عدد سكان جزر القمر
تُعد جزر القمر إحدى الدول الصغيرة الواقعة في المحيط الهندي، وهي أرخبيل يتألف من عدة جزر رئيسية، وتحديداً تقع بين الساحل الشرقي لأفريقيا وجزيرة مدغشقر. ورغم صغر مساحتها الجغرافية وقلة مواردها الطبيعية، إلا أن جزر القمر تتميز بتنوعها الثقافي واللغوي والديني، كما تحظى بموقع جغرافي استراتيجي له أهمية بالغة في الملاحة الدولية عبر المحيط الهندي. وتُثير التغيرات السكانية في جزر القمر اهتماماً متزايداً من قبل الباحثين والدراسات السكانية، وذلك لما تحمله من دلالات تتعلق بالنمو، والهجرة، والبنية الديموغرافية، والموارد.
التعداد السكاني لجزر القمر
تشير آخر التقديرات الإحصائية الصادرة عن البنك الدولي ومراكز الإحصاء السكانية التابعة للأمم المتحدة، إلى أن عدد سكان جزر القمر في منتصف عام 2024 قد بلغ حوالي 897,000 نسمة. ويُتوقع أن يواصل عدد السكان في جزر القمر نموه خلال السنوات المقبلة، مع استمرار معدلات الولادة المرتفعة نسبياً، مقارنةً ببعض الدول المجاورة في المنطقة.
ويمثل هذا العدد زيادة ملحوظة بالمقارنة مع ما كانت عليه البلاد في بداية الألفية الثالثة، حيث كان عدد السكان عام 2000 يُقدّر بحوالي 580,000 نسمة فقط، مما يشير إلى معدل نمو سكاني سنوي يقارب 2.3%، وهو ما يُعد مرتفعاً بالنسبة لدولة جزرية ذات موارد محدودة.
التوزيع الجغرافي للسكان
تتألف جزر القمر من أربع جزر رئيسية: القمر الكبرى (Ngazidja)، أنجوان (Nzwani)، موهيلي (Mwali)، ومايوت (Mayotte)، إلا أن الأخيرة لا تخضع لسلطة جمهورية القمر المتحدة، بل تُعتبر جزءاً من الأراضي الفرنسية.
ويُشكّل سكان جزيرة القمر الكبرى النسبة الأكبر من إجمالي السكان، إذ تستضيف العاصمة موروني نسبة كبيرة من السكان، باعتبارها المركز السياسي والإداري والاقتصادي. أما جزيرة أنجوان فتأتي في المرتبة الثانية من حيث عدد السكان، في حين تُعد جزيرة موهيلي الأقل كثافة سكانية.
وتُظهر الدراسات الجغرافية السكانية أن الكثافة السكانية تختلف بشكل ملحوظ من جزيرة إلى أخرى، ويُعزى ذلك إلى تباين البنية التحتية، وتوفر فرص العمل، ومجالات النشاط الاقتصادي، وتوزيع الخدمات العامة.
| الجزيرة | عدد السكان التقديري (2024) | نسبة من إجمالي السكان |
|---|---|---|
| القمر الكبرى | 480,000 | 53.5% |
| أنجوان | 310,000 | 34.6% |
| موهيلي | 107,000 | 11.9% |
| مايوت | 310,000 (لا تُحتسب رسمياً) | – |
التركيبة الديموغرافية للسكان
تشير الإحصاءات السكانية إلى أن جزر القمر تُعد من الدول ذات التركيبة الشبابية، إذ تبلغ نسبة السكان دون سن الـ15 حوالي 37%، بينما لا تتجاوز نسبة السكان فوق 65 عاماً نسبة 4% من إجمالي عدد السكان. وتُعد هذه التركيبة عاملاً مهماً في التخطيط التنموي، حيث تُشكل فئة الشباب القاعدة الأكبر في القوى العاملة المستقبلية.
وتُظهر المؤشرات كذلك أن متوسط العمر في جزر القمر يُقدّر بنحو 63 عاماً، وهو ما يُعد منخفضاً نسبياً مقارنةً بالمعدلات العالمية، ويعود ذلك إلى تحديات صحية واقتصادية متعددة، أبرزها محدودية الخدمات الصحية، ونقص التمويل العام، وارتفاع نسبة الفقر.
وتسجل جزر القمر معدل ولادات مرتفع يبلغ حوالي 26.6 ولادة لكل 1000 نسمة، بينما يُقدّر معدل الوفيات بنحو 7.8 وفاة لكل 1000 نسمة، مما يفسر استمرار النمو الديموغرافي بشكل مطرد. ويُسجّل أيضاً معدل خصوبة يُقدّر بـ4.2 مولود لكل امرأة، وهو رقم يُعد مرتفعاً بالمقارنة مع المتوسط العالمي.
النمو السكاني: الدوافع والتحديات
يُعد النمو السكاني في جزر القمر سيفاً ذا حدين، فمن ناحية، يُشكل هذا النمو مصدراً مهماً لدفع عجلة الاقتصاد إذا ما تم استثماره في بناء القدرات البشرية وتحسين التعليم والصحة والبنية التحتية. ومن ناحية أخرى، يُمثل ضغطاً متزايداً على الموارد الطبيعية والمالية المحدودة في البلاد.
ومن أبرز العوامل التي تُسهم في هذا النمو الديموغرافي:
-
ارتفاع معدل الخصوبة بين النساء
-
ضعف السياسات السكانية وتنظيم الأسرة
-
الهجرة العائدة من دول الجوار أو الشتات القمري في فرنسا ومدغشقر
ويُعاني السكان من محدودية الموارد، خصوصاً في ما يتعلق بالمياه الصالحة للشرب، والصرف الصحي، والخدمات الصحية، مما يُضاعف من آثار الكثافة السكانية على البيئة وجودة الحياة.
الهجرة والعلاقات الديموغرافية الإقليمية
تُعد جزر القمر من الدول ذات الهجرة الخارجية المرتفعة، حيث يقطن مئات الآلاف من القمريين في الخارج، لا سيما في فرنسا التي تضم واحدة من أكبر الجاليات القمرية في المهجر، تُقدّر بأكثر من 300,000 شخص، وهو عدد يكاد يوازي عدد السكان داخل البلاد.
وتُسهم التحويلات المالية من المهاجرين في دعم الاقتصاد الوطني، وتُشكّل مورداً رئيسياً للناتج المحلي الإجمالي، لكنها في الوقت ذاته تُسهم في نوع من “الهجرة الذهنية”، إذ يسعى العديد من الشباب إلى الهجرة بحثاً عن فرص أفضل، مما يُحدث فجوة في الموارد البشرية محلياً.
من ناحية أخرى، فإن جزيرة “مايوت”، التابعة إدارياً لفرنسا، تُعد أحد أبرز عوامل الجذب للهجرة غير الشرعية من باقي جزر الأرخبيل، وقد أدى ذلك إلى توترات سياسية واجتماعية، خاصة بعد تشديد فرنسا لسياسات الهجرة والحدود.
التحديات المرتبطة بالنمو السكاني
يُواجه السكان في جزر القمر عدة تحديات نتيجة النمو الديموغرافي المتواصل، من أبرزها:
-
الفقر والبطالة: تُعد نسبة الفقر مرتفعة جداً، حيث يعيش أكثر من 40% من السكان تحت خط الفقر، بينما تزداد معدلات البطالة، لا سيما بين الشباب والنساء.
-
ضغط على الموارد الطبيعية: الأراضي الزراعية محدودة، كما أن مصادر المياه العذبة لا تكفي لمواجهة الطلب المتزايد، ما يؤدي إلى أزمات بيئية ومجتمعية.
-
نقص البنية التحتية والخدمات: النمو السكاني يتجاوز قدرة الدولة على توسيع البنية التحتية في مجالات الصحة والتعليم والإسكان والنقل.
-
الأمن الغذائي: تُعاني جزر القمر من تبعية كبيرة للواردات الغذائية، إذ تعتمد بنسبة تفوق 70% على الاستيراد، وهو ما يجعلها عرضة لتقلبات الأسعار العالمية والاضطرابات السياسية.
-
تأثيرات التغير المناخي: بما أن جزر القمر أرخبيل منخفض الارتفاع، فهي عرضة بشكل خاص لارتفاع مستوى سطح البحر، والعواصف المدارية، والفيضانات التي تُهدد سواحلها وتؤثر على أنشطة الزراعة والصيد.
الجهود الحكومية والدولية في إدارة السكان
أدركت حكومة جزر القمر الحاجة الماسة إلى تبني سياسات سكانية وتنموية تراعي النمو الديموغرافي، وقد بدأت منذ سنوات في تنفيذ عدد من البرامج بالتعاون مع منظمات دولية مثل صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA)، ومنظمة الصحة العالمية (WHO)، والبنك الدولي، بهدف:
-
تعزيز برامج تنظيم الأسرة والصحة الإنجابية
-
نشر التوعية السكانية خاصة في المناطق الريفية
-
تحسين جودة التعليم وربطه بسوق العمل
-
دعم التنمية المستدامة والتمكين الاقتصادي للشباب والنساء
لكن رغم هذه الجهود، تظل النتائج محدودة نسبياً نظراً لمحدودية الموارد، واعتماد الاقتصاد بشكل كبير على المساعدات الخارجية والتحويلات المالية من الشتات.
مستقبل السكان في جزر القمر
تشير التقديرات المستقبلية إلى أن عدد سكان جزر القمر قد يتجاوز حاجز المليون نسمة مع حلول عام 2030 إذا استمرت معدلات النمو الحالية، وهو ما يُحتم ضرورة إعادة النظر في السياسات العامة المتعلقة بالتنمية، والتخطيط الحضري، والرعاية الاجتماعية.
ولتحقيق التوازن بين النمو السكاني والموارد، لا بد من دعم سياسات تنموية شاملة، وتحديث الإحصاءات بشكل دوري، وتوسيع قاعدة الاقتصاد الوطني عبر الاستثمار في القطاعات الإنتاجية كالزراعة، والصيد، والسياحة البيئية المستدامة.
الخلاصة
يُعد النمو السكاني في جزر القمر ظاهرة بالغة الأهمية، لا يمكن فصلها عن الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للدولة. فبينما يُمثّل السكان أحد أهم أصول التنمية، فإن استمرار هذا النمو دون تخطيط متكامل قد يتحول إلى عبء ثقيل على مستقبل البلاد. وبالتالي فإن إدارة الملف السكاني يجب أن تكون في صلب السياسات الوطنية لجزر القمر، من خلال التعليم، والرعاية الصحية، وتمكين المرأة، والتنمية المستدامة.
المراجع:
-
World Bank. (2024). Comoros Population Data.
-
UNFPA. (2023). Population and Development Profile – Comoros.
