عظمة قدرة الله سبحانه وتعالى

قدرة الله سبحانه وتعالى

إن قدرة الله سبحانه وتعالى هي سمة عظيمة لا تحيط بها الأفهام ولا تحدها العقول، إذ أن الله سبحانه هو الخالق العظيم الذي بيده ملكوت السماوات والأرض، وبهذه القدرة العظيمة أوجد الكون وما فيه من مخلوقات وأجرى فيهم قوانين وأسبابًا لا تعد ولا تحصى. عندما نتأمل في قدرة الله، فإننا نجد أنها تتجاوز كل ما نتصوره أو نتخيله عن القدرة، فهي قدرة غير محدودة، لا تحيط بها الأزمنة ولا الأماكن، ولا يتوقف تأثيرها على الزمان أو المكان، بل هي مستمرة دائمة في كل شيء وفي كل لحظة.

القدرة على الخلق والإيجاد

أولى تجليات قدرة الله سبحانه وتعالى هي في خلق الكون وما فيه من عوالم لا تعد ولا تحصى. خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام، كما ذكر في القرآن الكريم في قوله: “وَقَالَ رَبُّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّبَاعَ السَّبْعَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ” (السورة: الحديد، الآية: 4). فقد خلق الله سبحانه وتعالى الكون بقدرته العظيمة من غير أن يحتاج إلى مواد أو أسس مادية مسبقة. بل كانت إرادته هي التي تحققت وظهرت، فخلق النور من الظلمات، وأوجد الحياة من العدم. وهذا يدل على أن قدرة الله لا تحتاج إلى تبرير أو دليل مادي، فكل شيء في الكون يحدث بإرادة الله وفي الوقت الذي يشاء.

القدرة على التنظيم والإدارة

إن قدرة الله سبحانه وتعالى لا تتوقف عند مرحلة الخلق، بل تشمل أيضًا القدرة على تنظيم الكون وإدارته، وإيجاد توازن دقيق بين مكوناته. فالكون يسير وفق قوانين ثابتة ونظام محكم أودعه الله فيه، بدءًا من الجاذبية التي تجعل الكواكب تدور حول نجومها، مرورًا بالدورات الطبيعية مثل الليل والنهار، والمواسم، وانتهاءً بالأحياء التي تتنفس وتتكاثر وفقًا لآليات معقدة لا يفهمها الإنسان إلا جزءًا منها. هذا التوازن الدقيق يبرز قدرة الله العظيمة على تنظيم هذا الكون وفقًا لما يريده، دون أن تتداخل أسبابه أو تتعارض.

القدرة على التغيير والتجديد

تظهر قدرة الله في قدرته على التغيير والتجديد المستمر في الكون والحياة. ففي كل لحظة من لحظات الزمن، تجدد الأرض ثمارها، وتبزغ الشمس من جديد، وتعود الدورة الحيوية إلى مكانها، وتتجدد العقول والنفوس. الله سبحانه وتعالى هو الذي ينقل الأشياء من حال إلى حال، فيحيل الأرض بعد موتها إلى حياة، ويغير الأزمان، ويبدل الأحوال، بل ويحدث في الإنسان ما يشاء من تغيير في الروح والجسد. هذه القدرة على التجديد والتنقل بين الحالات تظهر لنا عظمة الله تعالى في تدبيره للأمور في الكون.

القدرة على الإحياء والإماتة

ومن أظهر مظاهر قدرة الله عز وجل هي قدرته على الإحياء والإماتة، فهو الذي يحيي الميت من التراب، ويبعث الناس من قبورهم بعد الموت. كما أنه هو الذي ينزع الحياة من الأجساد، ولا يملك أحد سواه أن يعيدها أو يأخذها إلا بإرادته. هذا الحقائق تذكرنا بعظمة الخالق وتمام سلطانه على ما في الكون. فإذا كان الله قادرًا على إحياء الأموات وإماتتهم، فإنه قادر على كل شيء، كما قال تعالى: “اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ، يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا، وَأَنْتُمْ حَسِيبُونَ مَا تَفْعَلُونَ” (السورة: الحشر، الآية: 24).

القدرة على العلم والإحاطة

من أبرز مظاهر قدرة الله سبحانه وتعالى، هي قدرته المطلقة على العلم والإحاطة بكل شيء في الكون. فلا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، ولا يحيط به أحد من خلقه. فقد ذكر الله في القرآن الكريم في أكثر من موضع قدرته على علمه الواسع الذي لا يغيب عنه شيء. فقال تعالى: “وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا” (السورة: الأنعام، الآية: 59)، وفي هذا إشعار بأن الله يعلم ما في السماوات والأرض من صغيرة وكبيرة، فلا شيء في الكون خفي عنه.

القدرة على الاستجابة للدعاء

إن قدرة الله تشمل أيضًا استجابته لدعاء عباده، وقد ورد في القرآن الكريم العديد من الآيات التي تبين قدرة الله على استجابة الدعاء والطلب. فالله سبحانه وتعالى لا يعجزه شيء، وهو أقرب إلى عباده من حبل الوريد. فكلما دعاه المؤمن بإخلاص، استجاب له بما هو خير له في الدنيا والآخرة، طالما أن دعاءه كان في صواب ورغبة في الخير. وفي هذا نجد أن الله سبحانه لا يتوقف عن تأكيد قدرة استجابته لمخلوقاته في كل لحظة، وهو الذي يسير الأمور وفق حكمته ورؤيته.

القدرة على الشفاء والعلاج

من أعظم مظاهر قدرة الله سبحانه وتعالى، هي قدرته على الشفاء والعلاج. فهو الذي خلق الداء والدواء، وهو الذي يمنح الشفاء للمرضى مهما كانت الأمراض التي يعانون منها. قد يطيل الله عمر بعض البشر بعد مرض طويل، ويشفيهم من الأمراض المستعصية، بل إنه ييسر لهم العلاج بعد سنوات من العجز والجهل البشري. هذه القدرة لا تشهد فقط على قدرة الله على الشفاء، بل تشهد على رحمته وفضله على عباده.

القدرة على التقدير والتدبير

إن الله سبحانه وتعالى هو الذي يقدر الأقدار ويرتب الأحداث في الكون وفق ما شاء وقدر. فكل شيء في الكون يجري بحكم الله وتقديره، فما من حدث يقع إلا وهو في علم الله المسبق. قال الله تعالى: “إِنَّ اللَّهَ قَدَرَ كُلَّ شَيْءٍ” (السورة: الطلاق، الآية: 3). وهذه القدرة على التقدير هي التي تجعلنا ندرك أن الحياة بأكملها، بكل ما فيها من تفاصيل، هي بيد الله سبحانه، فلا شيء يحدث بمحض الصدفة أو بدون تدبير إلهي حكيم.

القدرة على التفرد بالعبودية

إحدى أعظم مظاهر قدرة الله هي تفرده بالعبودية، فلا يحق لأي مخلوق أن يشارك الله في عبوديته، ولا يستطيع أي مخلوق أن يعبد إلا الله وحده. هذه القدرة تفرد الله في الخلق، وفي التدبير، وفي العبادة، وفي الألوهية، وتجعلنا نعلم يقينًا أن الله سبحانه وتعالى هو الرب المعبود، الذي لا يجوز لأحد سواه أن يكون له شريك في هذه القدرة.

الختام

إن قدرة الله سبحانه وتعالى لا تقتصر على هذه النقاط فحسب، بل تتعداها إلى ما لا نعلمه من أشياء ومظاهر لا يمكن للبشر أن يتصوروا عظمتها أو يتخيلوا حدودها. ولكن ما نستطيع أن نعلمه هو أن الله سبحانه وتعالى، بقدرته اللامحدودة، قد خلق لنا هذا الكون الذي لا نعرف من أسراره إلا قليلاً، وأنه يسير فيه بكل ما فيه بحكمته ورضاه. ولذلك، فإن التوجه إلى الله بالدعاء، والتوكل عليه في جميع أمور الحياة، هو ما يجب أن يسعى إليه كل مسلم، فالله سبحانه وتعالى هو القادر على كل شيء، والمهيمن على كل أمر.