العطلة الصيفية “ضيف ثقيل” على الأمهات: بين الواقع والتحدي المستمر

تمثل العطلة الصيفية فترة من الانفراج والراحة بالنسبة للأطفال والطلبة، لكنها في المقابل تُعدُّ موسمًا من التعب والتوتر بالنسبة لشريحة كبيرة من الأمهات، خاصةً في البيئات التي تفتقر إلى خيارات الترفيه المنظمة أو الدعم الأسري والمجتمعي. تتحوّل العطلة، التي يُفترض أن تكون متنفسًا لجميع أفراد الأسرة، إلى عبء ثقيل على كاهل الأم، التي تجد نفسها في مواجهة مباشرة مع متطلبات لا تنتهي، وضغوط نفسية وجسدية تتزايد يومًا بعد يوم.

التحول من الروتين المدرسي إلى الفوضى اليومية

خلال السنة الدراسية، رغم الضغوط اليومية، تكون الحياة الأسرية محكومة بروتين منتظم: مواعيد نوم واستيقاظ، وجبات محددة، ساعات دراسة واضحة، ومسؤوليات مقسّمة بين المدرسة والمنزل. لكن مع بداية العطلة، ينهار هذا النظام وتُستبدل الانضباط بالفوضى. يتحرر الأطفال من التزاماتهم، بينما تتحمل الأم وحدها تبعات هذا “التحرر”، بدءًا من محاولة تنظيم الوقت، وانتهاءً بمقاومة الفوضى السلوكية داخل المنزل.

فغياب الروتين لا يعني الراحة، بل يفتح الباب أمام صراعات متكررة بشأن استخدام الأجهزة الإلكترونية، أوقات النوم، الطلب المستمر للخروج من المنزل، والاحتكاكات بين الإخوة. ومع غياب أي غطاء مؤسسي أو دعم خارجي من مراكز أنشطة منتظمة، تقع المسؤولية الكاملة على الأم في إيجاد بدائل ترفيهية وتعليمية، غالبًا ضمن موارد مالية وزمنية محدودة.

عبء الرعاية المستمرة طوال اليوم

أحد أبرز وجوه المعاناة خلال العطلة هو تحول الأم إلى مقدمة خدمة متواصلة دون فاصل زمني. ففي الوقت الذي يُفترض فيه أن تكون الإجازة فترة راحة للجميع، تجد الأم نفسها مطالبة بتوفير الرعاية والطعام والتنظيف والترفيه والتعليم في آنٍ واحد، وعلى مدار الساعة. يزداد الأمر تعقيدًا إذا كانت الأم تعمل خارج المنزل، حيث يُضاف ضغط تنظيم الأطفال خلال فترة غيابها، والقلق بشأن سلامتهم وسلوكهم، وما إذا كانوا يقضون وقتهم في أنشطة مفيدة أم ينغمسون في عادات سلبية.

ويضاف إلى ذلك تحدي التعامل مع الشعور بالذنب الدائم: الأم تُلام من المجتمع، ومن نفسها، إن لم تُوفّر لأطفالها صيفًا “ممتعًا ومفيدًا” في آنٍ واحد. وفي واقع تتراكم فيه الأعباء الاقتصادية، تبدو تلك التوقعات غير واقعية، بل وتُكرّس ضغطًا نفسيًا إضافيًا على الأم.

تحديات مالية ترافق الإجازة

العطلة الصيفية تتطلب ميزانيات خاصة، سواء للترفيه، أو الرحلات، أو التسجيل في المراكز الصيفية أو الأندية الرياضية. وفي ظل الظروف الاقتصادية المتفاوتة بين الأسر، تصبح العطلة عبئًا ماليًا حقيقيًا، خاصةً عندما يقارن الأطفال أنفسهم بالآخرين أو يطالبون بتجارب لا تتناسب مع القدرة المالية للأسرة.

تشعر الكثير من الأمهات بالإرهاق النفسي الناتج عن محاولتهن المستمرة لإيجاد حلول “اقتصادية” تُرضي الأطفال وتملأ وقتهم، دون الإضرار بالميزانية العامة للأسرة. وتُضطر العديد من الأسر إلى الاستغناء عن العطلات العائلية أو الأنشطة الخارجية المنظمة، مما يزيد من العبء المنزلي على الأم التي تصبح ملزمة بإيجاد بدائل داخلية.

الانفجار التربوي داخل المنزل

الإجازة الصيفية تُعري التحديات التربوية الكامنة التي قد تكون مموّهة خلال فترات الدراسة. في غياب الرقابة المدرسية، والانشغال الدائم بالمناهج، تظهر سلوكيات الأطفال بشكل مكثف: العناد، العصبية، التذمر، الطلبات المتكررة، الشجارات بين الإخوة، والاعتماد الكامل على الأم في كل ما يخص الحياة اليومية.

كل هذا يضع الأم في صدام يومي مع أطفالها. وفي غياب الدعم العاطفي من الزوج أو المحيط الأسري، تُصبح الأم كأنها في معركة لا تنتهي، بين الرغبة في تربية أبنائها بشكل سليم، ومحاولة الحفاظ على اتزانها النفسي والجسدي. يُضاف إلى ذلك الضغط الاجتماعي الذي يُمارَس على الأمهات من خلال المحتوى الرقمي، حيث تُروَّج صورة مثالية عن الإجازة الصيفية المثالية المليئة بالأنشطة الإبداعية، دون إظهار التحديات الواقعية المرتبطة بها.

غياب الدعم المجتمعي المؤسسي

أحد أبرز الأسباب التي تجعل العطلة الصيفية “ضيفًا ثقيلًا” على الأمهات هو غياب البنية التحتية الاجتماعية الداعمة. في كثير من الدول والمجتمعات، لا توجد أنظمة مؤسسية فعّالة تُعنى بالأطفال خلال الإجازات، كنوادٍ موسمية، أنشطة مجانية في المراكز الثقافية، أو برامج تعليمية ترفيهية مدعومة من الدولة. وحتى إن وُجدت، فإنها تكون محدودة، أو غير شاملة، أو مكلفة ماديًا.

غياب هذا الدعم يعني تحميل الأم العبء الكامل لتنظيم الصيف. وهي مهمة مرهقة على المستوى الذهني والتربوي والإداري، ولا تترك لها مجالًا للعناية بنفسها أو حتى التمتع بإجازة فعلية. ويؤثر ذلك على توازنها النفسي والعاطفي، ويؤدي إلى حالات من الانهيار أو الاحتراق النفسي، الذي يُعدُّ ظاهرة شائعة لدى الأمهات خلال العطلات الطويلة.

العلاقة الزوجية تحت الضغط

غالبًا ما تؤثر العطلة الصيفية على العلاقة بين الزوجين، حيث تنشأ خلافات بشأن أسلوب إدارة الوقت، والميزانية، وتوزيع الأدوار. وتشعر العديد من الأمهات بأنهن يحملن العبء الأكبر دون تقدير أو دعم كافٍ من الطرف الآخر. بينما يرى بعض الآباء أن الإجازة فرصة للراحة والابتعاد عن التوتر، مما يزيد من شعور الزوجة بالوحدة والعزلة داخل مسؤولياتها اليومية.

هذا التباين في التوقعات يؤدي إلى توتر العلاقات الأسرية، ويضعف من جودة البيئة العائلية التي يُفترض أن تكون حاضنة داعمة للجميع خلال فترة العطلة.

الحلول الممكنة ضمن الإمكانيات المتاحة

رغم أن التحديات المرتبطة بالعطلة الصيفية واقعية وثقيلة، إلا أن إدارتها بشكل ممنهج قد يخفف من وطأتها. لا بد من اعتماد سياسة التوازن في التخطيط الصيفي، تجمع بين الاسترخاء والتنظيم. ويمكن تقسيم اليوم إلى فترات: للأنشطة اليدوية، القراءة، وقت الشاشة المحدود، الراحة، والأنشطة الجماعية، مع إشراك الأطفال أنفسهم في صياغة هذا الجدول، مما يعزز من إحساسهم بالمسؤولية ويخفف عن كاهل الأم.

كما يُعدُّ دعم الزوج عاملًا حاسمًا في تخفيف الضغط عن الأم. المشاركة في تحمل المسؤوليات، مهما كانت بسيطة، تحدث فرقًا كبيرًا. ومن الضروري أن تكون هناك مساحة زمنية يومية أو أسبوعية مخصصة للأم للاهتمام بنفسها بعيدًا عن متطلبات الأبناء.

يمكن أيضًا الاعتماد على الأصدقاء أو الأقارب في تبادل الرعاية اليومية، أو تنظيم أنشطة جماعية يتناوب فيها أولياء الأمور، لتقليل عدد الأيام التي تتحمل فيها الأم العبء الكامل.

تأثير العطلة على الصحة النفسية للأمهات

تشير دراسات متعددة إلى أن الفترات الطويلة من الضغط والرعاية غير المنقطعة تؤثر سلبًا على الصحة النفسية للأمهات، وتزيد من احتمالية الإصابة بالقلق، الاكتئاب، واضطرابات النوم. فمع قلة الدعم، والانقطاع عن الحياة الاجتماعية أو المهنية، يصبح الصيف تحديًا نفسيًا كبيرًا، لا يلاحظه كثيرون.

وينعكس هذا سلبًا على جودة التربية نفسها، حيث يؤدي الإرهاق إلى انخفاض الصبر، وزيادة الانفعال، والتفاعل غير الصحي مع سلوكيات الأطفال. لذا فإن دعم الأمهات خلال هذه الفترة يجب أن يُعدّ جزءًا من الصحة العامة الأسرية والمجتمعية، وليس مجرد مسؤولية فردية.

الجدول التالي يوضح الفروقات الجوهرية بين العام الدراسي والعطلة الصيفية من وجهة نظر الأم:

العطلة الصيفية فرصة تحتاج إلى عدالة في التوزيع

لا يمكن إنكار أن العطلة الصيفية فرصة ثمينة للأطفال للتجدد، والخروج من إطار الضغوط المدرسية، وتطوير مهارات جديدة. ولكن لكي تتحقق هذه الفائدة بصورة عادلة ومتوازنة، ينبغي أن تكون هذه العطلة أيضًا فرصة راحة للأم، لا عبئًا إضافيًا. ويتطلب ذلك تغييرًا على مستوى السياسات الاجتماعية، وتوفير برامج عامة داعمة للأسر، بالإضافة إلى إعادة النظر في دور الأب والأسرة الممتدة في توزيع المسؤوليات.

إذا بقيت الأم وحدها في مواجهة هذه التحديات، فإن الإجازة التي يُفترض أن تكون وقتًا للراحة الجماعية، ستظل موسمًا من الإنهاك الخفي الذي لا يُدوَّن في الأجندات الرسمية، ولا يُقدَّر في الخطابات المجتمعية، رغم كونه من أعمق أشكال العمل غير المدفوع والمستنزف للطاقات النفسية والجسدية.

المراجع:

1. American Psychological Association. Parental Burnout During Extended School Closures (2021).

2. UNICEF. Supporting Families During School Holidays: Equity-Based Approaches in Childcare (2020).