عدد سكان موريتانيا 2024

عدد سكان موريتانيا

تُعد موريتانيا واحدة من الدول الإفريقية التي تميزت بتاريخها العريق وموقعها الاستراتيجي بين شمال وغرب إفريقيا، وتتمتع بتنوع إثني وثقافي وجغرافي كبير. تقع الجمهورية الإسلامية الموريتانية على الساحل الغربي للقارة الإفريقية، وتشترك في حدودها مع الجزائر ومالي والسنغال والصحراء الغربية. على الرغم من اتساع رقعتها الجغرافية والتي تقدر بحوالي مليون كيلومتر مربع، فإنها تُصنف ضمن الدول ذات الكثافة السكانية المنخفضة. ويعود ذلك إلى طبيعة البلاد الصحراوية، وهشاشة البنية التحتية في بعض المناطق، ما أدى إلى تركز السكان في مناطق محددة دون غيرها.

التعداد السكاني في موريتانيا: نظرة شاملة

وفقاً لأحدث التقديرات السكانية الصادرة عن الأمم المتحدة وبيانات البنك الدولي، فإن عدد سكان موريتانيا في عام 2024 بلغ ما يقارب 4.9 مليون نسمة، مع معدل نمو سكاني يتجاوز 2.5% سنوياً، وهو من أعلى المعدلات في المنطقة. ويُتوقع أن يتخطى عدد السكان حاجز 5.1 مليون نسمة بحلول عام 2026، بناءً على مؤشرات الزيادة الطبيعية والخصوبة المرتفعة.

يمثل النمو السكاني في موريتانيا عاملًا مهمًا في التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي تشهدها البلاد، حيث أن غالبية السكان من فئة الشباب، مما يشكل تحديًا للسياسات التنموية والخدمات العامة في مجالات التعليم، والصحة، وفرص العمل.

التركيبة الديموغرافية للسكان

يُعد المجتمع الموريتاني مجتمعاً متعدد الأعراق والثقافات، ويمكن تصنيف السكان إلى ثلاث مجموعات رئيسية:

• العرب البيضان: وهم من أصول عربية وبربرية، يشكلون نسبة كبيرة من السكان ويتحدثون اللغة العربية.

• الحراطين: وهم السكان ذوو الأصول الإفريقية الذين يتحدثون اللغة العربية ويُعدّون جزءاً من المجتمع العربي الإسلامي.

• الأفارقة الزنوج: يضمون عدة مجموعات إثنية مثل الفلان والسوننكي والولوف، ويعيشون في الغالب في الجنوب الموريتاني بمحاذاة نهر السنغال.

وتعكس هذه التركيبة تعايشاً إثنياً وثقافياً ضمن دولة واحدة، رغم ما يرافق ذلك أحياناً من توترات اجتماعية أو تفاوتات اقتصادية تتطلب تدخلات سياسية حكيمة لضمان العدالة والمساواة بين جميع فئات السكان.

التوزيع الجغرافي للسكان

تتوزع الكثافة السكانية في موريتانيا بشكل غير متوازن. ففي حين تغطي الصحراء الكبرى حوالي ثلثي مساحة البلاد، فإن الغالبية العظمى من السكان يتمركزون في المناطق الجنوبية والغربية، حيث تتوفر المياه والتربة الخصبة نسبياً، خصوصاً في المناطق المحاذية لنهر السنغال.

وتُعتبر العاصمة نواكشوط المركز الحضري الأكبر في البلاد، إذ يعيش فيها حوالي 30% من إجمالي السكان. تليها مدينة نواذيبو الواقعة في الشمال الغربي والتي تعد مركزاً اقتصادياً وصناعياً مهماً، إلى جانب مدن مثل كيهيدي وروصو وألاك والتي تنتشر في المناطق الزراعية بجنوب البلاد.

الكثافة السكانية

نظرًا للمساحة الكبيرة للبلاد مقارنة بعدد السكان، فإن معدل الكثافة السكانية في موريتانيا يُعد من بين الأدنى في العالم، إذ يبلغ حوالي 5 نسمة لكل كيلومتر مربع فقط، مما يجعلها بيئة فريدة فيما يتعلق بإدارة الموارد، والخدمات، وتخطيط التنمية الحضرية والريفية.

الخصائص الاجتماعية والديموغرافية

تتميز موريتانيا بتركيبة ديموغرافية شابة؛ إذ تُظهر الإحصائيات أن حوالي 37% من السكان دون سن الخامسة عشرة، مما يعكس معدل خصوبة مرتفع (يقدر بـ 4.4 طفل لكل امرأة في المتوسط). هذا الواقع يُحتّم على الحكومة تطوير سياسات فعالة في قطاع التعليم، والبنية التحتية الصحية، وفرص العمل المستقبلية.

أما بالنسبة لمتوسط العمر المتوقع عند الولادة، فيُقدّر بحوالي 64.7 عاماً، وهو معدل منخفض نسبياً مقارنة بالمعدلات العالمية، وذلك نتيجة لتحديات صحية تشمل نقص الخدمات، وضعف البنية التحتية، وانتشار بعض الأمراض المزمنة والمعدية.

النمو الحضري والهجرة الداخلية

شهدت موريتانيا خلال العقود الأخيرة تسارعاً في وتيرة التمدن، حيث أصبحت العاصمة نواكشوط نقطة جذب قوية للسكان القادمين من الأرياف والمناطق الصحراوية بحثاً عن فرص العمل والخدمات. ويُقدّر أن نسبة سكان المدن تجاوزت 60% من إجمالي السكان، في مقابل أقل من 20% فقط في السبعينات.

ويعود هذا النمو الحضري إلى مجموعة من العوامل، من بينها الجفاف والتصحر اللذان أثرا بشكل كبير على المناطق الريفية والبدوية، مما أجبر العديد من السكان على الانتقال إلى المدن الكبرى.

الهجرة الدولية والجاليات الموريتانية

بالرغم من أن موريتانيا ليست من الدول المصدّرة للمهاجرين بشكل كثيف، إلا أن هناك جالية موريتانية ملحوظة في بعض الدول الأوروبية، وخاصة فرنسا وإسبانيا، بالإضافة إلى جاليات أصغر في دول الخليج والمغرب العربي.

وتُسهم هذه الجاليات في الاقتصاد الوطني من خلال التحويلات المالية، كما أنها تلعب دوراً في تعزيز الروابط الثقافية والدبلوماسية مع الدول التي تقيم فيها.

التحديات السكانية والتنموية

تواجه موريتانيا عدة تحديات مرتبطة بتركيبتها السكانية، من أبرزها:

• معدل النمو السكاني المرتفع والذي يتطلب مضاعفة الاستثمارات في التعليم والصحة والبنية التحتية.

• الفوارق الجغرافية في توزيع السكان، والتي تؤدي إلى تركّز الضغط على المدن الكبرى.

• ضعف التغطية الصحية في المناطق الريفية، مما يساهم في ارتفاع معدلات وفيات الأطفال والنساء أثناء الولادة.

• البطالة بين الشباب والتي تتفاقم مع تزايد عدد السكان في سن العمل دون توفر وظائف كافية.

• الهشاشة البيئية المرتبطة بالجفاف والتصحر، مما يقلل من فرص الزراعة ويزيد من الهجرة الداخلية.

مستقبل السكان في موريتانيا

تشير التوقعات الديموغرافية إلى أن عدد سكان موريتانيا سيواصل النمو بوتيرة مرتفعة خلال العقود القادمة. ووفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، فإن عدد السكان قد يصل إلى 7 ملايين نسمة بحلول عام 2050 إذا استمرت الاتجاهات الحالية دون تغيّر كبير في معدل الخصوبة.

هذا النمو سيزيد من الضغط على الموارد الطبيعية والخدمات الأساسية، مما يستدعي تفعيل استراتيجيات سكانية وتنموية مستدامة تركز على التعليم، وتمكين المرأة، وتوسيع قاعدة الاقتصاد الوطني، وتحسين الخدمات الصحية.

التوصيات التنموية في ضوء البيانات السكانية

من الضروري أن تتبنى موريتانيا سياسات استشرافية في مجال السكان، تنطلق من المعطيات الديموغرافية التالية:

• تعزيز التخطيط الحضري: يجب تطوير المدن الصغيرة والمتوسطة لتقليل الضغط على نواكشوط، وتحقيق توازن في توزيع السكان والخدمات.

• الاستثمار في التعليم النوعي: يجب تحسين جودة التعليم لضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة وزيادة فرصهم في سوق العمل.

• إدماج الشباب والنساء في الاقتصاد: من خلال برامج التدريب، ودعم ريادة الأعمال، وتسهيل الوصول إلى التمويل.

• الحد من الفقر والهشاشة: عبر برامج حماية اجتماعية موجهة للفئات الضعيفة، خاصة في المناطق النائية.

• تحسين البيانات والإحصاءات السكانية: لتوفير قاعدة معرفية دقيقة تُمكن صانعي القرار من وضع السياسات الملائمة.

الخلاصة الإحصائية

رغم تحدياتها، فإن التركيبة السكانية لموريتانيا تُعد فرصة ديموغرافية كبيرة إذا ما أُحسن استغلالها. فالشباب يشكلون عماد المستقبل، والموارد الطبيعية موجودة وإن كانت غير مستثمرة بالشكل الأمثل، والهوية الثقافية الموحدة على الرغم من التنوع العرقي تمثل عاملاً مشجعاً للاستقرار.

إن بناء سياسات قائمة على البيانات السكانية الدقيقة، وربطها باستراتيجيات اقتصادية شاملة، يُعد شرطاً أساسياً لتحقيق التنمية المستدامة في موريتانيا، ولضمان مستقبل أكثر ازدهاراً للأجيال القادمة.

المصادر:

• البنك الدولي: https://data.worldbank.org

• شعبة السكان – الأمم المتحدة: https://population.un.org