عدد سكان البرتغال 2024

عدد سكان البرتغال

تُعد البرتغال واحدة من أقدم الدول الأوروبية من حيث الحدود القومية، وتتمتع بتاريخ طويل يمتد لقرون من الزمن، ما يجعلها دولة ذات هوية ثقافية راسخة ومجتمع متنوع ومتطور ديموغرافياً. إنّ فهم عدد سكان البرتغال لا يمكن أن ينفصل عن السياق الجغرافي، والسياسي، والاقتصادي، والثقافي للدولة، ولا عن التحولات الديموغرافية التي عرفتها خلال العقود الأخيرة، خاصة في ظل التغيرات الاقتصادية، والتحولات في معدلات الهجرة والولادة، والتقدم في العمر المتوقع. ويمثل تحليل عدد سكان البرتغال مدخلاً أساسياً لفهم أوسع للواقع السكاني في شبه الجزيرة الإيبيرية وأوروبا بشكل عام.

الموقع الجغرافي والخلفية العامة

تقع البرتغال في أقصى الغرب من القارة الأوروبية، وتشترك في حدودها البرية مع إسبانيا فقط، بينما تطل على المحيط الأطلسي من الغرب والجنوب. تشمل أراضيها أيضاً أرخبيل الأزور وماديرا في المحيط الأطلسي، اللذان يتمتعان بحكم ذاتي. ويُقدر إجمالي مساحة البرتغال بحوالي 92,090 كيلومتر مربع، وتُعد لشبونة العاصمة وأكبر المدن من حيث عدد السكان، تليها بورتو، وكويمبرا، وبراجا.

عدد السكان وفقاً لآخر الإحصائيات

وفقاً لتقديرات المعهد الوطني للإحصاء في البرتغال (INE) لسنة 2024، بلغ عدد سكان البرتغال حوالي 10.24 مليون نسمة. ويُلاحظ استقرار نسبي في عدد السكان منذ بداية الألفية الثالثة، حيث لم تشهد البرتغال نمواً سكانياً كبيراً، بل إن بعض السنوات سجلت انخفاضاً طفيفاً نتيجة التغيرات الديموغرافية، وخصوصاً انخفاض معدلات الولادة وارتفاع معدلات الهجرة إلى الخارج.

وفيما يلي جدول يوضح التغير السكاني في البرتغال خلال السنوات الأخيرة:

الهيكل العمري للسكان

يشهد المجتمع البرتغالي تحوّلاً ديموغرافياً نحو الشيخوخة، وهي سمة باتت شائعة في المجتمعات الأوروبية. تشير الإحصائيات إلى أن نسبة كبار السن (65 سنة فما فوق) تشكل حوالي 23% من إجمالي السكان، وهي نسبة مرتفعة مقارنة بالمعدل العالمي. في المقابل، تبلغ نسبة الفئة العمرية دون سن 15 عاماً حوالي 13.5%، وهو مؤشر على انخفاض معدلات الولادة وتقلص القاعدة الشبابية في المجتمع.

هذا التحول في التركيبة العمرية يفرض تحديات كبيرة على نظام التقاعد، والخدمات الصحية، وسوق العمل، ويجعل من الضروري تنفيذ سياسات سكانية فعالة، إما لتشجيع الإنجاب أو لجذب المهاجرين بهدف إعادة التوازن الديموغرافي.

التوزيع الجغرافي والكثافة السكانية

تتوزع الكثافة السكانية في البرتغال بشكل غير متساوٍ. تتركز النسبة الأكبر من السكان في المناطق الحضرية الساحلية مثل منطقة لشبونة الكبرى ومنطقة بورتو، بينما تعاني المناطق الداخلية والريفية من انخفاض الكثافة السكانية، بل وحتى الهجرة الداخلية نحو المدن الكبرى. وتبلغ الكثافة السكانية الإجمالية للبرتغال حوالي 111 نسمة لكل كيلومتر مربع.

وتُعد لشبونة المركز الإداري والسياسي والاقتصادي، ويتجاوز عدد سكانها مع الضواحي الحضرية 2.8 مليون نسمة، ما يعادل ربع سكان البرتغال. بينما يبلغ عدد سكان مدينة بورتو الكبرى حوالي 1.7 مليون نسمة، وتليها مدن مثل كويمبرا، فارو، وأفييرو بأعداد أقل بكثير.

الهجرة وتأثيرها على عدد السكان

تلعب الهجرة دوراً بالغ الأهمية في التوازن الديموغرافي للبرتغال. فقد شهدت البلاد خلال العقود الأخيرة موجات هجرة متعددة، سواء على صعيد المهاجرين إليها أو منها. وخلال السبعينيات والثمانينيات، كان البرتغاليون من أبرز المهاجرين نحو دول أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية، بسبب الأزمة الاقتصادية والبطالة.

أما خلال العقدين الأخيرين، فقد أصبحت البرتغال وجهة للهجرة، خصوصاً من دول أمريكا اللاتينية مثل البرازيل وفنزويلا، وكذلك من بعض الدول الإفريقية الناطقة بالبرتغالية مثل أنغولا والرأس الأخضر وموزمبيق، فضلاً عن موجات حديثة من الهجرة من أوكرانيا، الهند، الصين، وبنغلادش.

وفي عام 2023، بلغ عدد السكان الأجانب المقيمين في البرتغال أكثر من 800,000 نسمة، أي حوالي 8% من إجمالي السكان، وهي نسبة آخذة في الارتفاع. وساهم هذا الارتفاع في تخفيف آثار انخفاض معدلات الولادة وتوازن سوق العمل نسبيًا.

معدلات الولادة والوفاة

تعاني البرتغال من إحدى أدنى معدلات الولادة في أوروبا، حيث يبلغ معدل الخصوبة نحو 1.4 طفل لكل امرأة، وهو أقل بكثير من معدل الإحلال السكاني البالغ 2.1. وهذا ما يجعل النمو السكاني الطبيعي سلبياً، أي أن عدد الوفيات يفوق عدد المواليد.

وفي عام 2023، سُجل ما يقارب 82,000 حالة ولادة، مقابل 115,000 حالة وفاة، مما أدى إلى عجز طبيعي في السكان يُعوّض جزئياً فقط عبر صافي الهجرة.

توقعات النمو السكاني في المستقبل

تشير التوقعات السكانية التي صدرت عن الأمم المتحدة والمؤسسات الإحصائية الأوروبية إلى أن عدد سكان البرتغال مرشح للانخفاض التدريجي خلال العقود المقبلة إذا لم يتم اتخاذ إجراءات لتعزيز النمو الديموغرافي. وقد يصل عدد السكان بحلول عام 2050 إلى أقل من 9.5 مليون نسمة، مع استمرار اتجاه الشيخوخة الديموغرافية، وتراجع القوى العاملة النشطة.

وتدفع هذه التوقعات صناع القرار إلى التفكير في إصلاحات هيكلية على مستوى أنظمة الرعاية الصحية والمعاشات، بالإضافة إلى وضع استراتيجيات لاستقطاب مهاجرين جدد، وتحفيز العائلات على الإنجاب من خلال دعم مادي وخدمات اجتماعية.

الاقتصاد وعلاقته بالكثافة السكانية

يُعد الاقتصاد البرتغالي اقتصاداً متقدماً نسبياً، ويعتمد بشكل كبير على السياحة، والزراعة، والصناعات التحويلية، والتكنولوجيا. ولكن عدد السكان المحدود والكثافة السكانية المنخفضة نسبياً يشكلان عائقاً أمام نمو السوق المحلي.

كما أن تركز السكان في مناطق معينة يخلق فجوة اقتصادية بين الساحل والداخل، ويزيد من صعوبة التنمية المتوازنة. ولهذا السبب، تسعى الحكومة إلى تطوير برامج تهدف إلى إنعاش المناطق النائية من خلال تقديم حوافز اقتصادية، وتسهيل الاستثمار في البنية التحتية والخدمات.

النظام الصحي والتعليم وتأثير السكان عليهما

تشكل التركيبة السكانية عاملاً حاسماً في التخطيط للخدمات الصحية والتعليمية في البلاد. فالزيادة النسبية في كبار السن تفرض ضغطاً متزايداً على نظام الرعاية الصحية، خاصة فيما يتعلق بالأمراض المزمنة والرعاية طويلة الأمد. كما أن تراجع عدد الأطفال يؤثر على الحاجة إلى المدارس والمعلمين، ويدفع نحو تقليص أو دمج بعض المؤسسات التعليمية في المناطق الريفية.

وفي المقابل، يشهد قطاع التعليم العالي تطوراً ملحوظاً، مع ازدياد أعداد الطلبة الدوليين الوافدين للدراسة في جامعات مثل جامعة لشبونة، جامعة بورتو، وجامعة كويمبرا، ما يعزز الحضور الدولي للبرتغال في المجال الأكاديمي.

البنية الاجتماعية والثقافية للسكان

يُعتبر المجتمع البرتغالي متجانساً إلى حد كبير من حيث اللغة والدين، إذ تُستخدم اللغة البرتغالية كلغة رسمية ووحيدة في البلاد، ويعتنق غالبية السكان المسيحية الكاثوليكية. ورغم هذا التجانس الظاهري، فإن الهجرة الأخيرة أضفت تنوعاً ثقافياً ملحوظاً، خاصة في المدن الكبرى.

ويُلاحظ تزايد الانفتاح الاجتماعي على الثقافات المختلفة، وارتفاع معدلات التعدد الثقافي، ما يعكس تحولاً تدريجياً في تركيبة المجتمع ويُشكل بيئة متعددة الهويات داخل إطار قانوني موحد.

السياسات الحكومية تجاه السكان

تعتمد الحكومة البرتغالية مجموعة من السياسات السكانية التي تهدف إلى مواجهة التحديات الديموغرافية، من بينها:

• تحفيز الإنجاب: من خلال تقديم دعم مالي للعائلات، وتحسين إجازات الأمومة والأبوة، وتوفير خدمات الحضانة المجانية أو المدعومة.

• استقطاب المهاجرين: عبر تسهيل شروط الإقامة والعمل والدراسة للأجانب.

• اللامركزية: من خلال نقل بعض الأنشطة الاقتصادية والإدارية إلى المناطق الداخلية لتخفيف التركز الحضري.

• التخطيط العمراني الذكي: لتحقيق توازن بين التنمية الحضرية وحماية البيئة وتوفير السكن بأسعار معقولة.

الخلاصة الإحصائية

إنّ عدد سكان البرتغال يعكس واقعاً ديموغرافياً معقداً ومتحولاً. ومع أن الرقم يبدو مستقراً نسبياً في الظاهر، إلا أن العوامل البنيوية مثل الشيخوخة، انخفاض الولادات، وتفاوت التوزيع الجغرافي، كلها تؤثر بشكل عميق على بنية المجتمع ومؤسساته. ويظل مستقبل السكان في البرتغال مرهوناً بقدرة الدولة على تنفيذ سياسات ديموغرافية متكاملة تجمع بين تشجيع الولادة، وتنظيم الهجرة، وتعزيز التكافؤ في التنمية بين مختلف المناطق.

المصادر:

1. Instituto Nacional de Estatística (INE), Portugal – Estatísticas Demográficas 2024

2. United Nations Department of Economic and Social Affairs, Population Division – World Population Prospects 2022