل

1. تجنب مصادر العدوى

• غسل اليدين بشكل منتظم باستخدام الماء والصابون.

• تجنب مخالطة الأشخاص المصابين بأمراض معدية.

• الحصول على اللقاحات الموصى بها مثل لقاح الإنفلونزا الموسمية ولقاح السعال الديكي، وفق توصيات الطبيب.

2. التغذية السليمة

• تناول الأطعمة الطازجة والنظيفة.

• تجنب اللحوم النيئة أو غير المطهية جيداً.

• الابتعاد عن منتجات الألبان غير المبسترة.

• زيادة استهلاك الفيتامينات الطبيعية مثل فيتامين C لتقوية المناعة.

3. العناية بالصحة العامة

• الالتزام بجلسات المتابعة الدورية لدى طبيب النساء والولادة.

• المحافظة على النشاط البدني المعتدل مثل المشي أو اليوغا للحوامل.

• الراحة الكافية والنوم المنتظم.

متى تصبح الحمى حالة طبية طارئة؟

ينبغي اعتبار الحمى حالة طبية حرجة إذا:

• تجاوزت درجة الحرارة 39°C.

• استمرت الحمى لأكثر من 48 ساعة دون تحسن.

• رافقتها أعراض مثل تيبس الرقبة، التقيؤ المستمر، أو فقدان الوعي.

• ظهرت علامات انخفاض حركة الجنين أو نزيف مهبلي.

في مثل هذه الحالات، يجب التوجه الفوري إلى قسم الطوارئ لتقييم الوضع بدقة وربما الحاجة إلى دخول المستشفى لمراقبة الأم والجنين.

خاتمة علمية

يُعدّ ارتفاع درجة الحرارة أثناء الحمل من الحالات التي لا يمكن تجاهلها، نظراً لتأثيراتها المباشرة على صحة الجنين ونموه. الوقاية، والمتابعة الطبية المنتظمة، والتدخل العلاجي الآمن المبني على معايير علمية، تشكل الأساس في إدارة هذه الحالة. من الضروري أن تتجنب الحامل أي تصرفات عشوائية أو تناول أدوية دون استشارة طبية، والاعتماد بدلاً من ذلك على العناية الطبية الدقيقة والاستجابة السريعة لأي تغيرات صحية طارئة. فالحمل مرحلة تتطلب توازناً دقيقاً بين حماية الأم والجنين، وتقديم العلاج دون المساس بسلامة أي منهما.

المراجع:

1. American College of Obstetricians and Gynecologists (ACOG) Guidelines on Infections During Pregnancy

2. Centers for Disease Control and Prevention (CDC) – Pregnancy and Fever Risks