عدد المسلمين في بنغلاديش، الدين الإسلامي، التركيبة السكانية، بنغلاديش والإسلام، الأقليات الدينية، مسلمو جنوب آسيا، الإسلام في البنغال

عدد المسلمين في دولة بنغلاديش: دراسة ديموغرافية ودينية معمقة

تعد بنغلاديش واحدة من أكثر الدول الإسلامية كثافة بالسكان في العالم، حيث يحتل الإسلام مكانة محورية في الحياة اليومية والثقافية والاجتماعية والسياسية لشعبها. يتطلب فهم عدد المسلمين في هذه الدولة النظر إلى الأبعاد التاريخية والديموغرافية والجغرافية التي ساهمت في تشكيل هويتها الإسلامية، فضلاً عن تحليل الإحصاءات السكانية الحديثة وتطور المشهد الديني فيها.

الخلفية التاريخية للإسلام في بنغلاديش

بدأت جذور الإسلام تمتد إلى منطقة البنغال، التي تضم حالياً بنغلاديش وأجزاء من الهند، في القرن السابع الميلادي، مع قدوم التجار المسلمين العرب والفرس. ومع القرن الثالث عشر، اكتسب الإسلام زخماً كبيراً من خلال الفتوحات الإسلامية والبعثات الصوفية التي لعبت دوراً مهماً في نشر الدين بين السكان المحليين، خاصة الفقراء والمهمشين الذين وجدوا في تعاليم الإسلام رحمة وعدالة اجتماعية مغايرة للتراتبية الهندوسية الصارمة.

خلال حكم سلطنة دلهي ثم الإمبراطورية المغولية، أصبح الإسلام ديناً رسمياً للمناطق الشرقية من شبه القارة الهندية. ومع انهيار الحكم الإسلامي وتزايد النفوذ البريطاني، تعرض المسلمون للتمييز والإقصاء، مما دفع العديد من المفكرين الإسلاميين إلى المطالبة بدولة مستقلة للمسلمين، وهو ما تم لاحقاً في تقسيم الهند سنة 1947، عندما أصبحت منطقة البنغال الشرقية جزءاً من باكستان تحت اسم باكستان الشرقية. وبعد انفصالها عن باكستان عام 1971، تأسست دولة بنغلاديش الحديثة، والتي حافظت رغم علمانيتها المعلنة على غلبة واضحة للهوية الإسلامية.

عدد المسلمين في بنغلاديش: الإحصاءات الرسمية والتقديرات

تشير أحدث التقديرات الصادرة عن المكتب البنغلاديشي للإحصاء (Bangladesh Bureau of Statistics) إلى أن عدد سكان بنغلاديش في عام 2024 يُقدّر بنحو 172 مليون نسمة، ما يجعلها ثامن أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان. ومن بين هؤلاء، يُشكل المسلمون الغالبية العظمى بنسبة تصل إلى 90.5%، أي ما يعادل نحو 155.6 مليون مسلم.

يمثل هذا الرقم واحداً من أكبر التجمعات السكانية الإسلامية في العالم، بعد إندونيسيا وباكستان والهند، مما يجعل بنغلاديش إحدى الركائز السكانية الكبرى في الأمة الإسلامية.

التوزيع الجغرافي للمسلمين داخل بنغلاديش

ينتشر المسلمون في بنغلاديش بشكل واسع في جميع أقاليم البلاد، لكن بعض المناطق تعرف بكثافة سكانية مسلمة أعلى من غيرها. ومن أبرز تلك المناطق:

• دكا (Dhaka): العاصمة وأكبر مدن البلاد، تضم أكثر من 20 مليون نسمة، يشكل المسلمون النسبة الساحقة منهم.

• شيتاغونغ (Chattogram): ثاني أكبر مدينة، وتتميز أيضاً بوجود أقليات بوذية وهندوسية إلى جانب الأغلبية المسلمة.

• راجشاهى (Rajshahi)، خولنا (Khulna)، ورانغبور (Rangpur): مناطق ريفية يغلب عليها الطابع الزراعي وتنتشر فيها المجتمعات الإسلامية التقليدية.

المذاهب الإسلامية في بنغلاديش

ينتمي معظم المسلمين في بنغلاديش إلى المذهب السني الحنفي، الذي يعتبر الأكثر انتشاراً في جنوب آسيا. كما يوجد عدد قليل من أتباع المذهب الشيعي، خاصة في بعض الأوساط الحضرية والنخب السياسية، لكن تأثيرهم الديموغرافي يبقى محدوداً. ومن الجدير بالذكر أن التصوف يمثل جانباً روحياً مهماً في الإسلام البنغالي، حيث تتبع العديد من العائلات طرقاً صوفية مثل القادرية والنقشبندية.

تتمثل إحدى الخصوصيات الثقافية في بنغلاديش في اندماج التقاليد الإسلامية مع العادات المحلية، مما أدى إلى بروز ممارسات دينية شعبية لا تُرى كثيراً في المجتمعات الإسلامية الأخرى، مثل زيارة الأضرحة والاحتفال بالمناسبات الصوفية.

الإسلام والدولة في بنغلاديش

رغم أن دستور بنغلاديش يُعلن علمانية الدولة، إلا أن الإسلام هو دين الدولة الرسمي منذ تعديل دستوري أُقر عام 1988، مما يعكس مكانته العميقة في المجتمع البنغالي. يسمح الدستور بحرية ممارسة الشعائر لجميع الأديان، لكن الواقع العملي يُظهر تفوقاً واضحاً للإسلام على المستويين الرسمي والشعبي.

تلعب المؤسسات الدينية الإسلامية مثل المدارس القرآنية (المدارس الدينية أو “المدارس”)، والمساجد، والجمعيات الخيرية الإسلامية دوراً رئيسياً في الحياة العامة. كما يتلقى الأئمة والعلماء دعماً من الدولة للقيام بمهامهم في التوجيه الديني والتربية الإسلامية.

دور التعليم الديني في تشكيل الهوية الإسلامية

يشكل التعليم الديني حجر الزاوية في بناء الهوية الإسلامية في بنغلاديش. ينقسم النظام التعليمي الديني إلى قسمين رئيسيين:

1. المدارس العصرية الإسلامية (Aliya Madrasahs): تديرها الدولة وتجمع بين المناهج الدينية والعلوم الحديثة.

2. المدارس التقليدية (Qawmi Madrasahs): لا تخضع لإشراف حكومي مباشر، وتُركز بشكل أساسي على الدراسات الإسلامية الكلاسيكية، مثل الفقه والتفسير والحديث.

يتخرج من هذه المدارس عدد كبير من العلماء والوعاظ الذين يساهمون في الحفاظ على المرجعية الإسلامية للبلاد. كما أن الإعلام الديني وشبكات التواصل الاجتماعي ساهمت في تعزيز الهوية الدينية وتوسيع دائرة الفهم الإسلامي بين الأجيال الجديدة.

الأقليات الدينية في بنغلاديش

إلى جانب الأغلبية المسلمة، تضم بنغلاديش أقليات دينية أخرى تعيش في ظل الحماية الدستورية، من بينها:

• الهندوس: يشكلون حوالي 8.5% من السكان، ويتركزون في المناطق الجنوبية والشرقية.

• البوذيون: يشكلون أقل من 1% ويعيشون أساساً في منطقة شيتاغونغ.

• المسيحيون: يمثلون أقل من 0.5%، ومعظمهم من أتباع الكنيسة الكاثوليكية.

رغم الإعلان الرسمي عن التسامح الديني، إلا أن التوترات الطائفية تظهر من حين لآخر، خاصة خلال المواسم الانتخابية أو الأزمات السياسية. ومع ذلك، فإن البنية الاجتماعية في بنغلاديش ما تزال تعتمد على العيش المشترك وإن كان هشاً في بعض الأحيان.

العلاقة بين الدين والسياسة

يشكل الإسلام مكوناً محورياً في السياسة البنغلاديشية. فعلى الرغم من محاولات بعض الأحزاب السياسية تعزيز الطابع العلماني، لا يزال الخطاب الديني حاضراً بقوة في الحملات الانتخابية ووسائل الإعلام. وتوجد أحزاب سياسية ذات خلفية إسلامية مثل حزب الجماعة الإسلامية، الذي كان يتمتع بنفوذ كبير في التسعينيات، وإن تراجع حضوره في السنوات الأخيرة بسبب اتهامات تتعلق بدوره في حرب الاستقلال.

من جهة أخرى، فإن الأحزاب الكبرى مثل رابطة عوامي (Awami League) والحزب الوطني البنغلاديشي (BNP) تسعى إلى كسب أصوات المسلمين من خلال خطاب ديني معتدل، دون الانزلاق إلى التطرف.

الإسلام كعنصر للهوية الثقافية البنغالية

يؤثر الإسلام بعمق في الثقافة البنغالية، سواء على مستوى الأدب أو الموسيقى أو العادات الاجتماعية. فالأعياد الإسلامية مثل عيد الفطر وعيد الأضحى تُحتفل بها على نطاق وطني واسع، وترافقها مظاهر احتفالية مميزة تمتزج فيها الشعائر الدينية بالعادات المحلية.

كما أن الأسماء البنغالية، والعادات المرتبطة بالزواج والوفاة، وأنماط اللباس مثل ارتداء الحجاب للنساء والقبعات البيضاء للرجال، تعكس مدى تغلغل الدين الإسلامي في الحياة اليومية.

جدول يوضح التوزيع الديني في بنغلاديش (حسب إحصائيات 2024)

خاتمة تحليلية

يتضح من خلال ما سبق أن الإسلام يشكل العمود الفقري للمجتمع البنغلاديشي، ليس فقط من حيث العدد، بل أيضاً من حيث التأثير الثقافي والسياسي والديني. وتُظهر بنغلاديش نموذجاً فريداً لدولة ذات أغلبية إسلامية ساحقة، نجحت في المزج بين التقاليد الدينية العريقة والتحديث الاجتماعي، مع الحفاظ على هوية وطنية متماسكة رغم التحديات الإقليمية والدولية.

تُعد دراسة عدد المسلمين في بنغلاديش مدخلاً مهماً لفهم التحولات الكبرى التي يشهدها العالم الإسلامي، سواء على مستوى التوزيع السكاني أو التأثير الجيوسياسي، كما تسلط الضوء على ضرورة دعم المجتمعات الإسلامية في جنوب آسيا باعتبارها جزءاً أساسياً من الأمة الإسلامية الكبرى.

المراجع:

1. Bangladesh Bureau of Statistics (BBS), Population and Housing Census 2022.

2. Pew Research Center, The Future of the Global Muslim Population, 2023.