عدد المسلمين في بريطانيا: دراسة شاملة حول التركيبة الديموغرافية والتوزيع الاجتماعي والثقافي
تعتبر المملكة المتحدة واحدة من أكثر الدول الأوروبية تنوعاً في التركيبة السكانية من حيث الدين والعرق والثقافة، حيث يشكل المسلمون جزءاً مهماً من هذا التنوع. على مدى العقود الماضية، شهدت بريطانيا تزايداً ملحوظاً في أعداد المسلمين، الأمر الذي أثر على المشهد الاجتماعي والاقتصادي والثقافي للبلاد بشكل كبير. في هذا المقال الموسع، سنتناول بشكل مفصل عدد المسلمين في بريطانيا، وأصولهم، وتوزيعهم الجغرافي، بالإضافة إلى تأثيرهم على المجتمع البريطاني في المجالات المختلفة.
تطور عدد المسلمين في بريطانيا عبر الزمن
تعود أولى موجات الهجرة الإسلامية إلى بريطانيا إلى أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، حين بدأ عدد محدود من المسلمين، خاصة من جنوب آسيا (الهند وباكستان وبنغلاديش حالياً)، بالاستقرار في المدن البريطانية الكبرى. هذا التواجد بدأ يتسع خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث ارتفعت أعداد المهاجرين لأسباب اقتصادية وعملية، خاصة في الستينيات والسبعينيات.
في بداية الألفية الثالثة، ازداد عدد المسلمين في بريطانيا بوتيرة أسرع نتيجة للهجرة المستمرة ومعدلات الولادة المرتفعة ضمن المجتمعات المسلمة. وفقاً لتعداد السكان الذي أجرته هيئة الإحصاءات الوطنية البريطانية (Office for National Statistics – ONS) عام 2011، بلغ عدد المسلمين في المملكة المتحدة حوالي 2.7 مليون نسمة، أي ما يعادل نحو 4.8% من إجمالي السكان آنذاك.
وبحسب تقديرات أحدث صادرة في 2021، يشير التقرير إلى أن عدد المسلمين ارتفع إلى ما يقارب 3.9 مليون نسمة، مما يشكل حوالي 6.3% من سكان بريطانيا. هذا النمو الديموغرافي يعكس الديناميكية المتواصلة للمجتمعات المسلمة في المملكة المتحدة، التي تنمو بوتيرة تفوق النمو السكاني العام.
التركيبة العرقية والإثنية للمسلمين في بريطانيا
يمثل المسلمون في بريطانيا طيفاً واسعاً من الخلفيات العرقية والثقافية. الغالبية العظمى من المسلمين البريطانيين ينحدرون من جنوب آسيا، وبالأخص من باكستان وبنغلاديش والهند. بالإضافة إلى ذلك، هناك مجتمعات إسلامية كبيرة من أصول عربية، أفريقية، تركية، وأيضاً من دول البلقان مثل ألبانيا والبوسنة.
ينعكس هذا التنوع في اللهجات، العادات، والتقاليد التي يحملها المسلمون في بريطانيا، مما يجعل المجتمعات المسلمة متعددة الأوجه ثقافياً. بعض المسلمين البريطانيين هم من الجيل الأول الذين هاجروا إلى البلاد، فيما الغالبية هم من أجيال لاحقة وُلدوا وترعرعوا في بريطانيا، الأمر الذي خلق تداخلًا بين الهوية الدينية والهوية الوطنية البريطانية.
التوزيع الجغرافي للمسلمين في المملكة المتحدة
يتركز أغلب السكان المسلمين في مدن ومناطق حضرية كبرى. تتمركز الجاليات المسلمة بشكل واضح في لندن، حيث تشكل نسبة كبيرة من السكان، خاصة في أحياء مثل توتينهام وبريمروز هيل وهاكني. إلى جانب لندن، توجد جاليات مسلمة كبيرة في مدن مثل مانشستر، برمنغهام، ليدز، وبريستول.
يرجع هذا التوزيع إلى عوامل عدة منها توفر فرص العمل، وجود بنى تحتية اجتماعية وخدمية تستجيب لاحتياجات المسلمين مثل المساجد، المدارس الإسلامية، والمراكز الثقافية. كذلك، يلعب التكتل السكاني دورًا في تعزيز الروابط الاجتماعية والدينية، وهو ما يساهم في نمو المجتمعات الإسلامية محليًا.
البنية العمرية ونسب الولادات بين المسلمين في بريطانيا
تمتاز المجتمعات المسلمة في بريطانيا بنسبة شابة مقارنة مع المجموع السكاني العام. متوسط عمر المسلمين في بريطانيا يقل عن المتوسط الوطني، ويرجع ذلك إلى ارتفاع معدلات الولادة بين المسلمين مقارنة بالمجموعات السكانية الأخرى. وفقاً لإحصائيات رسمية، يشكل الأطفال والشباب نسبة كبيرة من السكان المسلمين، ما ينعكس على التوجهات الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية داخل هذه المجتمعات.
هذا الواقع يفرض تحديات وفرصًا في آن واحد، فارتفاع نسبة الشباب يعني زيادة في الطلب على الخدمات التعليمية، الصحية، وفرص العمل، مع ضرورة تحقيق اندماج اجتماعي واقتصادي فعال.
الدين والممارسة الدينية في المجتمعات المسلمة البريطانية
الدين الإسلامي يحتل مكانة مركزية في حياة غالبية المسلمين في بريطانيا، لكنه يتجلى بأشكال متنوعة بناءً على الخلفيات الثقافية والاجتماعية. المساجد تعد مراكز روحية وتعليمية واجتماعية، حيث تلعب دورًا هامًا في تعزيز الهوية الدينية، وتنظيم المناسبات والفعاليات الدينية، وتقديم الدعم الاجتماعي.
على الرغم من ذلك، فإن مستوى الممارسة الدينية يختلف بين الأفراد، خاصة مع اختلاف الأجيال؛ فالأجيال الشابة تميل إلى تبني أشكال أكثر مرونة وتكيفًا مع المجتمع البريطاني، مع حفاظها على قيمها الدينية الأساسية.
التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجه المسلمين في بريطانيا
رغم النمو الكبير والحضور المؤثر، لا يخلو الوضع من تحديات تواجه المسلمين في بريطانيا. تتعلق هذه التحديات غالباً بمظاهر التمييز العنصري والديني، وقضايا الاندماج والهوية، فضلاً عن الفقر والبطالة في بعض المناطق التي تسكنها جاليات مسلمة.
تشير الدراسات إلى أن المسلمين في بريطانيا يعانون من معدلات بطالة أعلى مقارنة بالمعدل الوطني، بالإضافة إلى تحديات في مجال التعليم والتمثيل السياسي والاجتماعي. كما أن بعضهم يواجه صعوبات في الوصول إلى الخدمات الصحية والاجتماعية بسبب العوامل الاقتصادية والاجتماعية.
هذه التحديات تستدعي سياسات مدروسة من الحكومة والمجتمع المدني لضمان إدماج أفضل وتحسين فرص المسلمين في مختلف مجالات الحياة.
مساهمات المسلمين في المجتمع البريطاني
لا يمكن إغفال الدور الإيجابي الكبير الذي يلعبه المسلمون في المجتمع البريطاني. فهم يشكلون جزءاً أساسياً من قوة العمل في قطاعات مختلفة مثل الصحة، التعليم، الخدمات، والتجارة. إضافة إلى ذلك، ساهم المسلمون في إثراء المشهد الثقافي البريطاني من خلال الفنون، الأدب، المطبخ، والفعاليات الثقافية المتنوعة.
على المستوى السياسي، تزايد عدد النواب والسياسيين المسلمين الذين يمثلون المجتمعات المسلمة، مما يعكس تحولاً نحو تمثيل أوسع للمسلمين في الحياة العامة البريطانية.
مستقبل المسلمين في بريطانيا: اتجاهات وتوقعات
مع استمرار النمو الديموغرافي والتغيرات الاجتماعية، يتوقع أن يشهد المجتمع المسلم في بريطانيا تحولات مهمة على مستويات متعددة. الأجيال الجديدة تسعى إلى تحقيق توازن بين هويتها الدينية وهويتها البريطانية، ما يخلق فرصًا لتطوير نموذج اندماج متعدد الأبعاد يعكس التنوع ويعزز التعايش السلمي.
سيظل الاستثمار في التعليم، والتوظيف، وتمكين المرأة والشباب من العوامل الأساسية التي تحدد مستقبل المسلمين في المملكة المتحدة. كذلك، يحتاج المجتمع البريطاني إلى مواصلة جهود مكافحة التمييز وتعزيز التفاهم بين مختلف مكوناته.
جدول يوضح عدد المسلمين في بريطانيا وتوزيعهم السكاني عبر السنوات (تقديرات تقريبية)
| السنة | عدد المسلمين (مليون نسمة) | النسبة المئوية من السكان | المدن الرئيسية المتركزة فيها الجالية المسلمة |
|---|---|---|---|
| 1991 | 1.6 | 3.1% | لندن، برمنغهام، مانشستر |
| 2001 | 1.8 | 3.4% | لندن، برمنغهام، مانشستر، ليدز |
| 2011 | 2.7 | 4.8% | لندن، برمنغهام، مانشستر، ليدز، بريستول |
| 2021 (تقدير) | 3.9 | 6.3% | لندن، برمنغهام، مانشستر، ليدز، بريستول، برستول، غلاسكو |
تُعتبر أعداد المسلمين في بريطانيا إحدى الأدلة الحية على التنوع الذي تشهده البلاد، وأهمية احتضان المجتمعات المتعددة داخل إطار واحد. هذا التنوع يسهم في إثراء المجتمع البريطاني على كافة المستويات ويعزز من مكانته كدولة تعددية ديمقراطية تحترم الحريات الدينية والثقافية.
المراجع
-
Office for National Statistics (ONS), United Kingdom Census Data 2011, 2021 Estimates
-
Pew Research Center, “The Future of the Global Muslim Population,” 2017
هذا المقال يقدم صورة متكاملة وموثقة حول عدد المسلمين في بريطانيا، مع استعراض شامل للتطورات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، مع المحافظة على الدقة العلمية والموضوعية المطلوبة في المحتوى.
