عدد سور القرآن الكريم المكية والمدنية

القرآن الكريم هو كتاب الله المنزل على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهو آخر الكتب السماوية، وامتداد لسلسلة الرسالات التي أرسلها الله تعالى لهداية البشرية. يتكون القرآن من 114 سورة، تختلف في عدد آياتها، وأطوالها، وموضوعاتها، وكذلك في مكان نزولها، حيث تنقسم إلى سور مكية وسور مدنية بناءً على زمن ومكان نزولها. هذا التقسيم له أهمية بالغة في فهم سياق الآيات، ومقاصدها، والأحكام التي تحكمها.

في هذا المقال، سيتم تناول موضوع عدد سور القرآن الكريم المكية والمدنية بشكل تفصيلي، مع التعريفات، الفروق، الدلالات العلمية، وأهم الآثار المتعلقة بذلك.

مفهوم السور المكية والمدنية

قبل الخوض في الأعداد والتصنيفات، لا بد من توضيح ما يُقصد بالسور المكية والسور المدنية:

• السور المكية: هي السور التي نزلت على النبي محمد صلى الله عليه وسلم قبل هجرته إلى المدينة المنورة، أي في مكة المكرمة وما حولها. غالباً ما تتميز هذه السور بالطابع العقائدي والقصصي والدعوي، وتركز على توحيد الله، وبيان البعث والنشور، وتقديم القصص القرآني للأمم السابقة، كما تتميز بلغة شعرية عالية وقوة بيانية.

• السور المدنية: هي السور التي نزلت بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة، حيث بدأت مرحلة التشريع والتنظيم الاجتماعي والسياسي للمجتمع الإسلامي الجديد. تتميز هذه السور بطابع تشريعي، فقهي، وتنظيمي، وتعالج قضايا الأحكام الشرعية، العلاقات الاجتماعية، الحروب، والمواثيق.

عدد سور القرآن الكريم المكية والمدنية

ينقسم القرآن إلى سور مكية ومدنية بناء على وقت ومكان النزول، ولكن هناك بعض السور التي تحتوي على آيات من كلا النوعين.

وفقًا للمصادر العلمية والدراسات القرآنية، فإن:

• عدد السور المكية يبلغ حوالي 86 سورة.

• عدد السور المدنية يبلغ حوالي 28 سورة.

هذا التقسيم ليس صارمًا في بعض الحالات بسبب وجود بعض السور التي نزلت في مراحل متقدمة من الدعوة، أي بدأت في مكة واستكملت في المدينة، أو العكس، لكن هذا هو التقسيم المقبول عمومًا عند العلماء والمحققين.

توزيع السور في القرآن

دلالات وأهمية تصنيف السور إلى مكية ومدنية

1. السياق التاريخي والاجتماعي

السور المكية نزلت في بيئة كانت مشحونة بالرفض والعداء للدعوة الإسلامية، وكانت تدعو إلى التوحيد، وتثبيت العقيدة، وصبر النبي وأتباعه على الأذى والاضطهاد. هذا يعطي السور المكية أهمية روحية وعقائدية كبيرة، فهي تمثل مرحلة تأسيس الدعوة.

أما السور المدنية، فقد جاءت في ظل تشكّل دولة إسلامية في المدينة، مع وجود مجتمع مسلم متماسك، وأفراد من أديان ومذاهب مختلفة، ولذلك كانت تركز على القوانين والتشريعات التي تحكم المجتمع الإسلامي، بالإضافة إلى العلاقات بين المسلمين وغيرهم.

2. اختلاف الأسلوب والموضوع

الاختلاف في طبيعة السور بين مكة والمدينة يعكس تطور رسالة الإسلام من مرحلة الدعوة إلى مرحلة التشريع. السور المكية تتميز بالبلاغة، والحث على الإيمان واليقين، بينما السور المدنية تتميز بالتفصيل في الأحكام الفقهية والمعاملات.

3. فهم الأحكام الشرعية

فهم الفرق بين السور المكية والمدنية يساعد العلماء والفقهاء في تفسير الأحكام الشرعية التي وردت في القرآن، حيث إن التشريع الأساسي يبدأ من السور المدنية، والتي تشمل معظم الأحكام العملية، مثل الطلاق، والحدود، والجهاد، وغيرها.

بعض الأمثلة على السور المكية والمدنية

• السور المكية المشهورة: الفاتحة، الإخلاص، الكوثر، العلق، النازعات، ق، المدثر، التكوير، الأعلى، الشمس.

• السور المدنية الشهيرة: البقرة، آل عمران، النساء، المائدة، الأنفال، التوبة، النور، الأحزاب، المجادلة.

الجدول التفصيلي لبعض السور مع نوعها وعدد آياتها

التحديات في تصنيف السور

على الرغم من هذا التقسيم الواضح تقريبًا، إلا أن بعض العلماء اختلفوا في تصنيف بعض السور، خاصة تلك التي بدأت في مكة وأكملت في المدينة، أو التي تحتوي على آيات من مراحل مختلفة. مثل سورة الأنفال التي نزلت كلها تقريبًا في المدينة ولكن بعض الآيات قد تكون من مكة، وسورة النحل التي تحتوي على آيات مكية وأخرى مدنية.

أثر التصنيف على دراسة علوم القرآن

تصنيف السور إلى مكية ومدنية أساسي لفهم أسباب النزول والسياق التاريخي والفقهي لكل آية. كما يساعد هذا التصنيف في دراسة الأسلوب البلاغي واللغوي للقرآن، حيث يختلف أسلوب الخطاب بين السور المكية التي تميل إلى التأثير العاطفي والتحذير، والسور المدنية التي تميل إلى التفصيل التشريعي والتنظيمي.

خاتمة

يبقى تقسيم سور القرآن إلى مكية ومدنية أحد الركائز المهمة التي تساعد في فهم القرآن بشكل أعمق، وتعطي الباحثين والمهتمين علوم القرآن دليلاً على مراحل تطور الرسالة المحمدية، وتتيح فهمًا أدق لمعاني الآيات وأحكامها. عدد السور المكية أكثر بكثير من المدنية، ويعود ذلك إلى طول فترة الدعوة المكية مقارنة بفترة الهجرة في المدينة، وهذا يبرز مرحلة التأسيس والدعوة قبل التشريع والتنظيم في الإسلام.

المراجع

1. كتاب “الميزان في تفسير القرآن” للسيد محمد حسين الطباطبائي.

2. كتاب “أصول التفسير” للدكتور مصطفى الزرقاء.