عدد ركعات التهجد: مفهومه وأحكامه وفضائله
يعتبر التهجد من الأعمال الصالحة التي حث الإسلام عليها، وتعد من أسمى العبادات التي يمكن للإنسان أن يوليها اهتمامه في الليل. وقد جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة العديد من النصوص التي تحث على قيام الليل وعبادة الله في الساعات المتأخرة من الليل. وفي هذا السياق، يطرح سؤال عن عدد ركعات التهجد، وكيفية أدائها، وأثرها في حياة المسلم الروحية والدنيوية.
ما هو التهجد؟
التهجد هو قيام الليل في وقت متأخر من الليل بعد النوم، وهو يشمل أداء الصلاة في تلك الساعات، كما يشمل تلاوة القرآن الكريم وذكر الله. إن التهجد لا يقتصر على الصلاة فقط، بل يمتد ليشمل كل عبادة يمكن أن يؤديها المسلم في هذا الوقت المبارك.
وقد ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي في الليل حتى تتورم قدماه، مع أنها كانت تقوم الليل لعدة ساعات. هذا يؤكد على فضل التهجد في تقوية العلاقة بين العبد وربه، والابتعاد عن مشاغل الدنيا.
عدد ركعات التهجد
إن عدد ركعات التهجد ليس محددًا في الشريعة الإسلامية. فقد وردت عدة نصوص تدل على أنه يمكن للمسلم أن يصلي ما شاء من ركعات، ولا يوجد عدد ثابت للركعات. ومع ذلك، توجد بعض الأحاديث التي توضح بعض التفاصيل حول صلاة التهجد.
-
حديث عائشة: قالت عائشة رضي الله عنها: “كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في الليل إحدى عشرة ركعة”. ويشير هذا الحديث إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفضل الصلاة إحدى عشرة ركعة في الليل، وتوزيع تلك الركعات بين ركعتين بعد كل تسليم، ثم صلاة الوتر في آخر الليل.
-
حديث عبد الله بن عباس: قال عبد الله بن عباس رضي الله عنه: “أفضل صلاة بعد المكتوبة صلاة الليل”. هذا الحديث يدل على أهمية صلاة الليل وفضلها، ولكنه لا يحدد عدد الركعات بشكل دقيق.
-
حديث أبي هريرة: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل ثماني ركعات ويختمها بالوتر”. ويشير هذا الحديث إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم الليل بركعات معينة، وقد تكون هذه الركعات متغيرة بحسب حالته وحاجة قلبه.
إن العدد ليس معيارًا محددًا، بل الأهم هو أن يتمكن المسلم من أداء صلاة التهجد بخشوع وحضور قلب. من المهم أن يخصص المسلم جزءًا من وقته في الليل للعبادة، سواء كانت الركعات قصيرة أو طويلة، وسواء كانت قليلة أو كثيرة.
حكم صلاة التهجد
تعتبر صلاة التهجد سنة مؤكدة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وليست فرضًا على المسلم. ومع ذلك، فهي من العبادات المستحبة للغاية، وتؤكد الأحاديث النبوية على فضلها وأثرها الكبير في تقوية الإيمان وتقوية العلاقة مع الله. وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم العديد من الأحاديث التي تحث على قيام الليل، مثل قوله: “من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه”.
ويذكر العلماء أن من الأفضل أداء التهجد في العشر الأواخر من شهر رمضان، حيث تتضاعف الأجر والفضل في تلك الليالي، ولكن يمكن للمسلم أداء التهجد في أي وقت من السنة، سواء في ليالي رمضان أو في غيرها من الأوقات.
وقت صلاة التهجد
تعد صلاة التهجد جزءًا من قيام الليل، والذي يبدأ بعد العشاء وينتهي قبل الفجر. ومع ذلك، يُفضل أن تكون صلاة التهجد في الثلث الأخير من الليل، حيث يتنزّل الله عز وجل في هذا الوقت المبارك، ويقول: “هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من سائل فأعطيه؟”. يُستحب للمسلم أن ينهض في هذا الوقت، ليجد نفسه في جو من السكينة والروحانية، بعيدًا عن ضوضاء الحياة الدنيا.
لكن، كما ذكرنا، لا يُشترط وقت محدد للتهجد، بل يُمكن للمسلم أن يؤديه في أي وقت من الليل حسب حالته وظروفه، إلا أنه إذا لم يتمكن من أداء صلاة التهجد في الثلث الأخير من الليل، فإنه يمكنه أن يؤديه في أي وقت آخر، لكن عليه أن يحرص على التوبة والرجوع إلى الله في جميع الأوقات.
عدد الركعات في صلاة التهجد
كما ذكرت سابقًا، عدد ركعات التهجد ليس محددًا، ويمكن للمسلم أن يصلي ما شاء من الركعات. من المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي في الليل إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة، لكن ذلك لا يعني أن هذا هو العدد المحدد، بل يمكن للمسلم أن يكثر من الركعات أو يقلل حسب حالته.
إذا كان المسلم يصلي صلاة التهجد في جماعة، يمكن أن تصلى بمجموعات من الركعات، كما هو الحال في صلاة التراويح في رمضان. وعند أداء الصلاة بشكل فردي، فإن عدد الركعات غير محدد أيضًا. في الواقع، إن التهجد يُصلى ركعات متصلة، بحيث يؤدي المسلم من ركعتين إلى ثماني ركعات أو أكثر، ويختتم صلاته بوتر واحدة.
فضائل صلاة التهجد
إن لصلاة التهجد العديد من الفضائل التي تجعلها من أحب العبادات إلى الله عز وجل. يمكن تلخيص هذه الفضائل في النقاط التالية:
-
غفران الذنوب: يُعد قيام الليل أحد أسباب مغفرة الذنوب. وقد ورد في الحديث الشريف: “من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه”.
-
التقرب إلى الله: إن قيام الليل هو من أسمى الوسائل التي يتقرب بها العبد إلى الله، ويؤديها المسلم لله سبحانه وتعالى خالصًا من أجل الأجر والرضا.
-
راحة النفس والطمأنينة: إن أداء الصلاة في الليل، بعيدًا عن مشاغل الحياة اليومية، يمد المسلم بالسكينة والراحة النفسية. هذه اللحظات تعتبر فرصة للتركيز على العبادة والاقتراب من الله.
-
استجابة الدعاء: من فضائل التهجد أنه وقت استجابة الدعاء. فقد جاء في الحديث النبوي أن الله عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل، ويعرض على عباده الفرصة للدعاء والاستغفار.
-
التربية الروحية: يعتبر التهجد فرصة للمسلم لبناء صلة قوية بالله عز وجل، وتحقيق معاني التقوى والورع. إنه يساعد المسلم على تهذيب نفسه وزيادة إيمانه.
-
الراحة من المشاغل الدنيوية: صلاة التهجد توفر فرصة للمسلم للابتعاد عن مشاغل الحياة الدنيا، والتركيز على علاقة شخصية مع الله. تلك اللحظات المخصصة للتهجد تُسهم في استعادة التوازن الداخلي.
-
علامة التقوى والورع: إن تميز الشخص الذي يحرص على قيام الليل من بين الناس دليل على تقواه وورعه، كما أنها علامة من علامات الصالحين المقربين إلى الله.
الخاتمة
إن التهجد من أعظم العبادات التي يمكن أن يحرص عليها المسلم، فهي تقوي العلاقة بالله، وتُكسب المسلم مغفرة الذنوب، وتمنحه راحة نفسية عميقة. مع أن عدد ركعات التهجد ليس محددًا، إلا أن ما يهم هو الخشوع والتوجه الكامل لله في تلك اللحظات المباركة من الليل.
يجب على المسلم أن يحرص على أداء هذه الصلاة في أي وقت من العام، وألا يقتصر عليها في شهر رمضان فقط، فهي من صلوات النفل التي تجلب له الأجر العظيم، ويزيد بها إيمانه وتقوى قلبه.
