عبد المطلب: جد النبي العظيم

جد الرسول صلى الله عليه وسلم: عبد المطلب بن هاشم

الحديث عن جد النبي صلى الله عليه وسلم، عبد المطلب بن هاشم، هو حديث ذو أهمية خاصة في السيرة النبوية، لما له من دور بارز في تاريخ قريش وبالخصوص في العناية والرعاية التي قدمها للنبي صلى الله عليه وسلم في سنواته الأولى بعد وفاة والدته آمنة بنت وهب. وقد كان لعبد المطلب تأثير عميق في مسار الأحداث في الجزيرة العربية، إذ كانت مواقفه حاسمة في حماية مكة والحرص على مكانتها الدينية والتجارية.

1. نسب عبد المطلب

عبد المطلب هو ابن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معدّ بن عدنان. وهذا النسب الشريف يعدّ من النسب المرموق في قريش، وهو ما جعل له مكانة رفيعة بين أقرانه من قبائل مكة. من خلال هذا النسب الرفيع، يمكننا أن نلمح كيف كانت أسرة عبد المطلب من الأسر العريقة التي لعبت دورًا هامًا في مكة وفي الجزيرة العربية بشكل عام.

2. مولده ونشأته

ولد عبد المطلب في مكة المكرمة، وُلد في فترة مضطربة حيث كانت مكة في صراع مستمر بين القبائل المختلفة. وقد نشأ عبد المطلب في جو من التحديات والصعوبات، وكان له دور بارز في الحياة السياسية والاجتماعية لقريش. وبالرجوع إلى سيرته، كان من المعروف عن عبد المطلب قُوَّته في اتخاذ القرارات وحكمته في إدارة شؤون مكة.

3. دوره في قريش وفي مكة

كان عبد المطلب من الشخصيات التي برزت بشكل واضح في فترة ما قبل الإسلام. في مكة، كان عبد المطلب يحظى بمكانة عالية داخل قريش. كان معروفًا بالحكمة والشجاعة، وكان يتمتع بقدرة عالية على اتخاذ القرارات الصائبة. بالإضافة إلى ذلك، كان عبد المطلب يتحكم في شؤون الكعبة المقدسة وكان المسؤول عن رعاية الحجيج الذين يزورون مكة من مختلف أنحاء الجزيرة العربية.

من أبرز مواقف عبد المطلب في مكة هو عندما رفع شعار الدفاع عن الكعبة المقدسة. ففي حادثة فيل التي وقعت في عام 570 ميلادي، قررت قوات أبرهة الحبشي محاولة هدم الكعبة بواسطة فيلة كبيرة، في محاولة لزعزعة مكانة مكة الدينية. لكن عبد المطلب قاد قريشًا للدفاع عن الكعبة بشكل رمزي، وعندما قال: “للبيت رب يحميه”، كان يعبّر عن ثقته المطلقة في أن الله سبحانه وتعالى سيحمي بيته الحرام. فعلاً، لم تتمكن قوات أبرهة من هدم الكعبة، وانقلبت المعركة لصالح مكة، مما جعل عبد المطلب يكتسب شهرة أكبر وأدى إلى تعزيز مكانته.

4. علاقته مع النبي صلى الله عليه وسلم

تعتبر العلاقة بين عبد المطلب وحفيده النبي صلى الله عليه وسلم من أروع العلاقات الإنسانية في التاريخ. فقد توفي والد النبي، عبد الله، وهو في بطن أمه، ثم توفيت أمه آمنة بنت وهب وهو في سن مبكرة، ليصبح النبي صلى الله عليه وسلم يتيمًا في سنواته الأولى. هنا جاء دور عبد المطلب الذي تكفل بحفيده وأعطاه الرعاية اللازمة.

عبد المطلب كان يحب النبي صلى الله عليه وسلم حبًا جمًّا، وحرص على رعايته في سن مبكرة، فكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يفارق جده الذي كان يعتني به كما يعتني الأب بابنه. ولعل من أبرز مواقف عبد المطلب مع النبي صلى الله عليه وسلم هو عندما كان النبي صلى الله عليه وسلم في سن السادسة، حيث قاد جده عبد المطلب رحلته إلى الشام لتجارة قريش.

5. حماية عبد المطلب للنبي صلى الله عليه وسلم

عندما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم سن السابعة، وقع حادث مؤلم حيث توفي عبد المطلب وهو في سن كبيرة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت بحاجة إلى الحماية والرعاية. لكن قبل أن يتوفى عبد المطلب، أوصى بابنه أبي طالب أن يعتني بحفيده ويهتم به. وهو ما حدث بالفعل، حيث تولى أبو طالب مسؤولية رعاية النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاة عبد المطلب. وواصل أبو طالب رعاية النبي صلى الله عليه وسلم، بل وكان يظل يقدّم له الحماية ويقف إلى جانبه طوال سنوات شبابه.

6. مواقفه في أزمة بئر زمزم

من أهم الأحداث التي شهدها عبد المطلب وكان له دور محوري فيها هي أزمة بئر زمزم. فقد كانت قريش في وقت من الأوقات قد فقدت معرفة مكان بئر زمزم بعد أن جرفته السيول، وكان الناس في حاجة ماسة لها بسبب قدسيتها واستخدامها في الحج. حينها، كان عبد المطلب هو من أعلن عن إيجاد مكان البئر وبدأ في حفره.

كانت هذه الحادثة بمثابة شهادة على حنكته وحكمته، حيث استخدم رؤيته في إدارة القضايا التي تخص مكة بطريقة عملية وذكية، مما جعله يحظى بدعم كبير من قريش.

7. موت عبد المطلب وتأثيره على النبي صلى الله عليه وسلم

عندما توفي عبد المطلب، ترك فراغًا كبيرًا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كانت وفاته بمثابة خسارة كبيرة للنبي الذي فقد أهم شخص في حياته بعد وفاة والديه. ومع ذلك، فقد ترك عبد المطلب إرثًا كبيرًا من الحب والرعاية والتوجيه، مما جعل النبي صلى الله عليه وسلم يحترم ويقدر قيمة عائلته ومكانتها. لقد عُرف عبد المطلب بتمسكه بمبادئ قريش وحرصه على مكانة مكة، وكل هذا ساعد في بناء الأرضية التي انطلقت منها الدعوة الإسلامية فيما بعد.

8. الختام: الإرث الذي تركه عبد المطلب

لقد ترك عبد المطلب إرثًا عظيمًا ليس فقط على مستوى أسرة النبي صلى الله عليه وسلم، بل على مستوى مكة وقيادتها. كان من كبار قريش في عصره، ولعب دورًا هامًا في تاريخ الإسلام حتى قبل ظهوره، من خلال مواقفه التي حمت مكة ومكانتها الدينية. كان عبد المطلب مثالًا للرجولة والحكمة، وقد ترك أثرًا عميقًا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، مما ساعد في صقل شخصيته وعلاقته مع قومه.

إن عبد المطلب، ورغم أنه لم يعاصر الإسلام كدين، إلا أنه كان جزءًا لا يتجزأ من البنية الاجتماعية والدينية التي نشأ فيها النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أسهم بشكل كبير في حماية التراث المكي والحفاظ على مكانة مكة كمركز ديني وتجاري في جزيرة العرب.