عدد المسلمين في الجزائر

عدد المسلمين في الجزائر، التركيبة الدينية، الأبعاد التاريخية والديموغرافية والاجتماعية

تُعد الجزائر واحدة من أبرز الدول الإسلامية في العالم العربي والإفريقي، حيث يشكل الإسلام أحد الأسس المركزية لهوية الدولة والمجتمع. فالدين الإسلامي ليس مجرد معتقد ديني في الجزائر، بل يُمثل منظومة قيم، ونسيجًا ثقافيًا، وجزءًا لا يتجزأ من تاريخها، ونضالها، وحياتها اليومية، وهياكلها القانونية والسياسية. يعتبر الإسلام في الجزائر دين الدولة الرسمي حسب الدستور، ويُمارس بحرية كبيرة في جميع أرجاء البلاد.

بحسب أحدث التقديرات الديموغرافية الصادرة عن الهيئات الوطنية والدولية المعنية بالإحصاء، فإن نسبة المسلمين في الجزائر تتجاوز 99% من مجموع السكان. ومع عدد سكان يُقدر بحوالي 45 مليون نسمة حتى سنة 2025، فإن عدد المسلمين في الجزائر يُقارب 44.5 مليون نسمة. تُعد هذه النسبة واحدة من أعلى النسب المسجلة عالميًا، ما يعكس درجة التجانس الديني في الجزائر، مقارنة بدول أخرى تعرف بتعدد الأديان والمذاهب.

الإسلام في الجزائر: البنية الدينية والمذهبية

ينتمي غالبية المسلمين في الجزائر إلى المدرسة المالكية في الفقه الإسلامي، وهي إحدى المذاهب الأربعة السنية، وقد ترسّخت جذورها في البلاد منذ قرون، لا سيما منذ دخول الإسلام إلى المنطقة في القرن السابع الميلادي. بالإضافة إلى المذهب المالكي، تعرف الجزائر تقليدًا صوفيًا قويًا، يتمثل في حضور واسع للطُرق الصوفية مثل الطريقة التيجانية والطريقة القادرية، والتي لعبت أدوارًا روحية واجتماعية خلال فترات الاستعمار وما بعده.

تُمارس الطقوس الإسلامية اليومية، من الصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، في الجزائر بشكل واسع ومنتظم. كما تُعد المساجد من أبرز المعالم العمرانية في البلاد، ويُقدر عددها بأكثر من 20,000 مسجد، مما يعكس حجم الحضور الديني في الحياة اليومية للمواطنين.

الوجود التاريخي للإسلام في الجزائر

دخل الإسلام الجزائر في القرن السابع الميلادي، وتحديدًا بعد الفتوحات الإسلامية التي قادها عقبة بن نافع وأبو المهاجر دينار، خلال العهد الأموي. شكّل هذا الدخول نقطة تحول كبيرة في التاريخ السياسي والثقافي والديني للمنطقة، حيث انصهرت القبائل الأمازيغية، التي كانت تشكل الغالبية السكانية آنذاك، تدريجيًا مع الدين الجديد.

شهدت الجزائر مراحل متعاقبة من التفاعل مع الإسلام، بدءًا من العهد الأموي، ثم العباسي، فالفاطمي، ثم الدول المغاربية المستقلة مثل الدولة الزيرية والحفصية، قبل أن تدخل في العصر العثماني الذي دام حوالي ثلاثة قرون. في كل مرحلة، كان للإسلام دور محوري في تشكيل الحياة العامة، كما ارتبط بمؤسسات العلم والتعليم من خلال الزوايا، والكتاتيب، والمدارس القرآنية.

الإسلام والمقاومة ضد الاستعمار الفرنسي

من بين الفصول المضيئة في العلاقة بين الإسلام والهوية الجزائرية، يبرز الدور المحوري الذي لعبه الدين الإسلامي خلال فترة الاستعمار الفرنسي (1830–1962). فقد حاولت فرنسا، ضمن سياستها الاستعمارية، طمس الهوية الدينية والثقافية للشعب الجزائري، وفرض اللغة والثقافة الفرنسية، وعلمنة المؤسسات التعليمية والدينية. إلا أن الإسلام شكل درعًا قويًا للمقاومة، حيث مثّل الزوايا الصوفية والعلماء والأئمة مراكز تعبئة وتثقيف ودفاع عن الهوية الجزائرية.

من أبرز الشخصيات الدينية التي ساهمت في الحفاظ على الإسلام والهوية الجزائرية خلال الاستعمار: عبد القادر الجزائري، الذي لم يكن فقط قائداً عسكرياً، بل أيضًا زعيمًا دينيًا وروحيًا، وكذلك عبد الحميد بن باديس، مؤسس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، التي رفعت شعار “الإسلام ديننا، والعربية لغتنا، والجزائر وطننا”.

الإسلام في الدستور والنظام السياسي الجزائري

ينص الدستور الجزائري في مادته الثانية على أن “الإسلام دين الدولة”، ما يؤكد على مكانته المركزية في الحياة السياسية والقانونية للبلاد. كما تنص مواد أخرى من الدستور على ضمان احترام الشعائر الدينية، وحرية ممارسة الدين، ولكن دون المساس بالنظام العام.

تُشرف وزارة الشؤون الدينية والأوقاف على تنظيم الشؤون الإسلامية، من تسيير المساجد، إلى تنظيم الحج، وضبط الفتاوى، وتكوين الأئمة، مع احترام المذهب المالكي كمرجعية رسمية. تعمل الدولة على محاربة الغلو والتطرف، من خلال دعم الخطاب الوسطي، وتشجيع القيم المعتدلة في تفسير الدين وتعليمه.

المظاهر الاجتماعية والتربوية للدين الإسلامي في الجزائر

يمتد تأثير الإسلام في الجزائر إلى جميع أوجه الحياة الاجتماعية. فالعادات والتقاليد الجزائرية مشبعة بالقيم الإسلامية، من الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، إلى طقوس الزواج، والجنائز، والمناسبات الدينية مثل رمضان وعيد الفطر وعيد الأضحى. كما تشهد البلاد اهتمامًا كبيرًا بتعليم القرآن للأطفال منذ سن مبكرة، من خلال المدارس القرآنية والكتاتيب، والتي تعتبر جزءًا أساسيًا من النشأة التربوية والدينية.

في الجانب التعليمي، يتم تدريس مادة “التربية الإسلامية” في جميع مستويات التعليم الأساسي والثانوي، كما تُدرّس العلوم الإسلامية في الجامعات، وخاصة في كليات الشريعة والعلوم الإسلامية، المنتشرة في عدة ولايات، بما في ذلك الجزائر العاصمة، قسنطينة، تلمسان، باتنة، وغيرها.

التنوع المحدود في التركيبة الدينية

رغم الغالبية المطلقة للمسلمين، توجد في الجزائر أقليات دينية صغيرة جدًا، منها المسيحيون، واليهود (بأعداد محدودة للغاية)، وبعض المنتمين إلى مذاهب دينية مختلفة، لكنهم لا يشكلون أكثر من 1% من السكان. يُمارس أفراد هذه الأقليات شعائرهم بحرية نسبية، تحت إشراف ومتابعة من السلطات الرسمية، بما يتوافق مع القوانين المحلية المتعلقة بتنظيم الشأن الديني.

علاقة الجزائر بالدول الإسلامية

تلعب الجزائر دورًا مهمًا على مستوى العالم الإسلامي، سواء من خلال عضويتها في منظمة التعاون الإسلامي، أو من خلال دعمها للقضايا الإسلامية، مثل القضية الفلسطينية، وقضايا العالم الإسلامي في إفريقيا وآسيا. كما تستضيف الجزائر مؤتمرات وملتقيات دينية دولية تهدف إلى تعزيز الحوار بين المذاهب الإسلامية، ومحاربة الفكر المتطرف، وتشجيع الوحدة الإسلامية.

الإسلام والمواطنة في الجزائر

تمثل العلاقة بين الإسلام والمواطنة في الجزائر واحدة من الخصوصيات البارزة للنظام الاجتماعي، حيث يُنظر إلى الانتماء الديني كعنصر مكمّل للانتماء الوطني، وليس مناقضًا له. وتُكرّس الخطابات الرسمية مفهوم “الإسلام الجزائري”، الذي يربط بين التدين والتسامح والانفتاح، كجزء من الثقافة الوطنية، وليس فقط كديانة فردية.

كما تُشجع الجزائر على نمط من التدين المعتدل، الذي يرفض الغلو والعنف باسم الدين، ويدعو إلى التعايش، ويحترم التنوع الثقافي واللغوي داخل المجتمع، وخاصة في ما يخص المكون الأمازيغي، الذي يشكل جزءًا أصيلًا من الأمة الجزائرية.

جدول: إحصائيات دينية وديموغرافية في الجزائر (2025)

الخلاصة

يمثل الإسلام أحد الركائز الأساسية للهوية الوطنية في الجزائر، وهو حاضر بعمق في كل تفاصيل الحياة اليومية والمؤسساتية للمجتمع الجزائري. من الناحية الديموغرافية، تشكل الغالبية العظمى من السكان مسلمون، ينتمون إلى المذهب المالكي، ويتبعون نمط تدين تقليدي يتداخل فيه الفقه بالتصوف، وتتجذر فيه القيم الأخلاقية والاجتماعية. وقد ساهم هذا النموذج في ترسيخ الاستقرار الديني، وحماية المجتمع من الانقسامات الطائفية، وجعل الجزائر نموذجًا في التوازن بين الدين والدولة.

المراجع:

1. تقرير الهيئة الوطنية للإحصاء الجزائرية (ONS)، 2024

2. بيانات البنك الدولي والسكان، World Bank, Population Estimates, 2024