عدد سكان العراق
يُعدّ العراق واحداً من أبرز الدول العربية من حيث العمق التاريخي والجغرافي والديموغرافي، ويحتل مكانة استراتيجية على مستوى الشرق الأوسط، سواء في الجغرافيا السياسية أو الموارد الطبيعية أو الكثافة السكانية. تتأثر أعداد السكان في العراق بعوامل متعددة مثل النمو الطبيعي، النزوح الداخلي والخارجي، الحروب، الاستقرار الأمني، والنمو الاقتصادي والاجتماعي. ويكتسب الحديث عن عدد سكان العراق أهمية متزايدة في ظل التغيرات المتسارعة التي شهدها هذا البلد خلال العقود الأخيرة، ما يستوجب دراسة تحليلية ومعمقة للتوزيع السكاني والعوامل المؤثرة فيه.
التعداد السكاني للعراق في عام 2024
وفقاً لأحدث التقديرات الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء العراقي بالتعاون مع المنظمات الدولية المعنية، بلغ عدد سكان العراق في منتصف عام 2024 نحو 43.5 مليون نسمة. ويُتوقع أن يستمر هذا العدد في التزايد خلال السنوات القادمة، نتيجة لمعدل نمو سكاني مرتفع نسبياً مقارنة ببقية الدول العربية، حيث يُقدَّر معدل النمو السنوي بحوالي 2.5%، وهو من أعلى المعدلات في المنطقة.
النمو السكاني والتغيرات الديموغرافية
شهد العراق خلال القرن العشرين وبدايات القرن الحادي والعشرين تحولات ديموغرافية هائلة، مدفوعة بجملة من المتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. ففي منتصف القرن الماضي كان عدد السكان لا يتجاوز 6 ملايين نسمة، أما اليوم فقد تضاعف العدد عدة مرات، ما يشير إلى نمو سكاني مضطرد، انعكس بشكل مباشر على البنية التحتية، الخدمات الصحية والتعليمية، وسوق العمل.
يرتبط هذا النمو بعدة عوامل، أبرزها ارتفاع معدلات الخصوبة، حيث يبلغ معدل الولادات لكل امرأة حوالي 3.7 طفل، إضافة إلى تراجع معدلات الوفيات تدريجياً بفضل تحسن نسبي في الخدمات الصحية، رغم استمرار التحديات المرتبطة بالوضع الأمني والاقتصادي في بعض المحافظات.
التوزيع الجغرافي للسكان
يُظهر التوزيع الجغرافي للسكان في العراق تفاوتاً واضحاً بين المناطق الشمالية والجنوبية والوسطى. وتُعتبر بغداد العاصمة، أكثر المحافظات كثافة سكانية، حيث يقطن فيها ما يزيد عن 9 ملايين نسمة، أي ما يقارب 21% من إجمالي عدد سكان العراق. وتليها محافظات مثل نينوى والبصرة وذي قار والسليمانية.
أما المحافظات ذات الكثافة السكانية الأقل فتشمل المثنى والأنبار ودهوك، وهي مناطق واسعة نسبياً من حيث المساحة لكنها ذات كثافة سكانية منخفضة بسبب الطبيعة الجغرافية أو الظروف الأمنية أو ندرة الموارد.
فيما يلي جدول يوضح تقديرات عدد السكان في أبرز المحافظات العراقية لعام 2024:
| المحافظة | عدد السكان المقدر (2024) |
|---|---|
| بغداد | 9,050,000 |
| نينوى | 4,100,000 |
| البصرة | 3,800,000 |
| السليمانية | 2,700,000 |
| ذي قار | 2,600,000 |
| بابل | 2,400,000 |
| أربيل | 2,300,000 |
| ديالى | 1,900,000 |
| الأنبار | 1,700,000 |
| المثنى | 930,000 |
التركيبة العمرية للسكان
التركيبة السكانية في العراق تُظهر ميلاً كبيراً نحو الفئة العمرية الشابة. إذ أن نحو 60% من السكان تقل أعمارهم عن 25 سنة، ما يجعل العراق من بين الدول ذات التركيبة السكانية الفتية في المنطقة. هذه البنية السكانية تشكل في الوقت ذاته فرصة وتحدياً؛ فهي توفر إمكانات بشرية هائلة للنمو والتطوير، لكنها تتطلب استثمارات ضخمة في التعليم، والرعاية الصحية، وتوفير فرص العمل.
سكان الحضر والريف
تشير الإحصائيات إلى أن أكثر من 70% من سكان العراق يعيشون في المدن، في حين يسكن نحو 30% في المناطق الريفية. وقد تسارعت وتيرة التوسع الحضري خلال العقود الأخيرة، نتيجة للهجرة من الريف إلى المدينة بحثاً عن فرص العمل والتعليم والخدمات. هذا التوسع الحضري أدى إلى ضغط هائل على الخدمات والبنية التحتية في المدن، لاسيما في بغداد والبصرة وأربيل.
التعدد القومي والديني
يمتاز العراق بتنوع إثني وديني واسع، حيث يتكون من أغلبية عربية (حوالي 75%-80%)، وأقلية كردية (15%-20%) تتركز في المحافظات الشمالية مثل أربيل والسليمانية ودهوك، إضافة إلى أقليات تركمانية وآشورية وأرمنية وصابئية وشبكية ويزيدية.
أما من الناحية الدينية، فإن المسلمين يشكلون الغالبية العظمى من السكان (نحو 97%)، وينقسمون بين الشيعة والسنة. إضافة إلى ذلك توجد ديانات أخرى مثل المسيحية والإيزيدية واليهودية بدرجة ضئيلة، والصابئة.
التأثيرات السياسية والاقتصادية على التركيبة السكانية
شهد العراق منذ عام 2003 تحولات سياسية عميقة أثّرت بشكل مباشر على التركيبة السكانية. فقد أدى العنف الطائفي، والحروب، والنزاعات المسلحة إلى موجات واسعة من النزوح الداخلي واللجوء الخارجي. وقدرت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين أن ما يزيد عن 5 ملايين عراقي تأثروا بعمليات النزوح أو الهجرة سواء داخل البلاد أو إلى الخارج.
كما أثّرت التحديات الاقتصادية مثل البطالة والفقر على معدل الهجرة الخارجية، لا سيما بين فئة الشباب والخريجين الباحثين عن فرص في دول الجوار أو أوروبا.
الكثافة السكانية والتخطيط العمراني
تُقدّر الكثافة السكانية في العراق بنحو 100 نسمة لكل كيلومتر مربع، وهي كثافة تختلف باختلاف المحافظات. ففي حين تشهد بغداد والبصرة ازدحاماً كبيراً في عدد السكان والمساحات العمرانية، تظل مناطق مثل الأنبار وصلاح الدين والمثنى أقل كثافة، ما يعكس الحاجة إلى سياسات توزيع سكاني متوازنة، تُعنى بتطوير المناطق ذات الكثافة المنخفضة، وتخفيف الضغط على المراكز الحضرية المكتظة.
الأبعاد الصحية والاجتماعية للنمو السكاني
يشكل النمو السكاني المتسارع تحديات كبيرة في المجال الصحي. فمع ارتفاع عدد السكان، تزداد الحاجة إلى تطوير البنية التحتية الصحية، وتوفير الكوادر الطبية، والمستلزمات الدوائية، لا سيما في ظل تفاوت الخدمات بين المحافظات. كما أن ارتفاع نسبة الشباب يتطلب برامج توعية وتنمية في مجالات مثل الصحة الإنجابية، والرعاية الأولية، والصحة النفسية.
أما من الناحية الاجتماعية، فإن الزيادة السكانية ترتبط بارتفاع الطلب على السكن والتعليم، ما يستدعي الاستثمار في المدارس، الجامعات، المراكز التدريبية، وتوسيع الإسكان الاجتماعي، وخاصة للفئات ذات الدخل المحدود.
التوقعات المستقبلية لعدد سكان العراق
تُشير التقديرات السكانية الصادرة عن شعبة السكان التابعة للأمم المتحدة إلى أن عدد سكان العراق قد يتجاوز 50 مليون نسمة بحلول عام 2030، إذا ما استمر معدل النمو الحالي دون تغيير جذري. وتشير نفس التقديرات إلى إمكانية بلوغ العدد أكثر من 70 مليوناً بحلول عام 2050.
هذه التوقعات تضع أمام الحكومة العراقية تحديات هائلة تتعلق بتوفير فرص العمل، الأمن الغذائي، إدارة الموارد المائية، وتطوير البنية التحتية، خصوصاً في ظل التغيرات المناخية وشح الموارد الطبيعية.
أثر الهجرة والنزوح على البنية السكانية
شهد العراق خلال السنوات الأخيرة موجات هجرة ونزوح داخلية وخارجية ضخمة نتيجة النزاعات المسلحة وسيطرة تنظيمات إرهابية على بعض المناطق. وقد أدى هذا إلى تغيّر واضح في التوزيع الديموغرافي، حيث تحولت بعض المناطق من مراكز سكنية مأهولة إلى مناطق مهجورة، في حين اكتظت مناطق أخرى بالسكان، ما شكل ضغطاً على الموارد والخدمات.
كما أن الهجرة إلى الخارج باتت تمثل عاملاً مؤثراً في فقدان العراق للكفاءات البشرية، وارتفاع نسبة الفجوة في سوق العمل. ويُعدّ نزيف الأدمغة واحداً من التحديات الكبرى التي تواجه البلاد في سعيها للنهوض العلمي والاقتصادي.
الخاتمة
يمثل التعداد السكاني في العراق مؤشراً محورياً لفهم الواقع التنموي والاجتماعي في البلاد. ومع استمرار التحديات الأمنية والاقتصادية، يظل التخطيط الديموغرافي أداة ضرورية لإعادة توزيع الموارد، وتوجيه التنمية نحو المناطق المهمشة، وضمان التوازن السكاني بين الحضر والريف، وبين المحافظات المختلفة. ويظل التحدي الأكبر في كيفية استثمار هذا الزخم البشري لبناء دولة قوية ومزدهرة، قادرة على استيعاب النمو وتوجيهه نحو مستقبل مستدام.
المصادر
-
الجهاز المركزي للإحصاء العراقي – التقرير السنوي 2024
-
United Nations, World Population Prospects 2024
