عبد الله بن مسعود: علم وتقوى

عبد الله بن مسعود: سيرته ومكانته في الإسلام

عبد الله بن مسعود هو أحد أبرز الصحابة الذين لهم دور بارز في تاريخ الإسلام. وُلد في مكة في أسرة فقيرة، وكان من أوائل من دخلوا في الإسلام، وقد كانت له مكانة عالية بين الصحابة في العلم والورع والتقوى. وقد حملت حياته العديد من المحطات التي تظهر عظمة الشخصيات التي نشأت في بيئة الإسلام الأولى، والتي شكلت بفضل تفانيهم وتعاليمهم الإسلام كما نعرفه اليوم.

نشأته وتربيته

وُلد عبد الله بن مسعود في مكة في قبيلة هُذيل، وكان أصغر من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحوالي ثلاث عشرة سنة. نشأ في أسرة فقيرة، وكان فقيرًا في شبابه حتى أُطلق عليه لقب “الأعرابي”. عُرف بلون بشرته الداكنة وضخامة شخصيته التي كانت مميزة رغم قلة المال في أسرته. وعندما أسلم، كان في سن صغيرة، ولكنه أظهر من الشجاعة والإيمان ما جعله واحدًا من القادة الأكثر تأثيرًا في تاريخ الإسلام.

بدأت قصة إسلامه حينما سمع عن النبي صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الإسلام. كان ابن مسعود يعمل في رعي الأغنام، ويعتبر من أوائل الذين آمنوا برسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم. يقول عبد الله بن مسعود في حديثه عن نفسه: “ما كنت أملأ عيني من رسول الله صلى الله عليه وسلم”، ما يعكس مكانته العالية عند الصحابة وكيف كان يتعلم ويتتبع أخبار النبي صلى الله عليه وسلم.

مقامه في الصحابة وعلاقته بالنبي صلى الله عليه وسلم

كان عبد الله بن مسعود من الصحابة المقربين للنبي صلى الله عليه وسلم، وكان يلازمه في الكثير من المناسبات، بما في ذلك الهجرة والغزوات. وكان من أهم المهام التي أُوكلت إليه هي أن يكون قارئًا للقرآن الكريم. وقد كان له فضل كبير في حفظ القرآن وتبليغه للناس، حتى أنه كان يُعتبر من أبرز القراء الذين حفظوا القرآن في عصر الصحابة.

وقد خصه النبي صلى الله عليه وسلم بفضل عظيم، فقد قال عن عبد الله بن مسعود: “من أحب القرآن فليحب ابن مسعود”. كان يعرف بين الصحابة بلقب “صاحب السر” نظرًا لمكانته الخاصة لدى النبي صلى الله عليه وسلم. وقد ورد في الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر من الاستماع إليه، ويقر له بعلمه في القرآن. وكان ابن مسعود يعكف على دراسة القرآن الكريم ويجتهد في تفسيره، فكان له نظرة خاصة في فهم الآيات والتوجيهات الإلهية.

علمه في القرآن والتفسير

عبد الله بن مسعود كان من أئمة التفسير الأوائل، و كان له دور هام في نشر العلوم الإسلامية وشرح القرآن الكريم. كان يتمتع بفهم عميق للغة العربية، مما جعل تفسيره للقرآن دقيقًا وواقعيًا. ووفقًا لما ذكرته كتب الحديث، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يوجه عبد الله بن مسعود إلى بعض القضايا الفقهية والتفسيرية التي كانت تحتاج إلى حل، وكان دائمًا ما يحصل على مشورته في المسائل التي تواجه الأمة.

يقال أن ابن مسعود كان يفسر القرآن على ضوء الواقع العملي، ويبتعد عن التأويلات المعقدة التي قد تؤدي إلى لبس في فهم النصوص. وكان لديه قدرة فائقة على التواصل مع الناس، فتفسيراته كانت تصل إلى العقول بسهولة ووضوح. وقد تحدث كثيرون عن علمه في القرآن، وأكدوا على علمه الواسع وإدراكه لروح الشريعة الإسلامية. كان من المعروف عنه أيضًا أنه لم يكن يكتفي بنقل أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم بل كان يسعى دومًا إلى فهم مغزاها وتطبيقها بشكل يتماشى مع حياة الناس.

مواقفه مع الصحابة

لقد كان لعبد الله بن مسعود دور كبير في المعارك والغزوات التي خاضها المسلمون، حيث كان يشارك في معركة بدر وأحد وغيرها من الغزوات الهامة. لكنه، رغم مشاركته الفاعلة في المعارك، كان معروفًا أكثر بحكمته وعلمه. فقد كان إذا أصابه أمر من الأمور المهمة، يحرص على استشارة الصحابة وأخذ مشورتهم. لقد شهد له الصحابة بالعدالة والقدرة الفائقة على التعامل مع مختلف القضايا.

ويُذكر أنه كان دائمًا ما ينصف الناس في المسائل الاجتماعية والاقتصادية. كان يرفض الظلم بشكل قاطع ويأخذ بنصيحة النبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع الناس بعدل وإنصاف. في إحدى الروايات، ورد عنه قوله: “من أراد أن يلقى الله طاهرًا فليقل طيبًا”. هذه المقولة تلخص فلسفته في الحياة.

مكانته في خلافة عثمان بن عفان

في فترة خلافة عثمان بن عفان، كان عبد الله بن مسعود من الشخصيات البارزة في المدينة المنورة. وقد كان له دور كبير في تعزيز الشريعة الإسلامية والحفاظ على قواعد الدين. عندما حدثت بعض الخلافات بين الصحابة حول تفسير بعض الأمور الشرعية، كان عبد الله بن مسعود هو الحكم الذي يلجأ إليه الجميع لتوضيح الفهم الصحيح للنصوص.

وحتى في فترة الخلافات التي بدأت تطرأ في الأمة بعد فترة الخلفاء الراشدين، بقي ابن مسعود يُعتبر مرجعًا فقهيًا في المسائل الدينية. وعندما وقعت بعض الخلافات السياسية بين الصحابة، كان ابن مسعود يُصنف في صف الذين يلتزمون بالعدل، ولم ينحاز إلى أية جماعة أو تيار، مما عزز مكانته في الأوساط الإسلامية.

وفاة عبد الله بن مسعود

توفي عبد الله بن مسعود في السنة 32 هـ، عن عمر يناهز 60 عامًا، وذلك في مدينة الكوفة. كان وفاته في فترة صعبة تمر بها الأمة الإسلامية، ولكن يبقى له دور بارز في نقل تعاليم الإسلام والأخلاق النبيلة إلى الأجيال القادمة. وقد ترك من بعده إرثًا علميًا عظيمًا في تفسير القرآن الكريم وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

خاتمة

لقد كانت حياة عبد الله بن مسعود مثالًا يُحتذى به في العلم والعمل، وفي التواضع والورع. وكان دائمًا ما يسعى لتحقيق العدل بين الناس، ويُركز على أهمية الالتزام بتعاليم القرآن الكريم والسنة النبوية. على الرغم من قلة الموارد التي نشأ فيها، إلا أن مكانته العلمية والدينية كانت كبيرة جدًا، وهو بذلك يُعد نموذجًا مثاليًا للشاب المسلم الذي يسعى لتحقيق الكمال في العبادة والخلق والعلم.