في أوائل التسعينات، كانت رحلتي المهنية كمعد برامج ثم مخرج في قناة النيل الدولية تمثلت في لحظات مميزة جمعتني بشخصيات فنية رائعة، ومن بين هؤلاء الفنانين كان الراحل عامر منيب، الذي لم يكن يوماً ما في خيالي أن يتطور تعاملنا المهني إلى صداقة قائمة على التواصل الشخصي.
تجسدت بداية هذه العلاقة عندما كان عامر منيب قد أصدر ألبومه الثاني، وكان لابد من إستضافته على شاشتنا لمناقشة نجاح أغنيته المصورة. كانت هذه اللحظة هي البداية لرحلة مميزة جعلتني أتقرب أكثر من هذا الفنان المتألق. رحيله المؤلم عن هذا العالم لم يطفئ بريقه، بل لازال يعيش في ذاكرة الجماهير، وذكرياتنا الشخصية معه لا تزال تشعرنا بحنين الفقد.
كان عامر منيب إنساناً بسيطاً ورقيق الحاشية، وكل زيارة له كانت مليئة بالمفاجآت والتفاصيل الشخصية. زيارتي الأولى لمنزله كانت في ذلك الوقت، حينما قابلت والدته وشقيقه الأكبر جمال. كنت أسعد بكل لحظة قضيتها في حديقته الصغيرة، التي أعدّها بعناية فائقة، واكتشفت فيها جانباً آخر من شخصيته، حيث كان يهتم بترتيبها ويجعلها مكاناً هادئاً بوجود شلال مائي صغير.
منذ تلك الزيارة، أصبحت صديقاً لعامر، ولم يكن لديه اهتمام غير زوجته وبناته. كانت لقاءاتنا تتكرر في كل صدور ألبوم جديد له، وخاصة عندما يقدم أغنية مصورة جديدة. شهدت بعض اللحظات الفنية الأولى لبعض أعماله، وكان يشاركنا تجاربه وطموحاته.
عامر منيب لم يكن مجرد مطرب ناجح، بل كان فناناً متعدد المواهب. وُلد في عائلة فنية، حيث كان يشارك جدته الفنانة ماري منيب في زياراته إلى المسرح منذ صغره. بعد تخرجه من الجامعة، قرر السفر لاستكمال دراسته، وهناك اكتشف شغفه بالغناء وبدأ في تعلم العزف على آلة العود والبيانو.
عندما قرر إصدار أول ألبوم له على نفقته الخاصة في عام 1990، لم يحقق النجاح المطلوب، لكنه لفت الأنظار إلى موهبته. بدأت العروض تتوالى عليه، وألبوماته الناجحة بدأت تتلاحق، مثل “أيام وليالي”، “فاكر”، “حب العمر”، و”كل ثانية معاك”.
كما تجسد عامر منيب في عالم السينما، حيث كان يلقب بالمطرب الذي اقتحم عالم الفن السابع. حقق فيلمه “سحر العيون” نجاحًا جماهيريًا كبيرًا، ورغم فشل بعض التجارب السينمائية، إلا أن له بصمته في هذا الميدان.
رحيل عامر منيب في نوفمبر 2011 كان صدمة للجمهور ولأصدقائه القريبين. كان يبلغ من العمر 48 عامًا عندما فارقنا، بعد صراع مع مرض السرطان دام أكثر من عامين. لكن روحه الفنية وإرثه الثقافي لا يزالان حيين في ذاكرتنا.
بعد وفاته بعامين تقريبًا، تم إصدار أغنية “جيت على بالي” مرة أخرى، ولكن هذه المرة بمشاركة الفنانة التونسية، مما أكد على استمرار تأثيره الفني حتى بعد رحيله. يظل عامر منيب، الرجل الذي جمع بين البساطة والتواضع، رمزًا للفن الذي يترك أثرًا دائمًا في قلوب الجماهير وعلى شاشات الفن.
المزيد من المعلومات
عامر منيب، الفنان الذي لم يكن مجرد صوت يمتع أذاننا، بل كان حكاية حياة ملهمة ومثيرة. وُلد في 22 يناير 1963، في عائلة فنية، حيث كان جدّته الفنانة الكبيرة ماري منيب تلعب دوراً هاماً في بداياته. عاش عامر فترة من حياته في منزل جدته، وهناك كان يحظى بفرصة التعرف على الفن من قرب والغوص في جوانبه المختلفة.
عندما قرر السفر لاستكمال دراسته، اتجه عامر إلى الغرب، حيث كان يقضي أوقات فراغه قبل تخرجه في الغناء، بالعزف على آلة العود والبيانو. كانت هذه الفترة تشكل لحظات تكوين حاسمة في رحلته الفنية، حيث كان يتلقى نصائح وتوجيهات من الموسيقار حلمي بكر، الذي شجعه على الالتفاف نحو مجال الغناء.
أطلق عامر منيب ألبومه الأول في عام 1990 بعنوان “هي دي الحياة”، ورغم أنه لم يحقق النجاح المرجو، إلا أنه ألهم الفنانين وصنع لنفسه مكانة في عالم الفن. استمر في إصدار ألبومات ناجحة تلو الأخرى، مثل “محظوظ” في عام 1991 و “ياقلبي” في عام 1993.
لم يكن عامر منيب يقتصر فقط على الساحة الموسيقية، بل دخل عالم السينما بثبات. أعطى الأفلام التي شارك فيها نكهةً خاصة، وكان له دور ملفت في “سحر العيون” الذي عرض في موسم 2002، وحقق نجاحاً كبيراً. لم يكن لهذه التجارب السينمائية نجاحاً كبيراً دائما، ولكنها أضافت لتنوع مسيرته الفنية.
يعد ألبوم “حظي من السما” الذي صدر عام 1997 أحد أبرز ألبوماته، حيث كانت أغنية “حظي من السما” تحمل الكثير من العمق والإحساس، ونالت استحسان الجمهور. استمر عامر في تقديم أعمال موسيقية متميزة مثل “أيام وليالي” و”فاكر” و”حب العمر” و”كل ثانية معاك”.
كان عامر منيب يحظى بشعبية واسعة في الوطن العربي، وكان له معجبون من مختلف الأعمار. رغم نجاحاته الفنية، إلا أنه ظل دائماً يحتفظ بطابعه البسيط والمتواضع، وكان يعيش حياة عائلية سعيدة مع زوجته وبناته.
رحيله في نوفمبر 2011 كان صدمة للمحبين، ولكن إرثه الفني لا يزال حياً من خلال أعماله التي تستمر في لمعانها. عامر منيب، الإنسان والفنان، ترك بصمة قوية في عالم الفن، ولا يزال يعتبر رمزاً للموهبة والإلهام.