عدد أبواب جهنم وتفسيرها

عدد أبواب جهنم: بين الحقيقة والتفسير في النصوص الدينية

جهنم، هي المكان الذي ورد ذكره في القرآن الكريم والسنة النبوية كمصير سيئ للكافرين والمكذبين في الآخرة. مع أنها تعتبر أسوأ مصير يمكن أن يصيبه الإنسان بعد موته، فإن الكثير من النصوص الدينية والأحاديث الشريفة قد تحدثت عنها بطرق متعددة، متمثلة في وصفاتها وأبعادها، ولا سيما الحديث عن عدد أبوابها. في هذا المقال، سنتناول موضوع عدد أبواب جهنم من خلال تحليل النصوص القرآنية والحديثية، مستعرضين كيف تم تفسير هذا المفهوم في مختلف مدارس الفكر الإسلامي.

1. جهنم في القرآن الكريم

تعتبر جهنم من المواضيع المركزية في القرآن الكريم، وقد ورد ذكرها في العديد من الآيات التي وصفتها بأنها مكان للعذاب الأبدي. في هذه الآيات، وردت جهنم بوصفها مكانًا لا فكاك منه، وحين الحديث عن “أبواب جهنم”، فإنه يتم الإشارة إلى الكيفية التي يُوزع فيها العذاب على الكافرين.

قال الله تعالى في سورة الحديد:

“لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ” (الآية 8)

وورد في هذه الآية إشارة واضحة إلى أن لجهنم أبوابًا متعددة، حيث وصف القرآن عدد هذه الأبواب بسبعة. يعد هذا الوصف من المفاهيم الأكثر شهرة فيما يتعلق بجهنم في القرآن، ويتساءل الكثير من العلماء والمفسرين عن معاني هذه الأبواب ودلالاتها.

2. تفسير عدد الأبواب في القرآن الكريم

بينما وردت الآية السابقة التي تشير إلى أن جهنم لها سبعة أبواب، فإن تفسير هذه الأبواب قد اختلف بين العلماء والمفسرين، حيث جاء هذا العدد وفقًا لما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم في بعض الأحاديث التي توضح أنه لكل باب من أبواب جهنم جزء مخصص لعذاب نوع من الكافرين. وقد ورد في بعض التفاسير أن الأبواب السبعة تمثل درجات العذاب التي تختلف بحسب نوع الذنب أو الكفر الذي ارتكبه الفرد في الدنيا.

يُذكر في تفسير الطبري أن الأبواب السبعة تعني أن جهنم هي جهنم على درجات مختلفة من العذاب، فكل باب منها مخصص لمرتبة من مراتب العذاب الخاص بشريحة معينة من المكذبين والمجرمين. على سبيل المثال، يُقال إن أهل الشرك الأكبر قد يدخلون من بابٍ معين، بينما يدخل غيرهم من الأبواب الأخرى بحسب ما ارتكبوا من جرائم.

3. الأحاديث النبوية عن أبواب جهنم

وردت العديد من الأحاديث النبوية التي تتحدث عن جهنم، حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم في العديد من المناسبات ذكر تفاصيل عن أبواب جهنم وعذابها. في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم:

“جهنم لها سبعة أبواب، باب منها في النار المحترقة، وفيه عذاب شديد”.

هذا الحديث يظهر بعض الجوانب التي تتعلق بكل باب على حدة، لكنه يركز على حقيقة أن كل باب من الأبواب السبعة يمثل مصيرًا خاصًا للذين ارتكبوا أنواعًا مختلفة من الذنوب.

من الأحاديث الأخرى التي تعزز هذا الفهم، أن “جهنم” تمثل مكانًا مخصصًا للكفار، سواء كانوا من المكذبين، أو أهل البدع، أو الذين أصروا على المعاصي، وكل باب يخص صنفًا معينًا. بعبارة أخرى، فإن الأبواب السبعة تمثل تقسيماً لدرجات العذاب بحسب الجرم المرتكب.

4. العلاقة بين الأبواب والدرجات

واحدة من التفسيرات الأكثر قبولًا بين العلماء تشير إلى أن الأبواب السبعة تمثل درجات أو مستويات من العذاب، فيكون لكل باب درجة أعلى أو أدنى من العذاب بناءً على نوع الأفعال التي قام بها الإنسان في الدنيا. وهذا يشمل درجات متفاوتة من العذاب بسبب الكفر أو المعاصي الكبرى. كما أن هذه الأبواب قد تكون في درجات الحرارة، أو نوع التعذيب، أو طول المدة الزمنية التي يقضيها الشخص في النار.

قال بعض العلماء إن الأبواب السبعة تدل على التنوع الكبير في أنواع العذاب في جهنم، حيث يعذب كل نوع من العصاة والمكذبين بعذاب يتناسب مع نوع جرمه. فقد تكون هناك أبواب خاصة لأهل النفاق، وأخرى للمشركين، وأخرى للذين ارتكبوا الكبائر ولم يتوبوا.

5. الأبواب في التراث الإسلامي والتفسير الفلسفي

في تفسير الفلاسفة والمتصوفين، يتم الحديث عن جهنم ليس فقط كمكان مادي، بل أيضًا كرمز للبعد الروحي. في هذا الإطار، يمكن أن يتم تفسير الأبواب السبعة على أنها تشير إلى مراحل تطور النفس البشرية، من الغفلة عن الحق إلى الكفر التام. كما يرى بعض المفكرين الإسلاميين أن الأبواب السبعة تمثل مراحل مختلفة من التوبة والتكفير عن الذنوب، حيث يبدأ الإنسان رحلته الروحية من باب إلى آخر، حتى يتخلص من الذنوب والآثام، متجهًا نحو الخلاص.

لكن هذه الرؤية تعتبر رمزية أكثر منها مادية، حيث يتم تصور جهنم كمنطقة مجازية تربط بين العالم المادي والروحاني.

6. تفسير “كل باب منه جزؤه مقسوم”

كما ورد في الآية القرآنية:

“لِكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ” (الآية 8 من سورة الحديد)

هذا التفسير يشير إلى أن كل باب من أبواب جهنم هو مخصص لمجموعة معينة من الناس الذين يعانون من عذاب خاص بهم. يشير النص إلى أن هذه الأجزاء المقسومة قد تعني أن العقوبات في جهنم تتوزع حسب أنواع الآثام التي ارتكبها الفرد. فالمكذبون بالأنبياء قد يجدون في بابًا مختلفًا عن الذين ارتكبوا الفواحش أو لم يلتزموا بالصلاة.

7. كيف يتم وصف أبواب جهنم؟

لقد وردت بعض الأحاديث التي تتحدث عن كيفية إغلاق هذه الأبواب وكيفية عملها. حيث يُقال في بعض الأحاديث أن الأبواب مغلقة بإحكام، ولا يفتحها إلا الله تعالى. وتختلف درجة الحرارة والعذاب داخل كل باب، وقد تتفاوت شدتها حسب الذنب المرتكب.

8. المعاني العميقة للأبواب السبعة

بالرغم من أن الحديث عن عدد الأبواب يشير إلى تنوع العذاب في جهنم، فإن بعض العلماء ذهبوا إلى أن الرقم سبعة ليس بالضرورة تعبيرًا عن واقع مادي، بل قد يكون رمزًا للتعدد والاختلاف في العذاب. هذه الرؤية تفيد بأن جهنم، على الرغم من كونها جهنم واحدة، إلا أنها متعددة الأبعاد حسب تفصيلات الجرائم التي ارتكبها أصحابها.

9. الخاتمة

إن عدد أبواب جهنم وأحوالها يشير إلى عظم العذاب الذي ينتظر المكذبين والظالمين في الآخرة. وقد كانت الأحاديث القرآنية والنبوية واضحة في كون جهنم مكانًا للعذاب الأبدي الذي لا يفلت منه من عصى الله وكفر به. كما أن التفسير الفلسفي والتصوفي لها لا يتناقض مع مفاهيم العذاب، بل يضيف أبعادًا روحية وفلسفية لفهم هذه النصوص.

عليه، يعتبر الحديث عن أبواب جهنم درسًا عميقًا للمؤمنين في كل زمان، داعيًا إياهم للعودة إلى الله بالتوبة والصدق، والابتعاد عن المعاصي والذنوب التي تقودهم إلى هذا المصير البائس.