عدد المسلمين في تركيا 2025

عدد المسلمين في تركيا: دراسة تفصيلية وشاملة

تُعد تركيا من الدول ذات الأهمية الكبيرة على الصعيدين الجغرافي والسياسي والثقافي، فهي تقع على مفترق الطرق بين آسيا وأوروبا، وتتمتع بتاريخ عريق غني بالحضارات المتعاقبة، بدءاً من الإمبراطوريات القديمة مروراً بالدولة العثمانية التي شكلت واحدة من أكبر الإمبراطوريات الإسلامية في التاريخ، وصولاً إلى الجمهورية التركية الحديثة. هذا التاريخ العريق والسياسة الحالية تجعل من الدين الإسلامي جزءًا مركزيًا من هوية المجتمع التركي، لذلك يكتسب موضوع عدد المسلمين في تركيا أهمية كبيرة على المستويات الاجتماعية والثقافية والسياسية.

التركيبة الدينية في تركيا

يشكل المسلمون الغالبية العظمى من سكان تركيا، إذ يقدر عددهم بأكثر من 99% من إجمالي السكان، مما يجعل تركيا واحدة من الدول الإسلامية الكبرى من حيث عدد السكان المسلمين. تنتمي الغالبية العظمى من المسلمين في تركيا إلى المذهب السنّي، ويشكل الأتراك السنة حوالي 70-75% من السكان المسلمين. بالإضافة إلى ذلك، هناك أقليات دينية إسلامية مهمة مثل العلويين الذين يشكلون ما بين 15% إلى 20% من السكان، وهم يتبعون مذهباً صوفياً خاصاً ومختلفاً عن السنة في بعض المعتقدات والممارسات.

يمثل الدين الإسلامي في تركيا ظاهرة معقدة تتداخل فيها المكونات التاريخية والسياسية والثقافية، فهناك توجه رسمي يتمثل في إدارة الشؤون الدينية من خلال “رئاسة الشؤون الدينية” (دائرة تُعرف بالديانة التركية)، التي تدير شؤون المساجد والمؤسسات الدينية، وتعمل على تنظيم حياة المسلمين الدينية بشكل رسمي.

عدد السكان المسلمين وأثره على المجتمع التركي

بحسب آخر الإحصائيات السكانية، يبلغ عدد سكان تركيا نحو 85 مليون نسمة، ويشكل المسلمون غالبية هذا العدد. هذا الحجم الكبير للمسلمين يعكس أهمية الدين في الحياة اليومية والسياسية والاجتماعية في تركيا. تمتد تأثيرات الإسلام لتشمل مجالات عدة منها:

• الجانب الاجتماعي: حيث تمثل الممارسات الدينية والاحتفالات الإسلامية جزءاً أساسياً من الثقافة التركية، مثل شهر رمضان، عيد الفطر، عيد الأضحى، والعديد من الاحتفالات الدينية الأخرى التي يتم الاحتفاء بها على نطاق واسع.

• الجانب السياسي: تلعب الهوية الإسلامية دوراً محورياً في تشكيل السياسات والقرارات، خصوصاً مع بروز أحزاب سياسية إسلامية أو ذات توجهات محافظة مثل حزب العدالة والتنمية (AKP)، الذي يعتمد بشكل كبير على الدعم الشعبي الإسلامي.

• الجانب الثقافي: يُعتبر التراث الإسلامي في العمارة والفنون والأدب جزءاً لا يتجزأ من الثقافة التركية، حيث تزين المساجد العريقة مثل مسجد السلطان أحمد (المسجد الأزرق) إسطنبول وكذلك العديد من المساجد في مختلف المدن التركية المشهد العمراني.

المذاهب الإسلامية في تركيا

تتنوع المذاهب الإسلامية في تركيا رغم الغلبة الواضحة للسنّة، حيث توجد بعض التوجهات المختلفة التي تؤثر على التنوع الديني في البلاد:

• المذهب السني: وهو المذهب السائد، خاصة في مناطق مثل وسط وشمال تركيا، ويرتكز على مدرسة الحنفي التي تعد من أبرز المذاهب الفقهية في الإسلام.

• العلويون: يعتبر العلويون جزءًا هاماً من التركيبة الدينية، وهم يختلفون في بعض المعتقدات والممارسات عن السنة، ولديهم تقاليد دينية صوفية خاصة بهم، ويتمركزون بشكل رئيسي في المناطق الشرقية والجنوبية الشرقية.

• الأقليات الأخرى: تشمل بعض الأقليات الصغيرة مثل الشيعة والزيدية والإسماعيلية التي تتواجد بشكل محدود.

التغيرات الديموغرافية والدينية في تركيا

شهدت تركيا في العقود الأخيرة تغيرات ديموغرافية ملحوظة أثرت على التكوين الديني، فقد ازدادت نسبة السكان بشكل كبير نتيجة لارتفاع معدلات الولادة والهجرة الداخلية من المناطق الريفية إلى المدن الكبرى، مما أثر على توزيع المسلمين وتركيبة المذاهب. كما أن هناك تأثيرات من التحولات الاجتماعية والاقتصادية، حيث يشهد المجتمع التركي تحولات ثقافية وسياسية تؤثر على ممارسة الدين وعلاقته بالدولة.

من ناحية أخرى، أدت العولمة وانتشار وسائل الإعلام والتكنولوجيا إلى تغيرات في طريقة تعاطي الأفراد مع الدين، حيث أصبح هناك مزيد من الحوار والاختلاف في الفهم والممارسة الدينية بين الأجيال المختلفة، مع ظهور توجهات أكثر محافظة أو أكثر ليبرالية في المجتمع.

دور المؤسسات الدينية في تنظيم الشأن الإسلامي

تُعد “رئاسة الشؤون الدينية” (Diyanet) المؤسسة الرسمية التي تدير الشؤون الإسلامية في تركيا، وتقوم بتقديم الخدمات الدينية من خلال إدارة المساجد، الإرشاد الديني، التعليم، وتنظيم الحج والعمرة، بالإضافة إلى إصدار الفتاوى الرسمية. تلعب هذه المؤسسة دوراً مركزياً في ضبط الممارسة الدينية وتحقيق التوازن بين الدين والدولة.

توسعت دائرة الشؤون الدينية في تركيا لتشمل نشاطات عديدة على المستويات المحلية والدولية، كما تقدم خدمات دينية متعددة من خلال مواقعها الإلكترونية وبرامجها التعليمية، مما يعكس دور الدولة في توجيه الحياة الدينية ضمن إطار علماني رغم الأغلبية المسلمة.

التأثير السياسي والاجتماعي للدين الإسلامي في تركيا

تُعتبر العلاقة بين الدين والدولة في تركيا من أكثر الموضوعات حساسية وتعقيداً، حيث تأسست الجمهورية التركية على مبادئ علمانية صارمة على يد مصطفى كمال أتاتورك، مع فصل واضح بين الدين والدولة. مع ذلك، بقي الإسلام يلعب دوراً مركزياً في الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية.

بدأت تلك العلاقة تشهد تغييرات كبيرة منذ بداية الألفية الثالثة مع صعود حزب العدالة والتنمية الذي عمل على دمج الهوية الإسلامية في السياسة والمجتمع بطريقة متدرجة، ما انعكس على التشريعات والبرامج الحكومية التي تميل إلى المحافظة على القيم الإسلامية في بعض المجالات.

إحصائيات وأرقام عدد المسلمين في تركيا

فيما يلي جدول يلخص التقديرات المتعلقة بتوزيع المسلمين في تركيا بحسب المذهب والتوزيع السكاني:

الخلاصة

تُعد تركيا واحدة من الدول التي تشكل فيها الهوية الإسلامية والعقيدة جزءاً لا يتجزأ من نسيج المجتمع، حيث يشكل المسلمون الغالبية العظمى من سكانها، مع تنوع داخلي في المذاهب والممارسات الدينية. الإسلام في تركيا ليس مجرد دين فحسب، بل هو ثقافة وتاريخ وحياة يومية. بينما تستمر تركيا في التوازن بين الهوية الإسلامية والإرث العلماني، تبقى الممارسة الدينية والتعددية في الإطار الإسلامي من أهم سمات الحياة التركية، التي تُظهر كيف يمكن للدين أن يتفاعل مع التغيرات الاجتماعية والسياسية في دولة حديثة ذات جذور إسلامية عميقة.

المصادر

1. مركز البحوث والاستشارات التركية (Turkish Research and Consultancy Center) – تقارير عن التوزيع الديني في تركيا.

2. موقع رئاسة الشؤون الدينية التركية (Diyanet) – معلومات رسمية عن عدد المسلمين وتوزيعهم المذهبي.