عدد سكان الصين 2023

عدد سكان الصين

تُعدُّ الصين واحدة من أكبر الدول في العالم من حيث عدد السكان، وتأتي في المرتبة الأولى من حيث الكثافة السكانية على مستوى العالم، متقدمة بذلك على الهند رغم التقلبات السكانية التي شهدتها في العقود الأخيرة. يعكس عدد السكان في الصين عدة أبعاد مهمة تتداخل فيها العوامل الديموغرافية، والاقتصادية، والسياسية، والثقافية، ما يجعل دراسة هذا الموضوع ضرورية لفهم التحولات العالمية الكبرى. في هذا المقال، سيتم التوسع في تحليل تطور عدد السكان في الصين، والعوامل المؤثرة فيه، وتوزيعهم الجغرافي، بالإضافة إلى السياسات السكانية التي اتبعتها الحكومة الصينية عبر العقود، وتداعيات ذلك على المجتمع والاقتصاد.

النمو السكاني في الصين: نظرة تاريخية

شهدت الصين عبر تاريخها الطويل تذبذبات كبيرة في عدد السكان نتيجة الحروب، المجاعات، الكوارث الطبيعية، والتحولات السياسية. ففي عهد أسرة هان (206 ق.م – 220 م)، بلغ عدد السكان حوالي 60 مليون نسمة، وهو رقم ضخم مقارنة بمستوى ذلك العصر. مع مرور الزمن وتطور وسائل الزراعة وتحسن الظروف الصحية، بدأ عدد السكان في الارتفاع المستمر.

خلال القرن العشرين، وخاصة بعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية في عام 1949، شهدت البلاد انفجارًا ديموغرافيًا واسعًا نتيجة لتحسين الرعاية الصحية، وانخفاض معدلات الوفيات، والزيادة في معدلات الخصوبة. فبحلول عام 1950، قُدر عدد السكان بحوالي 550 مليون نسمة. إلا أن هذا النمو السريع بدأ يشكل عبئًا على الموارد الاقتصادية والبنية التحتية، مما دفع السلطات إلى التدخل بتنظيم النسل عبر سلسلة من السياسات التي بلغت ذروتها في سياسة الطفل الواحد في عام 1979.

التطورات السكانية الحديثة

وفقًا لتعداد السكان الرسمي الصيني لعام 2020، بلغ عدد سكان الصين حوالي 1.41 مليار نسمة. ورغم أن الصين حافظت على مكانتها كأكثر دول العالم سكانًا حتى مطلع عام 2023، إلا أن الهند تجاوزتها لاحقًا، وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، مما يدل على بداية مرحلة جديدة من التباطؤ الديموغرافي في الصين.

تشير الإحصاءات إلى أن الصين بدأت تدخل مرحلة ما يسمى بـ”الركود السكاني”، حيث تراجعت معدلات الخصوبة إلى أقل من 1.3 مولود لكل امرأة، وهي نسبة تقل بكثير عن معدل الإحلال السكاني (2.1). كما تشير البيانات إلى أن عدد المواليد في عام 2022 بلغ حوالي 9.56 مليون، مقابل حوالي 10.41 مليون وفاة، ما يعني تسجيل أول انخفاض صافٍ في عدد السكان منذ ستينيات القرن الماضي.

توزيع السكان في الصين

رغم الكثافة السكانية العالية بشكل عام، إلا أن التوزيع السكاني في الصين غير متوازن جغرافيًا. إذ يتمركز الجزء الأكبر من السكان في الأقاليم الشرقية والجنوبية الشرقية، خاصة في دلتا نهر اليانغتسي ومنطقة الساحل، حيث تنتشر المدن الكبرى مثل بكين، شنغهاي، وقوانغتشو. بينما تبقى المناطق الغربية والشمالية الغربية مثل التبت وشينجيانغ وشينغهاي ذات كثافة سكانية منخفضة، ويرجع ذلك إلى الطبيعة الجغرافية القاسية، من جبال وصحارى ومناخات جافة.

يُظهر الجدول التالي تباين الكثافة السكانية بين الأقاليم المختلفة في الصين:

التحولات العمرية

تُعد التركيبة العمرية في الصين من أبرز التحديات الديموغرافية في الوقت الراهن. فقد ارتفعت نسبة كبار السن (فوق 60 عامًا) إلى أكثر من 20% من إجمالي عدد السكان، مما يشكل ضغطًا على نظام الضمان الاجتماعي، والخدمات الصحية، وسوق العمل.

وفي المقابل، تشهد البلاد انخفاضًا في نسبة السكان ضمن الفئة الشابة (15-24 سنة)، ما يهدد بإحداث فجوة في القوى العاملة المستقبلية، خاصة في القطاعات الصناعية والإنتاجية. هذه التغيرات الديموغرافية دفعت الحكومة إلى محاولة إنعاش معدلات المواليد، من خلال إلغاء سياسة الطفل الواحد في عام 2015، والسماح بإنجاب طفلين، ثم رفع الحد إلى ثلاثة أطفال في عام 2021، بالإضافة إلى تقديم حوافز مالية واجتماعية للأسر.

السياسات السكانية: من التقييد إلى التشجيع

كانت سياسة الطفل الواحد، التي فُرضت منذ عام 1979، أحد أكثر الإجراءات السكانية تشددًا في التاريخ الحديث. وتهدف هذه السياسة إلى كبح جماح النمو السكاني الهائل. وقد حققت هذه السياسة نجاحًا نسبيًا في إبطاء الزيادة السكانية، لكنها خلّفت تداعيات سلبية على المدى البعيد، مثل اختلال التوازن بين الجنسين، والشيخوخة السكانية، وتراجع الخصوبة الهيكلي.

مع تزايد المخاوف من تقلص عدد السكان، بدأت الحكومة في اتخاذ خطوات لإعادة التوازن. وشملت هذه الخطوات ما يلي:

• إلغاء سياسة الطفل الواحد: عام 2015.

• السماح بإنجاب ثلاثة أطفال: عام 2021.

• إجراءات دعم الإنجاب: تشمل تقديم إعانات مالية للأسر، وتوسيع نطاق إجازة الأمومة والأبوة، وتخفيض تكاليف التعليم والصحة للأطفال.

• تحفيز الهجرة الداخلية: خاصة من المناطق الريفية إلى المدن الصناعية، للحفاظ على قاعدة القوى العاملة.

الهجرة الداخلية والخارجية

تشهد الصين أيضًا حركة هجرة داخلية ضخمة تُعرف بـ”الهجرة القروية إلى الحضر”، حيث ينتقل الملايين من العمال من المناطق الريفية إلى المدن الكبرى بحثًا عن فرص العمل والدخل الأفضل. وقد أسهمت هذه الهجرة في دعم الاقتصاد الصيني، لكنها تسببت في مشاكل اجتماعية، منها التمييز في تقديم الخدمات للمهاجرين داخل المدن نتيجة لنظام “هوكو” (تسجيل الأسر)، والذي يقيّد الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية خارج مسقط الرأس الرسمي.

أما على الصعيد الخارجي، فإن أعداد المهاجرين الصينيين إلى الخارج ازدادت خلال العقود الأخيرة، سواء في إطار الدراسة، أو الاستثمار، أو تحسين نوعية الحياة. وتتركز الجاليات الصينية الكبيرة في دول مثل الولايات المتحدة، كندا، أستراليا، وسنغافورة.

التأثير الاقتصادي للنمو السكاني

يُعد عدد السكان في الصين من أهم العوامل التي شكلت نهوض البلاد اقتصاديًا في العقود الماضية، حيث وفرت الكثافة السكانية الهائلة قوة عمل رخيصة ساهمت في جذب الاستثمارات الصناعية الأجنبية، وتحقيق الطفرة الاقتصادية المعروفة بـ”المعجزة الصينية”.

إلا أن النمو السكاني تحول تدريجيًا من كونه فرصة إلى كونه تحديًا. فمع تقدم السكان في العمر وتقلص نسبة القوى العاملة، تتعرض الإنتاجية للانخفاض. كما أن النظام الصحي والرعائي بات يواجه ضغوطًا شديدة، ما يدفع الحكومة إلى إعادة هيكلة السياسات الاقتصادية والاجتماعية.

المشكلات الاجتماعية المرتبطة بالتحولات السكانية

• الشيخوخة المتسارعة: تؤدي إلى ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية والتقاعد.

• تفاوت الجنسين: بسبب تفضيل الذكور في الولادات، ما أدى إلى وجود ملايين من الذكور غير المتزوجين.

• هجرة الأدمغة: تزايد هجرة الكفاءات العلمية والمهنية إلى الخارج.

• اختلال التوازن الحضري-الريفي: حيث تعاني المناطق الريفية من نقص في الخدمات وفرص العمل.

التوقعات المستقبلية

تشير التوقعات إلى أن عدد سكان الصين قد يستمر في التراجع خلال العقود القادمة، ما لم تنجح السياسات الحكومية في عكس الاتجاه. وقد يُقدّر أن يصل عدد السكان إلى نحو 1.2 مليار نسمة بحلول عام 2100، وفقًا لتقديرات بعض مراكز الأبحاث الدولية. وسيكون لهذا التراجع انعكاسات على النمو الاقتصادي، والهيكل الاجتماعي، والمكانة الجيوسياسية للصين.

من المتوقع أن تركز الصين على التحول إلى اقتصاد عالي القيمة يعتمد على التكنولوجيا والخدمات، بدلاً من التركيز على الكثافة السكانية كعنصر رئيسي للإنتاج. كما ستعمل على رفع جودة التعليم، وتحسين ظروف العمل، وتحفيز الابتكار لتعويض النقص المحتمل في القوى العاملة.

الخلاصة

عدد سكان الصين ليس مجرد رقم إحصائي، بل هو مفتاح لفهم الكثير من التحولات الداخلية والخارجية التي تمر بها الدولة. فبينما كانت الكثافة السكانية عاملًا محفزًا للتنمية الاقتصادية في الماضي، فإنها اليوم تشكل أحد أكبر التحديات أمام النمو المستدام، مما يفرض على الدولة تبني سياسات مرنة ومتكاملة. وتُعد التجربة الصينية مثالًا عالميًا على كيفية تفاعل السياسة مع التحولات الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية في آنٍ واحد.

المراجع:

1. National Bureau of Statistics of China. (2021). Seventh National Population Census.

2. United Nations, Department of Economic and Social Affairs, Population Division. (2023). World Population Prospects.