عبد العزيز بوتفليقة: مسيرة سياسية طويلة في تاريخ الجزائر الحديث

عبد العزيز بوتفليقة هو أحد أبرز السياسيين الجزائريين الذين تركوا بصمة واضحة في تاريخ الجزائر المعاصر. وُلد في 2 مارس 1937 في ولاية تلمسان غرب الجزائر، في عائلة من أصول كبرية، وترعرع في أجواء وطنية عرفت النضال ضد الاستعمار الفرنسي. ساهم بوتفليقة منذ شبابه في الكفاح الوطني من أجل استقلال الجزائر، قبل أن يتبوأ مناصب سياسية رفيعة قادته إلى رئاسة الجمهورية لأربع ولايات متتالية، ما جعله أحد أطول رؤساء الدول العربية بقاءً في الحكم.

النشأة والبدايات السياسية

نشأ بوتفليقة في بيئة وطنية مثقفة وملتزمة بقضايا التحرر الوطني، مما ساهم في تكوين وعيه السياسي المبكر. التحق بالثانوية في الجزائر العاصمة، حيث برز كطالب متفوق ومهتم بالقضايا الوطنية، ثم التحق بجبهة التحرير الوطني (جبهة النضال من أجل استقلال الجزائر) في بدايات خمسينيات القرن العشرين. كان من بين الشباب الذين شاركوا في تنظيم المقاومة المسلحة ضد الاحتلال الفرنسي، وهو الدور الذي أسهم في بلورته كقائد وطني متمرس.

بعد استقلال الجزائر في 1962، بدأ بوتفليقة مسيرته في الأجهزة الحكومية والدبلوماسية، حيث شغل عدة مناصب مهمة في وزارة الخارجية، ومنها وزير الخارجية في سنوات مبكرة، حيث كان له دور بارز في دعم قضايا التحرر الإفريقية والعربية، خصوصاً في دعم حركات التحرر في دول مثل أنغولا وموزمبيق.

الصعود إلى السلطة الرئاسية

تولى بوتفليقة منصب وزير الخارجية من 1963 إلى 1979، وهي فترة شهدت فيها الجزائر دوراً نشطاً في السياسة الإفريقية والعربية، حيث تبنى بوتفليقة توجهات سياسية قومية تركزت حول دعم القضايا التحررية ورفض التدخل الأجنبي، مما جعله شخصية محورية في السياسة الخارجية الجزائرية.

في أعقاب فترة من الاضطرابات السياسية والاقتصادية في الجزائر، وتصاعد الحركات الإسلامية المعارضة للحكم، عاد بوتفليقة إلى المشهد السياسي في أواخر التسعينيات، حيث رشح نفسه للرئاسة في عام 1999، وفاز بها في ظل ظروف معقدة تميزت بحرب أهلية دامية. بدأ رئاسته في سياق كان يشهد البلاد أزمة أمنية حادة، وكانت أولويته الوطنية استعادة السلم وتحقيق المصالحة الوطنية.

سياسة المصالحة الوطنية والسلام

أحد أهم إنجازات بوتفليقة كان طرحه لبرنامج “السلم والمصالحة الوطنية” الذي تضمن عفواً عاماً عن المقاتلين السابقين في الحرب الأهلية، بهدف إنهاء دائرة العنف التي شهدتها الجزائر في التسعينيات. ساهم هذا البرنامج إلى حد كبير في استعادة الاستقرار النسبي، وبدأ الاقتصاد الجزائري يتحسن تدريجياً بفعل ارتفاع أسعار النفط، مما مكن الحكومة من تنفيذ مشاريع تنموية واسعة.

كما سعى بوتفليقة إلى تحسين العلاقات الخارجية، فكان من الداعمين القويين للتكامل الإفريقي، ومؤيداً لجهود السلام في الشرق الأوسط. في عهده، شهدت الجزائر انفتاحاً على الاستثمار الخارجي، وإصلاحات اقتصادية رغم أنها لم تصل إلى مرحلة الاقتصاد الحر الكامل.

فترة حكمه والانتقادات الموجهة له

امتدت فترة حكم بوتفليقة لما يقرب من عشرين عاماً، من 1999 حتى استقالته في 2019. خلال هذه الفترة، تم انتخابه لأربع ولايات رئاسية متتالية، ما أثار جدلاً واسعاً حول الديمقراطية في الجزائر وطول مدة بقائه في السلطة. انتقد الكثيرون تباطؤ الإصلاحات السياسية، وانتشار الفساد الإداري، إلى جانب محدودية الحريات السياسية.

تدهورت صحة بوتفليقة في السنوات الأخيرة من حكمه، خاصة بعد تعرضه لجلطة دماغية في 2013، ما أثر على قدرته على ممارسة مهامه بشكل كامل، الأمر الذي أدى إلى تفاقم الأزمة السياسية في البلاد. في عام 2019، بعد احتجاجات شعبية واسعة عرفت باسم “الحراك”، والتي طالبت برحيله والإصلاحات الشاملة، اضطر إلى الاستقالة، منهياً بذلك عهد حكمه الطويل.

إرث بوتفليقة وتأثيره على الجزائر

ترك عبد العزيز بوتفليقة إرثاً معقداً. من جهة، يعتبره البعض قائداً أنقذ الجزائر من الفوضى خلال فترة صعبة من تاريخها، وخاصة من خلال مبادرة المصالحة الوطنية التي ساهمت في وقف العنف الداخلي. كما ساعدت فترة حكمه في تحقيق بعض الاستقرار السياسي النسبي والتطور الاقتصادي النسبي.

لكن من جهة أخرى، فقد ربط البعض حكمه بسيطرة النخبة الحاكمة على مفاصل الدولة، وظهور محاور فساد وتضخم البيروقراطية، بالإضافة إلى تراجع واضح في الحريات السياسية وحقوق الإنسان. كما أثارت مدّته الطويلة في الحكم جدلاً حول محدودية التغيير السياسي والديمقراطية في البلاد.

الجدول التالي يلخص أهم مراحل حياة عبد العزيز بوتفليقة السياسية:

الخاتمة

يظل عبد العزيز بوتفليقة شخصية محورية في تاريخ الجزائر الحديث، حيث جمع بين كونه مناضلاً من أجل الاستقلال وقائداً سياسياً فرض نفسه في لحظات حاسمة من تاريخ الدولة الجزائرية. فترته الطويلة في السلطة أسهمت في استقرار البلاد بعد سنوات من العنف، لكنها في الوقت نفسه أثارت جدلاً حول طبيعة الحكم ومستقبل الديمقراطية في الجزائر. يبقى تقييم إرث بوتفليقة معقداً ومتعدد الأبعاد، يعكس التحديات التي مرت بها الجزائر في مسيرتها الوطنية.

المصادر والمراجع:

• مكتبة الجزائر الوطنية – أرشيف تاريخ الجزائر الحديث

• كتاب “الجزائر بين الحرب والسلام” – د. محمد سعدي، 2015