عظمة قدرة الله في الخلق

قدرة الله في خلق الكون

يُعدّ خلق الكون واحدًا من أعظم مظاهر القدرة الإلهية التي تجلّت فيها صفات الله الكاملة من علم، وحكمة، وقدرة، وعظمة. ومن خلال تأمّلنا في هذا الكون الواسع الشاسع، بما فيه من مجرّات وكواكب ونجوم، وأرضٍ وبحرٍ وسماوات، وحياة نابضة بالتناغم، يتجلّى لنا الإبداع الإلهي والتدبير المحكم الذي لا يأتي إلا من خالقٍ قديرٍ لا يعجزه شيء.

في العقيدة الإسلامية، يرتكز الإيمان على الاعتراف بأن الله سبحانه وتعالى هو خالق كل شيء، ومُدبِّر شؤونه، وأنه أوجد الكون من العدم، بكلمةٍ واحدة: “كن”، فكان. قال تعالى في سورة يس: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾، وهو إقرار بحقيقة القدرة التي لا تحتاج إلى أدوات أو مددٍ خارجي، بل تنبع من الذات الإلهية الكاملة في صفاتها وأسمائها الحسنى.

خلق السماوات والأرض

الكون في مجموعه، بما فيه من سماوات وأرضين، هو نتاج لقدرة الله المطلقة، وقد تحدّث القرآن الكريم عن خلق السماوات والأرض في آياتٍ كثيرة تؤكد أن هذا الخلق لم يكن عبثًا، بل لحكمةٍ عظيمة. قال تعالى: ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ﴾ [الأنعام: 73]، وقال في موضع آخر: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ [السجدة: 4].

إن مجرد التأمل في السماء وما تحتويه من نجوم ومجرات وسُدُمٍ نجمية، وفي الأرض بما فيها من جبالٍ وسهولٍ وبحارٍ وأنهار، يدفع العاقل إلى الإقرار بعظمة الصانع. وهذه القدرة ليست فقط في الإيجاد، بل في الإتقان أيضاً، فقد قال الله تعالى: ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [النمل: 88]، وهي شهادة قرآنية على البنية المحكمة التي تميّز بها الخلق الكوني.

التنظيم الدقيق في خلق الكون

الكون لا يقوم على الفوضى أو المصادفة، بل يسير وفق نظامٍ بالغ الدقة والإحكام. فالشمس تسير في فلكٍ محدد، والأرض تدور حولها بسرعة محسوبة، والقمر يتبع مداره في تناغم دقيق مع حركة الأرض والشمس. وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك بقوله: ﴿لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ القَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [يس: 40].

وهذه الأنظمة المعقدة، مثل قوانين الجاذبية، والديناميكا الحرارية، والنواميس الفيزيائية، ما هي إلا مظاهر لقدرة الله التي أحاطت بكل ذرة في الكون، فجعلت لها قوانين تحكمها، وسبحان من قال: ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ﴾ [الرعد: 8].

خلق الإنسان ودقة التكوين

إذا انتقلنا من الكون الكبير إلى عالم الإنسان، فإننا نجد آيةً أخرى من آيات القدرة الإلهية تتجلى في خلق الإنسان من نطفةٍ صغيرة، ثم يتحوّل إلى علقةٍ، ثم إلى مضغةٍ، ثم يُكسى عظامًا ولحمًا، ثم يُنفخ فيه الروح، ويخرج إلى الدنيا كائنًا كاملاً في شكله، مجهزًا بالحواس، والعقل، والقدرة على الفهم والكلام والتفكير.

قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً…﴾ [المؤمنون: 12–14]. وهذا التسلسل الدقيق والمراحل المتعاقبة تبرز مدى القدرة والعلم الإلهي.

كما أن الجسد البشري يحتوي على مليارات الخلايا، وكل خلية لها وظيفة محددة، وجينات دقيقة، ونظام مناعي معقّد، وجهاز عصبي فائق الأداء، وهذه كلها تنطق بعظمة الخالق وعلمه. فالإنسان ليس مجرد مادة، بل مخلوقٌ يحمل الروح التي هي من أمر الله، وجهازاً بيولوجياً متكاملاً لا يزال العلم البشري عاجزاً عن كشف أسراره كلها.

خلق النبات والحيوان وتنوع الكائنات

إن من دلائل القدرة الإلهية كذلك، ما نشاهده في عالم النبات من تنوع الأشكال والثمار والألوان والروائح، وكلها تنبت من تربة واحدة وتسقى بماء واحد. قال تعالى: ﴿يُسْقَىٰ بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ﴾ [الرعد: 4].

وفي عالم الحيوان أيضاً تتجلى عظمة الخلق، فنرى الطيور تهاجر آلاف الكيلومترات بدقة دون خرائط، والحيتان تسبح في الأعماق مسترشدة بأجهزة ملاحية خلقها الله فيها، والنحل يصنع خلاياه بنظام هندسي سداسي لا يُضاهى. فكل نوع من الكائنات الحية قد خُلق بقدرة فائقة، تُناسب بيئته وغذاءه وتكاثره وبقاء نوعه، وهو ما يُعرف في علم الأحياء بالتكيّف البيئي.

الانفجار العظيم ودلالته على القدرة

النظريات الكونية الحديثة مثل نظرية “الانفجار العظيم” (Big Bang) تشير إلى أن الكون بدأ من نقطة مفردة شديدة الكثافة، ثم انفجرت ليتشكل منها الفضاء والزمن والمادة. وهذه النظرية وإن كانت مدعومة بأدلة رصدية، إلا أن أصل الخلق لا يزال سؤالًا لا يستطيع العلم المادي الإجابة عنه من دون الرجوع إلى وجود قوة عُليا خارجة عن إطار المادة.

وقد أشار القرآن إلى أصل خلق الكون في قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا﴾ [الأنبياء: 30]، وهو تعبير بليغ عن بداية الخلق من وحدة ثم حدوث الانفصال، وهو ما يتقاطع مع النظرية الفيزيائية الحديثة.

جدول يوضح أمثلة من تجليات قدرة الله في الكون

الخلق والإفناء والبعث

قدرة الله لا تقتصر على الخلق فحسب، بل تمتد إلى الإفناء والإعادة. فكما خلق الكون، قادر على إنهائه حين يشاء، ثم يعيد الخلق يوم القيامة للحساب والجزاء. قال تعالى: ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ﴾ [الأنبياء: 104]. وهذه القدرة هي ما يميز الخالق عن أي تصور فلسفي أو خيال بشري عن الصانع، فالله لا يعجزه شيء، لا في الإيجاد، ولا في الإعدام، ولا في الإعادة.

الإيمان بقدرة الله وأثره في حياة الإنسان

إن إدراك هذه القدرة المطلقة، يدفع الإنسان إلى الخشوع، والتسليم، والاطمئنان بأن خالقه لا يتركه هملاً، ولا يُضيع عمله، وأنه قادر على تدبير شؤونه مهما عظمت. وهذا الشعور يولّد الثقة بالله، والتوكل عليه، وعدم الخوف من المجهول.

كذلك فإن فهم قدرة الله في الخلق يفتح باباً واسعاً للتفكر والتأمل في الكون كوسيلة من وسائل التعرف إلى الله، وهو ما دعا إليه القرآن مراراً: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ … لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [آل عمران: 190].

الخلاصة

لقد تجلت قدرة الله في خلق الكون بأعظم صورها، وشملت جميع جوانب الوجود من الذرة إلى المجرة، ومن النطفة إلى النفس البشرية، ومن النواميس الكونية إلى التفاصيل الدقيقة في النباتات والحيوانات. وهذا الخلق المعجز لا يمكن أن يُفسّر إلا بوجود خالقٍ عليمٍ قدير، لا يُحد بزمان ولا مكان، ولا يشبهه شيء، وهو القائل في محكم تنزيله: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [الزمر: 62].

المصادر:

1. تفسير الطبري والقرطبي للآيات المتعلقة بخلق الكون.

2. كتاب “الكون والنظرية النسبية” – ستيفن هوكينغ.