عدد سكان البحرين
تُعد مملكة البحرين واحدة من أصغر الدول العربية من حيث المساحة، لكنها تحتل موقعًا استراتيجيًا بالغ الأهمية في منطقة الخليج العربي، وتتمتع بكثافة سكانية مرتفعة نسبيًا مقارنة بمساحتها المحدودة. يسلط هذا المقال الضوء على تطور عدد سكان البحرين عبر العقود، وتركيبتهم الديموغرافية، والعوامل الاقتصادية والاجتماعية المؤثرة في معدلات النمو السكاني، إضافة إلى التحديات التي تواجه الدولة في إدارة هذا النمو ضمن سياقها الجغرافي والسياسي الخاص.
نظرة عامة على عدد السكان
يبلغ عدد سكان مملكة البحرين، وفقًا لتقديرات منتصف عام 2024، حوالي 1.51 مليون نسمة، موزعين على مساحة جغرافية لا تتجاوز 780 كيلومترًا مربعًا. وتُعد المنامة، عاصمة البحرين، المنطقة الأكثر كثافة سكانية وازدحامًا، حيث تحتضن العدد الأكبر من السكان والمقيمين بسبب تركّز المؤسسات الحكومية والخدمات الاقتصادية والتجارية.
من الجدير بالذكر أن نسبة المواطنين البحرينيين من إجمالي السكان لا تتعدى 47%، فيما يشكّل الوافدون الأجانب نحو 53% من إجمالي السكان، معظمهم من العمالة الآسيوية، وخاصة من الهند، وبنغلاديش، والفلبين، وباكستان، إلى جانب نسبة أصغر من الجنسيات العربية والأوروبية.
التطور التاريخي لعدد السكان
شهدت البحرين على مدار العقود الماضية نموًا سكانيًا متسارعًا، مدفوعًا بمعدلات ولادة مرتفعة في البداية، ثم لاحقًا نتيجة الزيادة الحادة في أعداد المقيمين من العمال الأجانب الذين قدموا ضمن خطط التنمية الاقتصادية والتوسع في قطاعات الخدمات والإنشاءات والطاقة.
الجدول التالي يوضح تطور عدد سكان البحرين:
| السنة | عدد السكان التقديري | نسبة المواطنين | نسبة المقيمين الأجانب |
|---|---|---|---|
| 1970 | 216,000 | 85% | 15% |
| 1990 | 508,000 | 65% | 35% |
| 2000 | 670,000 | 60% | 40% |
| 2010 | 1,234,000 | 48% | 52% |
| 2020 | 1,501,000 | 47% | 53% |
| 2024 | 1,510,000 (تقريبي) | 47% | 53% |
هذا التغير في التركيبة السكانية يعكس تحوّلًا عميقًا في الهيكل الديموغرافي للبلاد خلال نصف القرن الأخير، وقد أثّر في قطاعات عديدة من بينها التعليم، والإسكان، والبنية التحتية، والخدمات الصحية.
التوزيع الجغرافي للسكان
يتركز أغلب سكان البحرين في المدن والمناطق الحضرية، خاصة في المحافظات التالية:
-
محافظة العاصمة (المنامة): وهي مركز الأنشطة السياسية والاقتصادية وتضم الكثافة السكانية الأعلى.
-
المحافظة الشمالية: تتمتع بنمو سكاني سريع بسبب التوسع العمراني وازدياد المشاريع السكنية.
-
المحافظة الجنوبية: رغم أنها الأكبر مساحة، إلا أن عدد السكان فيها أقل مقارنة بالمحافظات الأخرى نظرًا لطبيعتها الصحراوية.
-
المحافظة الوسطى (قبل دمجها): كانت تضم عددًا كبيرًا من السكان في مناطق مثل الرفاع وعالي.
التركيبة السكانية: النوع والعمر
يُظهر الهيكل العمري للسكان في البحرين نمطًا مشابهًا للدول ذات المجتمعات الشابة، ولكن مع بعض الخصائص الفريدة:
-
الفئة العمرية السائدة: تتراوح بين 25 و44 عامًا، وهي الفئة الأكثر تمثيلًا بسبب تركيبة العمالة الأجنبية.
-
النسبة بين الجنسين: توجد فجوة واضحة بسبب العمالة الأجنبية، حيث تتفوق نسبة الذكور على الإناث، بنسبة تُقدّر بنحو 61% ذكور مقابل 39% إناث.
وهذا الخلل في التوازن بين الجنسين يُعد نتيجة مباشرة للاعتماد على العمالة الذكورية في مجالات الإنشاءات والطاقة والنقل، وهي من أكثر القطاعات توظيفًا في البحرين.
العوامل المؤثرة في النمو السكاني
1. النمو الطبيعي للسكان
معدلات الخصوبة والمواليد بين المواطنين البحرينيين كانت عالية نسبيًا في العقود السابقة، لكنها بدأت بالانخفاض التدريجي في السنوات الأخيرة نتيجة لتغير نمط الحياة وزيادة التمدّن والتعليم، خاصة بين النساء.
2. الهجرة الخارجية
السبب الأهم في تضاعف عدد السكان هو الاستقدام المستمر للعمالة الأجنبية لتلبية متطلبات سوق العمل في البحرين، خاصة في مشاريع البنية التحتية الكبرى ومؤسسات القطاع الخاص.
3. التحول الاقتصادي
بعد الاكتشافات النفطية في القرن العشرين، تحوّلت البحرين إلى مركز مالي وتجاري إقليمي، مما جعلها وجهة جذابة للعمالة الماهرة من مختلف الدول.
التحديات الديموغرافية
يطرح النمو السكاني غير المتوازن في البحرين جملة من التحديات الاقتصادية والاجتماعية، يمكن تلخيصها كالتالي:
1. الضغط على البنية التحتية
الزيادة السكانية أدت إلى ارتفاع الضغط على الخدمات الأساسية مثل الماء، والكهرباء، والصرف الصحي، والنقل العام، ما يستوجب خططًا حكومية متقدمة لمواكبة الطلب المتزايد.
2. سوق العمل
ارتفاع عدد العمال الأجانب مقارنة بالمواطنين أدى إلى منافسة شديدة على الوظائف، إلى جانب بروز ظاهرة “البطالة المقنعة” و”البطالة الهيكلية” بين الشباب البحريني.
3. الهوية الوطنية
أثار التفاوت الديموغرافي نقاشات مجتمعية وسياسية متعلقة بالحفاظ على الهوية البحرينية، واللغة، والثقافة في ظل التأثيرات الثقافية المتعددة الناتجة عن الجاليات الأجنبية الكبيرة.
4. الإسكان
ارتفاع الطلب على المساكن، خاصة من قبل المواطنين، أدى إلى زيادة أسعار العقارات، وهو ما دفع الحكومة إلى تطوير مشاريع إسكانية مثل “مدينة شرق الحد” و”مدينة سلمان”.
السياسات الحكومية المتعلقة بالسكان
اتبعت الحكومة البحرينية خلال العقدين الماضيين سياسات متعددة للسيطرة على النمو السكاني وتنظيم العمالة الوافدة، من أبرزها:
-
أنظمة الإقامة المرنة: التي تهدف لتنظيم أوضاع العمالة غير النظامية.
-
برامج البحرنة: التي تسعى لإحلال العمالة الوطنية مكان العمالة الأجنبية في القطاعات المختلفة.
-
مبادرات الإسكان المدعوم: لتلبية الطلب المتزايد على المساكن للمواطنين.
-
التعليم والتأهيل المهني: لزيادة تنافسية المواطنين في سوق العمل.
مستقبل النمو السكاني في البحرين
تشير التوقعات الديموغرافية إلى أن عدد سكان البحرين سيواصل النمو، ولكن بوتيرة أبطأ مقارنة بالعقود السابقة. ويتوقع أن تتراوح الزيادة السكانية خلال العقد المقبل بين 1.3% إلى 1.8% سنويًا، مع انخفاض تدريجي في معدلات الخصوبة لدى المواطنين، واستمرار الاعتماد على العمالة الأجنبية ضمن مشاريع التنمية الكبرى مثل مشروع تطوير سواحل المنامة وميناء خليفة بن سلمان.
في المقابل، سيكون على الحكومة البحرينية تعزيز سياسات التنوع الاقتصادي، وتحديث البنية التحتية، وتنظيم سوق العمل، بما يواكب هذه الزيادات السكانية ويضمن استدامة الخدمات وجودة الحياة للمواطنين والمقيمين على حد سواء.
الخلاصة
تمثل مملكة البحرين نموذجًا فريدًا في التركيبة السكانية بين الدول الخليجية، فهي تواجه تحديات متميزة ناتجة عن ارتفاع نسبة الأجانب مقارنة بالمواطنين، إلى جانب ضغوط سكانية على موارد محدودة. ومع استمرار الجهود الحكومية في تنظيم سوق العمل، وتحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والاستقرار الاجتماعي، تبقى مسألة السكان محورًا حيويًا لأي سياسات مستقبلية، خاصة في ظل التحولات الاقتصادية والديموغرافية الإقليمية والعالمية.
المراجع:
-
الجهاز المركزي للمعلومات – مملكة البحرين
-
World Bank – Bahrain Population Statistics (2023)
