عبد السلام العجيلي: طبيب وأديب

قصة نجاح الطبيب عبد السلام العجيلي: الكاتب والأديب السوري

يعد عبد السلام العجيلي واحدًا من أبرز الشخصيات الثقافية في تاريخ سوريا والعالم العربي، حيث جمع بين العلم والأدب والفكر في مسيرة طويلة من الإبداع والعطاء. الطبيب الذي لم يقتصر تأثيره على مجال الطب فقط، بل كان له بصمة واضحة في الأدب العربي من خلال رواياته، مقالاته، وأبحاثه التي امتزجت بتجارب الحياة الشخصية، فصار اسمه مرادفًا للتميز العلمي والفكري في مجالات متعددة.

نشأته وتعليمه

وُلد عبد السلام العجيلي في مدينة دير الزور السورية عام 1918 في أسرة متواضعة لكنها كانت تحمل بين جنباتها حبًّا عميقًا للعلم والثقافة. كانت مرحلة الطفولة في دير الزور تمثل الأساس الذي شكل شخصيته الثقافية والفكرية لاحقًا. فقد أظهر عبد السلام اهتمامًا مبكرًا بالقراءة والتعلم، وكان من المتفوقين في مدرسته، وهو ما دفعه للانتقال إلى مدينة دمشق لاستكمال تعليمه.

التحق العجيلي بكلية الطب في جامعة دمشق، حيث تفوق في دراسته وتمكن من أن يحصل على شهادة الطب في وقت كان فيه المجال الطبي في سوريا يتطلب الكثير من الجهد والمثابرة. لكن رغم اجتهاده في تخصصه الطبي، لم ينسَ العجيلي شغفه بالأدب، الذي كان يسكنه منذ سنوات الطفولة، فبدأ يكتب القصص والمقالات التي تناولت جوانب من حياته الشخصية ومن المجتمع السوري والعربي في ذلك الوقت.

مسيرته الطبية

بدأ العجيلي مسيرته المهنية كطبيب في مناطق مختلفة من سوريا، حيث عمل في المستشفيات والمراكز الصحية، وكان له دور بارز في علاج المرضى خلال فترة الأزمات الصحية التي كانت تمر بها البلاد في فترات مختلفة. عرف عنه التزامه العميق بأخلاقيات مهنته، فقد كان يعامل المرضى باحترام واهتمام بالغين، وكان يتسم بالإنسانية في تعامله مع الحالات الصعبة.

ومع مرور الوقت، أصبح العجيلي أحد الأطباء المرموقين في مجاله، وابتكر العديد من الطرق الطبية المساعدة في العلاج النفسي والتعامل مع التوترات النفسية، التي كانت وما زالت تعاني منها المجتمعات الشرقية في ظل الأزمات الاجتماعية والسياسية. لكن ما ميزه عن غيره من الأطباء هو قدرته على الجمع بين الطب والفكر، فقد كان يرى في الطب أكثر من مجرد مهنة علاجية، بل كان يراه وسيلة لفهم النفس البشرية وعلاج آلامها.

انطلاقته الأدبية

بدأت موهبة عبد السلام العجيلي الأدبية بالظهور في وقت مبكر، حيث نشر أولى قصائده في سن صغيرة، ثم اتجه إلى كتابة القصص القصيرة والروايات. برع في تقديم صورة واقعية للمجتمع السوري والعربي، مستخدمًا أسلوبًا عميقًا يمزج بين الدقة العلمية والمشاعر الإنسانية العميقة.

من أهم أعماله الأدبية، الرواية الشهيرة “الغرباء” التي تعد من أبرز أعماله وأكثرها شهرة، حيث تناول فيها موضوعات الهجرة والغربة، والصراع الداخلي للإنسان العربي في ظل التحولات الاجتماعية والسياسية. استطاع العجيلي في هذه الرواية أن يقدم صورة حية للمجتمع السوري، وأن يعكس من خلالها آلام الشباب العربي في فترة ما بعد الاستقلال، كما قام بإبراز التحديات التي تواجهها الأجيال الجديدة في البحث عن هويتهم وسط عالم مليء بالتحديات.

لم تقتصر أعمال العجيلي على الرواية فقط، بل كتب العديد من المقالات والدراسات الأدبية، والتي تميزت بالتأملات الفلسفية والنقد الأدبي. كما كانت له العديد من الإسهامات في المجلات والصحف العربية، حيث تناول قضايا المجتمع السوري والعربي بشكل عميق وموضوعي.

الجمع بين الطب والأدب

كان عبد السلام العجيلي دائمًا ما يرى أن العلم لا يمكن أن يكون منفصلًا عن الأدب، وأن الطب ليس فقط علاجًا للمرض الجسدي بل هو أيضًا علاج للأرواح والعقول. لذا، نجد أن إبداعه في الأدب كان مستمدًا بشكل كبير من تجاربه اليومية في المستشفيات والعيادات، حيث تأثر بالعديد من الحالات الإنسانية التي واجهها، وترك ذلك أثرًا واضحًا في رواياته التي تحاكي معاناة البشر والمجتمعات.

كان العجيلي يرى أن الطبيب يجب أن يكون قادرًا على فهم الحالة النفسية للمريض بقدر ما هو قادر على فهم حالته الجسدية، وهو ما تجسد بوضوح في أسلوبه الأدبي. فالروايات التي كتبها تحمل الكثير من الإشارات النفسية، التي تتناول مشاعر القلق والخوف والعزلة، وهي مشاعر كثيرًا ما يعاني منها الأفراد في المجتمعات المضطربة.

تأثيره الثقافي والاجتماعي

عبد السلام العجيلي كان شخصية ثقافية واجتماعية بارزة في سوريا، حيث كان له حضور لافت في الساحة الأدبية العربية. في فترة كانت تشهد فيها المنطقة تحولات كبيرة على الصعيدين الاجتماعي والسياسي، استطاع العجيلي أن يكون صوتًا يعبر عن آمال وأوجاع الشعب السوري والعربي. كان له تأثير كبير على الأجيال الجديدة من الكتاب والشعراء، الذين تأثروا بأسلوبه الأدبي الواقعي وفكره النقدي.

لقد كان العجيلي من أبرز من حملوا مشعل الدفاع عن حقوق الإنسان في سوريا والعالم العربي، حيث كان يوجه انتقاداته اللاذعة للأنظمة السياسية التي لا تهتم بمصالح المواطنين ولا تقدم حلولًا حقيقية لمشاكل المجتمع. كما كان له دور كبير في الدعوة إلى التغيير الاجتماعي والإصلاح في العالم العربي، وكان يعتقد أن الأدب والفكر يمكن أن يكونا عاملين رئيسيين في هذا التغيير.

آخر سنواته وإرثه

في السنوات الأخيرة من حياته، تفرغ العجيلي إلى الكتابة والبحث، وأصبح أحد الرموز الأدبية والفكرية التي يُستشهد بها في الدراسات الأكاديمية العربية. لكن مع تقدم العمر، أصبح العجيلي يشعر بحنين عميق إلى وطنه سوريا، وخاصة في ظل الأحداث التي مرت بها البلاد من حروب وأزمات. ورغم أنه عاش فترة طويلة من حياته في الخارج، إلا أن قلبه ظل متعلقًا بوطنه الأم، وكان يتمنى أن يرى سوريا في حالة من السلام والاستقرار.

توفي عبد السلام العجيلي في عام 2006، بعد أن ترك إرثًا ضخمًا في مجالي الطب والأدب. ورغم رحيله، لا يزال اسمه حاضرًا في ذاكرة الأجيال التي نشأت على أعماله الأدبية والفكرية. لقد استطاع العجيلي أن يترك بصمة واضحة في الثقافة العربية، وأن يكون رمزًا للتفوق في مجالي الطب والأدب معًا، مما جعله واحدًا من الشخصيات التي لا تُنسى في التاريخ الثقافي السوري والعربي.

الخاتمة

عبد السلام العجيلي كان شخصية فريدة بكل ما تحمله الكلمة من معنى. الطبيب الذي لم يقتصر اهتمامه على علاج الجسد فقط، بل ذهب إلى أبعد من ذلك ليعالج الروح والفكر. الأديب الذي استطاع أن يترجم معاناة البشر وآمالهم في صفحات رواياته وأبحاثه. لقد كانت حياته نموذجًا للإنسان الذي لا يقتصر إبداعه على مجال واحد، بل يمتد ليشمل كل جوانب الحياة.