عبد الله بن مسعود: عالم الصحابة

عبد الله بن مسعود: الصحابي الجليل والمُفسِّر البارز في الإسلام

عبد الله بن مسعود رضي الله عنه هو واحد من أبرز الصحابة الذين عرفهم تاريخ الإسلام، حيث يعتبر من أوائل من آمنوا برسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وواحدًا من كبار العلماء والمُفسِّرين في تاريخ الأمة الإسلامية. وُلد في مكة في العام 594م، وكان من قبيلة هُذيل التي عُرفت بطيبتها وحسن أخلاقها، ولكن عبد الله بن مسعود كان يختلف عن الكثير من أهل مكة في أنه نشأ في بيئة فقيرة.

1. نشأته في مكة

وُلد عبد الله بن مسعود في أسرة فقيرة، وكان في بداية حياته يعمل في رعي الأغنام، مما جعله يكتسب صفة الصدق والوفاء. ورغم صغر سنه، كان يتمتع بذكاء فطري وحضور عقلي مميز جعله يشق طريقه في سبيل العلم والدين. في بداية ظهور الدعوة الإسلامية، كان عبد الله بن مسعود من أوائل من سمعوا عن الإسلام وآمنوا برسالة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك في مكة المكرمة، حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يواجه الكثير من المعارضات والصعوبات.

2. إسلامه وتحوله إلى أحد أبرز الصحابة

كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه من الصحابة الذين أسلموا في المراحل الأولى من الدعوة، ويذكر المؤرخون أنه قد أسلم في سن مبكرة، وكان أول من أعلَن إيمانه برسالة النبي في مكة، وقد أسلم بعد سماعه لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم. وبالرغم من معارضة قريش الشديدة لهذه الدعوة، إلا أن عبد الله بن مسعود بقي مخلصًا لدينه، وأصبح من المقربين إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد تمتع عبد الله بن مسعود برؤية عميقة وفهم دقيق لرسالة الإسلام، وهو ما جعله قريبًا جدًا من النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وكان من أكثر الصحابة استنارة في العلم الشرعي.

3. مكانته في فقه القرآن الكريم

يُعتبر عبد الله بن مسعود من كبار المُفسِّرين في تاريخ الإسلام. فقد كان واحدًا من أول من قرأ القرآن الكريم وشرح معانيه للصحابة. كان يملك فَهْمًا عميقًا لآيات القرآن الكريم، وكان يولي اهتمامًا كبيرًا في تفسيره للآيات. كان يُقال: “لقد تعلمت السورة من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم”. وكان يقرأ القرآن بطريقة فريدة، فكان إذا قرأ الآية كان يحرص على فهم معانيها بشكل دقيق حتى يصل إلى مراد الله سبحانه وتعالى.

وقد اهتم عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بتفسير القرآن وفقًا للقراءات التي سمعها مباشرة من النبي صلى الله عليه وسلم. وهو من الصحابة الذين أتموا حفظ القرآن الكريم وكان يدرّس للآخرين.

4. دوره في نقل الحديث النبوي

إلى جانب تفسير القرآن الكريم، كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه من أبرز رواة الحديث النبوي الشريف. وقد ورد عنه الكثير من الأحاديث النبوية التي تتعلق بالتشريع الإسلامي والأحكام الدينية. كان يتميز عبد الله بن مسعود بحفظه الجيد للأحاديث النبوية وسرعة استيعابه لما كان يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم.

كان يعتبر مصدرًا موثوقًا للأحاديث، وكان الصحابة يتوجهون إليه في حال وجود أي استفسار عن الحديث النبوي. كان عُرف بلقب “الحبر” و”الترجمان” لكونه عميق الفهم لما ينزل من الوحي. ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في حقه: “من أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل، فليقرأ على قراءة ابن أم عبد”.

5. علاقته بالنبي صلى الله عليه وسلم

كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قريبًا جدًا من النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان يشهد معه في العديد من الغزوات والمعارك الهامة، بما في ذلك غزوة بدر وأحد والخندق وغيرها من الغزوات. كان يرافق النبي صلى الله عليه وسلم في صلواته، ويتعلم منه مباشرة ويُفهم الوحي كما أنزل. وقد أظهر عبد الله بن مسعود في هذه الغزوات والشهادات بطولات كبيرة، وحُسن تصرف ووفاء لله ولرسوله.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يُحب عبد الله بن مسعود حبًّا عظيمًا، وكان يُشيد بذكائه وفطنته، وأرشد الصحابة إلى الاقتداء به في مسائل كثيرة. وقد كان يُقال عنه: “إن عبد الله بن مسعود هو أحد العلماء البارعين في القرآن الكريم وأحد من أفضل الصحابة فهما”.

6. مكانته في الفتوحات الإسلامية

بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، تولى الصحابة من بعده مهام قيادة الأمة الإسلامية، وكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه من الشخصيات البارزة في هذا السياق. فقد شارك في العديد من الفتوحات الإسلامية، وكان أحد القادة العسكريين الفاعلين. كما أُرسل في مهمة إلى العراق والشام لإتمام نشر الدعوة الإسلامية.

لقد شارك عبد الله بن مسعود في فتح العراق وكان له دور كبير في إرساء قواعد الإسلام في تلك المناطق. كان يُنَظِّم المسلمين هناك ويُعلِّمهم أمور دينهم، مما جعل له دورًا أساسيًا في تأسيس وبناء المجتمعات الإسلامية هناك.

7. صفاته الشخصية وأخلاقه

كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يتمتع بصفاتٍ حميدة عديدة، أبرزها التواضع والورع. كان معروفًا بحرصه الشديد على التقوى، وكان من أحرص الناس على أداء العبادات في وقتها، فكان يكثر من الصلاة والصيام وقراءة القرآن.

أما في معاملاته مع الناس، فقد كان رحمه الله شخصًا مُتواضعًا، وكان يُعامل الفقراء والمحتاجين بتقدير واحترام. على الرغم من مكانته الرفيعة في الأمة الإسلامية، إلا أنه كان يحرص دائمًا على أن يعيش حياة بسيطة بعيدًا عن التفاخر أو الزهو.

8. وفاته وذكراه

توفي عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في السنة 32 هـ، في الكوفة. وقد ترك وراءه إرثًا علميًا ودينيًا عظيمًا لا يزال يؤثر في الأمة الإسلامية إلى يومنا هذا. كان له دور بارز في نشر العلم والفقه، وخاصة فيما يتعلق بتفسير القرآن الكريم، وكان يُعتبر مرجعًا رئيسيًا في تفسير معاني آياته.

لقد اختار الله عز وجل لعبد الله بن مسعود أن يكون من الصحابة الذين حملوا علم الوحي، وجعل اسمه في سجل التاريخ الإسلامي من الأوائل الذين بذلوا كل ما في وسعهم في خدمة الإسلام. ومن خلال حياته العطرة، تظل سيرته نموذجًا يحتذى به في التفاني في العبادة والحرص على فهم دين الله والعمل به.

ومن خلال هذه الصورة المشرقة لعبد الله بن مسعود، نُدرك كيف كان علم الصحابة وعملهم أساسًا لانتشار الدين الإسلامي وتوطيد أركانه.