عدد ركعات الشفع والوتر: شرح مفصل عن سنة الوتر في الإسلام
من بين السنن النبوية التي استأثرت باهتمام المسلمين عبر العصور هي صلاة الوتر، التي تُعتبر من النوافل المقربة إلى الله تعالى، والتي تُصلى بعد صلاة العشاء. يتساءل العديد من المسلمين عن عدد ركعات صلاة الشفع والوتر، وهو ما يثير مجموعة من الأسئلة المتعلقة بطريقتها وأوقاتها وأحكامها في الشريعة الإسلامية. في هذا المقال، سوف نستعرض بالتفصيل كل ما يتعلق بعدد ركعات الشفع والوتر، مع توضيح حكمها، والأدلة الشرعية التي تدعم هذا الفهم، والآراء الفقهية المختلفة حول كيفية أدائها.
تعريف صلاة الشفع والوتر
صلاة الشفع والوتر هي صلاة نفل يصليها المسلم بعد أداء صلاة العشاء، وهي سنَّة مؤكدة ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وتُعدُّ من أفضل الأعمال التي يمكن أن يتقرب بها المسلم إلى ربه. تتألف صلاة الشفع والوتر من ركعات فردية وزوجية؛ حيث يتم أداء صلاة الشفع أولاً (أي ركعتين) ثم يتبعها ركعة واحدة من صلاة الوتر، ولهذا سميت بـ”الشفع” و”الوتر”.
-
الشفع: هي الصلاة التي تتكون من ركعتين زوجيتين، تُصلى في البداية من صلاة الشفع والوتر.
-
الوتر: هي الصلاة التي تتكون من ركعة واحدة فردية، تُصلى بعد الشفع، وهي أكثر ما يُميز هذه الصلاة.
حكم صلاة الشفع والوتر
صلاة الشفع والوتر من السنن المؤكدة، أي أنها ليست فرضًا ولكنها موصى بها بشدة، بحيث لا يجب على المسلم تركها. وقد وردت العديد من الأحاديث النبوية التي تحث على أداء هذه الصلاة، منها ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم:
“من صلى العشاء ثم أوتر ثلاثًا فقد أحسن، ومن صلى العشاء ثم أوتر بواحدة فقد أحسن.”
وقال صلى الله عليه وسلم أيضًا:
“إن الله وتر يحب الوتر.”
وبذلك فإن صلاة الوتر تتميز بمكانة عالية في العبادة لأنها تعد من السنن التي تؤدى في وقت معين وهي تُختتم بالوتر الذي يعتبر من صلوات التهجد.
عدد ركعات الشفع والوتر
العدد الإجمالي لركعات صلاة الشفع والوتر يختلف في بعض المدارس الفقهية. ومع ذلك، من المتفق عليه بين العلماء أن صلاة الشفع والوتر تتكون من ثلاثة ركعات على الأقل. في هذا الإطار، سنعرض آراء الفقهاء في عدد الركعات:
-
الرأي الأول: ثلاث ركعات
هذا هو الرأي الذي عليه جمهور العلماء من المذاهب الأربعة (الحنفية، المالكية، الشافعية، الحنابلة). طبقًا لهذا الرأي، تتكون صلاة الشفع والوتر من ركعتين للشفع (الركعتين الزوجيتين) وركعة واحدة للوتر.
يتم صلاة الشفع أولاً وهي ركعتان، ثم يتبعها الوتر، الذي يتكون من ركعة واحدة.
وقد ثبت في حديث النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم:
“صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة.”
وهذا دليل واضح على أن عدد ركعات الوتر في أدنى الحالات هو ركعة واحدة، ويُفضل أن تكون ثلاثة ركعات كحد أدنى. -
الرأي الثاني: خمس ركعات
بعض الفقهاء يرون أن المسلم يمكنه زيادة عدد ركعات الوتر ليصل إلى خمس ركعات، وذلك بناءً على بعض الأحاديث. وقد ورد عن بعض الصحابة والتابعين أنهم كانوا يُصلون الوتر خمس ركعات.
وهناك حديث مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم يوضح كيف كان يؤدي صلاة الوتر أحيانًا:
“كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُوتر بخمس ركعات.”
ومع ذلك، تعتبر هذه الزيادة ليست هي الأكثر شهرة أو شيوعًا، بل هي من اجتهاد بعض العلماء الذين يرون أن زيادة عدد الركعات تزيد من الأجر. -
الرأي الثالث: سبع ركعات
من بين الآراء الفقهية أيضًا، هناك من قال إن عدد ركعات الوتر يمكن أن يصل إلى سبع ركعات. وقد ورد في بعض الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أوتر سبع ركعات في بعض الأحيان، لكن هذا يعد استثناء وليس هو الغالب. -
الرأي الرابع: أكثر من سبع ركعات
في حالات خاصة، قد يتبع المسلم طريقة الصلاة بتكبيرات إضافية بحيث يصلي أكثر من سبع ركعات من أجل التطوع والتهجد. لكن هذا العدد ليس مشهودًا في الأحاديث بشكل واضح ولم يُحصر في الدين.
طريقة أداء صلاة الشفع والوتر
من أجل أداء صلاة الشفع والوتر بشكل صحيح، يجب أن يتم الالتزام بالصلاة بطريقة معينة. لا شك أن الشفع يتكون من ركعتين تؤديهما المسلم بعد صلاة العشاء، لكن ركعة الوتر هي التي تميزها عن باقي السنن.
-
الركعتان (الشفع):
تُصلى الركعتان كالعادة، تبدأ بالتكبير، ثم قراءة الفاتحة والسورة بعدها، وتؤدى الركعة كأي صلاة نفل، ثم يسلم الشخص بعد الركعتين. -
الركعة الأخيرة (الوتر):
بعد إتمام الشفع، يؤدي المسلم ركعة الوتر، ويبدأها بالتكبير كما هو الحال في الصلاة العادية. ولكن بعد قراءة الفاتحة، يقوم بقراءة سورة قصيرة أو الدعاء، ثم بعد الركوع والسجود، يقوم بالجلوس للتشهد الأخير. في التشهد الأخير من الوتر، يختتم المصلي صلاته بتسليم.
دعاء الوتر
من المستحب أن يدعو المسلم دعاء الوتر بعد أن يرفع رأسه من الركوع في الركعة الأخيرة، وذلك تلبية لحديث النبي صلى الله عليه وسلم:
“اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك.”
وقت صلاة الشفع والوتر
يُفضل أداء صلاة الوتر في الثلث الأخير من الليل، وهو الوقت الذي يُستحب فيه التهجد والدعاء. ومع ذلك، فإن وقت صلاة الوتر يمتد من بعد صلاة العشاء إلى قبيل الفجر. ويجدر بالمسلم أن يحرص على أن يؤدي الوتر في آخر الليل لأن هذا وقت إجابة الدعاء، ولكن إذا لم يستطع يمكنه أداؤها في أي وقت بعد صلاة العشاء.
فوائد صلاة الشفع والوتر
صلاة الشفع والوتر لا تقتصر على كونها مجرد سنَّة مؤكدة فقط، بل إنها تحمل في طياتها العديد من الفوائد الروحية والدنيوية التي تجعل المسلم يحرص على أدائها بانتظام:
-
تقوية العلاقة بالله تعالى:
من أهم فوائد صلاة الشفع والوتر أنها تقوي صلة العبد بربه، إذ يتوجه المسلم إلى الله في أوقات متأخرة من الليل بعد أداء الفريضة، مما يفتح له أبواب الرحمة والمغفرة. -
تطهير القلب والنفس:
من خلال هذه الصلاة، يطهر المسلم قلبه من الشوائب ويزيد من خشوعه وتضرعه لله تعالى. إذ يُعتبر وقت الليل من أكثر الأوقات التي تكون فيها الدعوات مستجابة. -
بركة الرزق:
يُقال إن المواظبة على صلاة الوتر تجلب بركة الرزق وتساعد على النجاح في الحياة الدنيا والآخرة. -
رفع الدرجات في الآخرة:
لقد ثبت في الحديث الصحيح أن الوتر من السنن التي ترفع درجات العبد يوم القيامة، وتُقربه من الله عز وجل.
الخاتمة
تُعد صلاة الشفع والوتر من السنن المؤكدة في الدين الإسلامي، وتتمتع بمكانة كبيرة في قلب المسلم. إذ أنها تمثل نوعًا من القرب والعبادة الطوعية التي يتقرب بها العبد إلى ربه، ووسيلة لتحقيق الراحة النفسية والتقوى. رغم اختلاف بعض الآراء حول عدد الركعات في الشفع والوتر، يبقى الأهم هو الالتزام بهذه السنة العظيمة ومواظبة المسلم عليها لتحقيق أفضل النتائج الروحية في حياته الدنيا وآخرته.
