عبد الله بن مسعود: علم وتفسير

عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: سيرة علمية وإنسانية عميقة

يعتبر عبد الله بن مسعود رضي الله عنه واحداً من أبرز صحابة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأحد أعمدة الفقه والتفسير والقراءات في الإسلام. لقد كان ابن مسعود نموذجاً للتواضع والورع والعلم، ولقب في كثير من الأحيان بـ”رأس القراء” و”صاحب رسول الله في العلم”. هذا المقال يستعرض جوانب حياته العلمية والإنسانية، ودوره الكبير في حفظ وترسيخ الإسلام، مسلطاً الضوء على مكانته التاريخية والدينية.

النشأة والخلفية الاجتماعية

عبد الله بن مسعود هو عبد الله بن مسعود بن غافل المدني، من قبيلة قريش، وُلد في مكة المكرمة قبل البعثة النبوية. لم يكن من أسرة مرموقة بالمال أو النسب، لكنه تربى في بيئة قاسية جعلته يتميز بقوة الإرادة والعزيمة. كان يعمل في رعي الغنم، وهي المهنة التي شهدت له بالصدق والنزاهة، إذ كان من أول من بايع النبي محمد صلى الله عليه وسلم في السر، وكان له شرف قبول الإسلام في مراحل مبكرة جداً.

إسلامه المبكر ودوره في الدعوة

دخل عبد الله بن مسعود في الإسلام في سن صغيرة، وكان من السباقين للدعوة السرية قبل إعلان النبي الدعوة جهاراً. كان يحفظ القرآن منذ البداية، وكان من أوائل الذين تعلموا القراءة والكتابة في مكة، مما أهله لأن يكون أحد أعمدة حفظ القرآن وتفسيره بعد نزوله. كان يرافق النبي صلى الله عليه وسلم في رحلات الدعوة، ويحفظ كلماته وأفعاله، وكان يعتبر من كبار الفقهاء الذين استشارهم الصحابة في مختلف الأمور الدينية.

مساهماته في جمع القرآن الكريم وتفسيره

كان لابن مسعود دور محوري في جمع القرآن الكريم ونقله إلى الصحابة الأجيال التالية. فقد حفظ عدداً كبيراً من السور والآيات، وكان من الذين يُعتمد عليهم في تعليم القرآن وقراءته، كما كان يفسر آياته على ضوء الحديث النبوي وسنة رسول الله. تميزت قراءته بالقوة والدقة، وكان يُعتقد أنه أحد أفضل القراء وأكثرهم حفظاً لمعاني القرآن.

كما أنه ساهم في شرح الكثير من آيات القرآن وتفسيرها، مستفيداً من معايشته للنبي ومعرفته المباشرة بالسياقات التي نزلت فيها الآيات. ولهذا السبب يعد من أئمة التفسير في الإسلام المبكر، وقد نقل عنه كثير من العلماء والأئمة بعده.

مواقفه في عهد النبي وخلافته

شارك عبد الله بن مسعود في معظم الغزوات مع النبي، مثل بدر وأحد والخندق، وكان معروفاً بشجاعته وذكائه في المعارك. كما كان يُشاور في الأمور الدينية والسياسية، وله مواقف تدل على تمسكه الشديد بتعاليم الإسلام ونصرة الحق.

بعد وفاة النبي، استمر عبد الله بن مسعود في نشر العلم وتعليم الناس القرآن، لكنه دخل في بعض الخلافات مع بعض الخلفاء، خصوصاً مع الخليفة عثمان بن عفان، بسبب خلافات حول جمع القرآن ورواياته. رغم ذلك، ظل يحظى بمكانة علمية مرموقة بين الصحابة والتابعين.

علمه وفضله في القراءة والفقه

كان عبد الله بن مسعود يتمتع بذكاء فطري وذاكرة قوية، مما جعله مرجعاً في علم القراءة والفقه. ينسب إليه أنه كان من أفضل من قرأ القرآن بصوت حسن وأداء متقن، وكان يعلم الصحابة وغيرهم من المسلمين كيفية قراءة القرآن وضبط أحكام التجويد. ولهذا اعتبره العلماء “رأس القراء”.

فضلاً عن ذلك، كان يفسر الأحكام الشرعية على ضوء النصوص القرآنية والحديثية، وكان يُعتمد عليه في الفتوى. وقد نقل عنه عدد كبير من الأحاديث النبوية التي استشهد بها العلماء في كتب الحديث والفقه.

تواضعه وأخلاقه

لم يقتصر دور عبد الله بن مسعود على العلم فقط، بل كان مثالاً للتواضع والتقوى. كان يعيش حياة بسيطة، رغم مكانته العلمية، ولا يسعى للسلطة أو الوجاهة. كان يتجنب المجون والترف، ويكرس حياته للعبادة والتعليم. وكان معروفاً بصدقه وورعه، مما أكسبه حب الناس واحترامهم.

وفاته وإرثه العلمي

توفي عبد الله بن مسعود في المدينة المنورة عام 32 هـ، بعد أن ترك إرثاً ضخماً من العلم والمعرفة. ما يزال اسمه يرتبط بالقرآن وعلومه، ويُذكر كأحد أعمدة الإسلام الأوائل الذين ساهموا في تثبيت دعائم الدين ونشر علومه.

أهمية عبد الله بن مسعود في تاريخ الإسلام

يمكن القول إن عبد الله بن مسعود هو أحد الأركان الأساسية في بناء المنظومة العلمية الإسلامية. فهو الجسر بين عصر النبي وصحابة الفهم العميق للقرآن، والجيل الذي استلم هذه الرسالة بعد وفاة النبي. تميزه في قراءة القرآن وتفسيره جعله مرجعاً لا غنى عنه للعلماء في القرون التالية.

جدول يوضح بعض من مواقف عبد الله بن مسعود وأهم إسهاماته

المصادر والمراجع

1. ابن حجر العسقلاني، “فتح الباري شرح صحيح البخاري”، دار الفكر.

2. الطبري، “تاريخ الرسل والملوك”، دار الفكر.

يظل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه علامة بارزة في تاريخ الإسلام، ومثلاً يحتذى به في حفظ الدين وتعليم الناس، وتأصيل علوم القرآن، وهو نموذج للعلماء الذين جمعت بينهم المعرفة والخلق الحسن، فكان بحق “رأس القراء” ومرجعاً لا غنى عنه في الفقه والتفسير.