عدد سكان الصين 2025

عدد سكان الصين: قراءة معمقة في التوزيع الديموغرافي والتحولات السكانية

تُعدّ الصين، التي تُعرف رسميًا بجمهورية الصين الشعبية، الدولة الأكثر اكتظاظًا بالسكان في العالم منذ عقود طويلة. تحتل هذه الدولة الآسيوية موقعًا استراتيجيًا في شرق القارة، وتتميز بتاريخ طويل من الحضارات والثقافات التي أثرت في النسيج السكاني والاجتماعي بشكل عميق. وقد شكّلت الكثافة السكانية الهائلة للصين عاملًا مؤثرًا في السياسة والاقتصاد، كما كانت محورًا رئيسيًا في التخطيط الحكومي المستقبلي، خاصة مع التحولات الاقتصادية والديموغرافية التي يشهدها العالم في القرن الحادي والعشرين.

يبلغ عدد سكان الصين حسب أحدث التقديرات لعام 2025 حوالي 1.409 مليار نسمة، بعد أن كانت في عام 2022 قد تجاوزت حاجز الـ 1.412 مليار نسمة. ورغم هذا الرقم الهائل، تشير البيانات الإحصائية إلى تراجع طفيف في عدد السكان مقارنة بالأعوام السابقة، في ظل انخفاض معدلات الولادة وزيادة نسبة الشيخوخة، وهو ما أصبح يشكّل تحديًا رئيسيًا أمام بكين في العقود القادمة.

التوزيع الجغرافي والديموغرافي للسكان

تتميز الصين بتوزيع سكاني غير متوازن بين مناطقها الشرقية والغربية. ففي حين أن المناطق الساحلية الشرقية مثل بكين، شنغهاي، قوانغدونغ وتشجيانغ تستقطب نسبة كبيرة من السكان بسبب النشاط الاقتصادي والبنية التحتية المتطورة، فإن المناطق الغربية مثل التبت وشينجيانغ تتميز بكثافة سكانية منخفضة.

تعكس هذه الأرقام الاختلالات السكانية الكبيرة بين أقاليم الصين، مما دفع بالحكومة إلى تبنّي سياسات لتشجيع الاستثمار والعيش في المناطق الداخلية لتخفيف الضغط السكاني عن المناطق الشرقية.

التركيبة السكانية حسب العمر والنوع

تُظهر الإحصاءات أن نسبة كبار السن في تزايد مستمر، إذ تشير تقديرات 2025 إلى أن حوالي 18% من سكان الصين تزيد أعمارهم عن 60 عامًا، مقارنة بـ 10% فقط في عام 2000. هذا التحول الديموغرافي له آثار كبيرة على سوق العمل ونظام الرعاية الصحية، كما يؤثر على النظام التقاعدي الذي يواجه ضغوطًا كبيرة.

أما بالنسبة للنوع، فتظهر البيانات أن نسبة الذكور لا تزال تتفوق بشكل طفيف على نسبة الإناث، حيث تبلغ نسبة الذكور حوالي 51.2% مقابل 48.8% للإناث، وهو نتيجة مباشرة للسياسات الإنجابية الصارمة التي اتبعتها الصين لعقود، مثل سياسة الطفل الواحد التي تم تطبيقها منذ أواخر سبعينات القرن الماضي وحتى عام 2015.

السياسات السكانية والتخطيط الديموغرافي

شهدت الصين تحولات كبيرة في سياستها السكانية منذ نهاية القرن العشرين، كان أبرزها تطبيق سياسة “الطفل الواحد” التي ساعدت على خفض معدل النمو السكاني ولكنها أدت في الوقت نفسه إلى اختلالات ديموغرافية حادة، أبرزها الشيخوخة السريعة للسكان وتقلص قاعدة الشباب.

وفي عام 2015، تخلت الحكومة عن هذه السياسة وأعلنت عن سياسة “الطفلين”، والتي تطورت لاحقًا إلى سياسة “الثلاثة أطفال” في 2021. ورغم هذه التعديلات، لم تستجب معدلات الإنجاب كما كانت تأمل الحكومة، حيث لا تزال معدلات الولادة منخفضة مقارنة بالحاجة الديموغرافية لإعادة التوازن.

تُشير التقديرات الحديثة إلى أن معدل الخصوبة في الصين انخفض إلى 1.2 طفل لكل امرأة في 2024، وهو ما يقل كثيرًا عن المعدل المطلوب لاستقرار عدد السكان (2.1 طفل لكل امرأة). وقد دفع ذلك بالحكومة الصينية إلى إطلاق حزم دعم للأسر، مثل الإعفاءات الضريبية، وتقديم إعانات حضانة، وتحسين ظروف العمل للنساء.

التحولات الاقتصادية وآثارها على السكان

التغيرات الاقتصادية التي شهدتها الصين منذ تبني سياسة “الإصلاح والانفتاح” في أواخر السبعينات ساهمت في تحولات اجتماعية وديموغرافية عميقة. فقد شجعت وتيرة التحضر والتصنيع الكثيف على هجرة داخلية ضخمة من المناطق الريفية إلى المدن الصناعية الكبرى، مثل شنجن وشنغهاي وقوانغتشو. وتُقدّر أعداد المهاجرين الداخليين في الصين بأكثر من 300 مليون شخص، يشكلون “العمالة المتنقلة” (Migrant Workers) التي تدعم عجلة الاقتصاد الصيني.

إلا أن هذه الهجرة الداخلية تسببت أيضًا في تحديات سكانية، كازدحام المدن، وارتفاع تكاليف السكن، وزيادة الضغط على الخدمات العامة، وهو ما استوجب إعادة النظر في أنظمة الإقامة الداخلية المعروفة باسم “هوكو”، التي كانت تحُد من حركة السكان بين المناطق.

الشيخوخة السكانية والتحديات المستقبلية

تُعدّ الشيخوخة واحدة من أخطر التحديات التي تواجهها الصين في المستقبل القريب. فمع تراجع معدلات الإنجاب وارتفاع متوسط العمر المتوقع (الذي بلغ حوالي 78.2 عامًا في 2024)، يزداد عدد السكان كبار السن بوتيرة متسارعة. ووفقًا للتوقعات، فإن نسبة من تزيد أعمارهم عن 65 عامًا قد تصل إلى 25% من مجموع السكان بحلول عام 2050.

يشكل هذا التغير عبئًا متزايدًا على نظام التأمين الاجتماعي والرعاية الصحية، ويقلص حجم القوة العاملة النشطة، مما يهدد الاستدامة الاقتصادية والنمو المستقبلي. وقد بدأت الصين بالفعل في إجراء إصلاحات تهدف إلى رفع سن التقاعد (الذي يبلغ حاليًا 60 عامًا للرجال و55 عامًا للنساء)، إلا أن هذه الخطوة تواجه رفضًا شعبيًا كبيرًا.

العلاقة بين النمو السكاني والتنمية المستدامة

النمو السكاني الهائل في الصين كان له دور مزدوج؛ فمن جهة ساهم في تعزيز القدرة الإنتاجية والنمو الاقتصادي عبر قوة عاملة ضخمة ومنخفضة التكلفة، ومن جهة أخرى شكل تحديًا كبيرًا للموارد الطبيعية، والتوازن البيئي، وتوزيع الخدمات.

تواجه الصين اليوم مسؤولية كبيرة في إدارة مواردها بشكل مستدام لتلبية حاجات السكان دون استنزاف بيئتها الطبيعية. وقد أطلقت مبادرات مثل “المدن الذكية” و”المدن البيئية” للحد من الأثر البيئي وتحقيق نمو سكاني أكثر توازنًا واستدامة.

سكان الصين في السياق العالمي

رغم تصدرها قائمة الدول من حيث عدد السكان، فإن الصين تشهد بداية تحول تاريخي قد يؤدي خلال السنوات القادمة إلى خسارتها لهذا المركز لصالح الهند، التي سجلت نموًا سكانيًا أسرع وأكثر استقرارًا. ووفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، فقد تجاوز عدد سكان الهند فعليًا عدد سكان الصين منذ عام 2023.

ويُعد هذا التحول محطة مفصلية في التاريخ السكاني العالمي، وله انعكاسات كبيرة على موازين القوى الاقتصادية والديموغرافية في القرن الحادي والعشرين.

الختام: الصين أمام مفترق ديموغرافي

تمثل الصين نموذجًا فريدًا في العالم من حيث الحجم السكاني والتحديات الديموغرافية المتشابكة. ومع انتقال البلاد من مرحلة النمو الكثيف إلى التنمية المتوازنة، تبرز أهمية تبني سياسات شاملة تُعالج الانكماش الديموغرافي، وتستثمر في رأس المال البشري، وتوازن بين الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية.

إن التحديات التي تواجه الصين اليوم ليست مجرد أرقام في جداول الإحصاء، بل هي مرآة عاكسة لتحولات حضارية واجتماعية عميقة تتطلب إعادة نظر شاملة في مفهوم السكان، ودورهم في التنمية، وحدود الإمكانيات التي تستطيع الدولة توفيرها لضمان استدامة الحياة والازدهار لجميع مواطنيها.

المراجع:

1. National Bureau of Statistics of China. (2025). www.stats.gov.cn

2. United Nations Population Division. World Population Prospects 2024.