ظهور الضروس عند الأطفال: الدليل الطبي الشامل لفهم مراحل التسنين المتأخرة

يُعتبر ظهور الضروس عند الأطفال من المراحل الأساسية في تطور الفم والأسنان، حيث تمثل هذه الضروس جزءاً مهماً في إعداد الطفل للمرحلة الانتقالية من الطعام الطري إلى الأطعمة الصلبة. تختلف تجربة التسنين من طفل إلى آخر من حيث التوقيت، وشدة الأعراض، ومدى تأثر الطفل بها. وعلى الرغم من أن مرحلة التسنين تبدأ عادة مع بزوغ الأسنان الأمامية، إلا أن الضروس تأتي لاحقاً وتُعد من العناصر المهمة في اكتمال البنية الفموية، كونها تلعب دوراً أساسياً في عملية المضغ والنطق والتطور الفكي.

يتناول هذا المقال الشامل كل ما يتعلق بظهور الضروس عند الأطفال، بداية من الجدول الزمني للنمو الطبيعي، مرورا بالأعراض والعوامل المؤثرة، وصولاً إلى طرق الرعاية المناسبة للطفل أثناء هذه المرحلة.

مراحل نمو الأسنان عند الأطفال

تبدأ الأسنان اللبنية بالظهور عادةً بين عمر 6 إلى 12 شهراً، وتستمر حتى عمر 2.5 إلى 3 سنوات. تنمو هذه الأسنان وفق تسلسل معين غالبًا، يبدأ بالقواطع الوسطى ثم الجانبية، يليها الأنياب، ثم الضروس الخلفية.

تسلسل ظهور الأسنان اللبنية:

ضروس الأطفال تُقسم إلى قسمين: الضروس الأولى التي تظهر عادة في السنة الثانية من العمر، والضروس الثانية التي تكتمل غالباً بين السنة الثانية والثالثة. تُعد هذه الضروس الأكبر حجماً بين الأسنان اللبنية، وتتطلب جهداً أكبر من اللثة للخروج، مما يجعل مرحلة بروزها أكثر صعوبة من غيرها في بعض الأحيان.

الضروس اللبنية: أهميتها ودورها الحيوي

الضروس اللبنية لا تؤدي دوراً وظيفياً مؤقتاً فحسب، بل تُعد أساساً حيوياً لصحة الفم في المستقبل. فهي تحافظ على المساحات اللازمة لنمو الأسنان الدائمة، وتساهم في تطور النطق والقدرة على المضغ السليم. بالإضافة إلى ذلك، فإن وجود الضروس اللبنية يمنع الانحرافات في نمو الفك، ويُسهل التنفس السليم والتغذية المتوازنة.

غياب الضروس أو فقدانها المبكر نتيجة للتسوس أو الصدمات قد يؤدي إلى مشاكل في الإطباق، وصعوبات في التغذية والنطق، وربما يؤثر على الثقة بالنفس لدى الطفل. لذلك، فإن العناية بهذه الضروس لا تقل أهمية عن الأسنان الدائمة.

الأعراض الشائعة لظهور الضروس عند الأطفال

غالبًا ما تكون أعراض ظهور الضروس أكثر حدة من أعراض ظهور الأسنان الأمامية. ويرجع ذلك إلى حجم الضروس وموقعها في الفم. تشمل الأعراض:

• زيادة في إفراز اللعاب: حيث يبدأ الطفل بإفراز كميات كبيرة من اللعاب، مما قد يؤدي إلى طفح جلدي حول الفم.

• تهيج اللثة وتورمها: تظهر اللثة حمراء ومتورمة في المناطق التي ستبرز منها الضروس.

• البكاء والانزعاج: نتيجة للألم الناتج عن ضغط الضرس على اللثة.

• فقدان الشهية: يشعر بعض الأطفال بعدم الراحة عند تناول الطعام، ما يؤدي إلى انخفاض في الشهية.

• اضطرابات النوم: يعاني الطفل من صعوبة في النوم بسبب الألم الليلي المتزايد.

• شد الأذن أو الفرك المتكرر للوجه: حيث يمتد الألم أحيانًا إلى الأذن أو منطقة الوجه القريبة من مكان بروز الضرس.

• ارتفاع طفيف في درجة الحرارة: على الرغم من أن الحمى الشديدة لا تُعتبر علامة نموذجية للتسنين، فإن بعض الأطفال قد يعانون من حرارة خفيفة.

التمييز بين أعراض التسنين وأعراض الأمراض الأخرى

من المهم عدم الخلط بين أعراض التسنين وأعراض الأمراض الفيروسية أو البكتيرية الأخرى. فمثلاً، ارتفاع الحرارة لأكثر من 38.5 درجة مئوية، أو وجود إسهال شديد، أو سعال، أو طفح جلدي واسع، لا يُعتبر جزءاً طبيعياً من التسنين، ويجب مراجعة الطبيب فوراً في هذه الحالات. كثير من الأطباء يؤكدون على أن التسنين قد يسبب انزعاجاً محدوداً وأعراضاً موضعية، لكن لا ينبغي أن يكون مصحوباً بعلامات مرضية خطيرة.

كيفية تخفيف آلام ظهور الضروس عند الأطفال

تعتمد الرعاية على التخفيف من الألم والانزعاج المصاحبين لبروز الضروس. يمكن اتباع مجموعة من الطرق الطبيعية والطبية:

العلاجات المنزلية:

• تدليك اللثة: باستخدام إصبع نظيف أو قطعة قماش مبللة وباردة.

• استخدام العضاضات المبردة: والتي تساعد على تهدئة الألم عند العض.

• تقديم الأطعمة الباردة واللينة: مثل الزبادي أو التفاح المبشور البارد، لتقليل الشعور بالألم.

الأدوية:

• مسكنات الألم الخفيفة: مثل الباراسيتامول أو الإيبوبروفين، تحت إشراف الطبيب فقط.

• جل التسنين: بعض الأطباء يوصون باستخدام الجل الموضعي لتخدير اللثة، لكن يجب الحذر من المنتجات التي تحتوي على “الليدوكائين” للأطفال دون السنتين.

الاعتناء بصحة الضروس بعد ظهورها

العناية بالضروس لا تبدأ فقط بعد ظهورها بل يجب الاستعداد لها مبكرًا، لكن بمجرد بروزها، تصبح النظافة الفموية أمراً أساسياً.

• تنظيف الأسنان يوميًا: باستخدام فرشاة أسنان ناعمة وماء فقط في البداية، ثم إدخال معجون الأسنان المخصص للأطفال بعمر عامين.

• تجنب السكريات: منعاً لتسوس الأسنان اللبنية.

• الزيارات الدورية لطبيب الأسنان: ينصح ببدء زيارة طبيب الأسنان في عمر السنة، أو بعد بروز أول ضرس، ومتابعة ذلك كل 6 أشهر.

متى يُعد تأخر ظهور الضروس مدعاة للقلق؟

رغم وجود فروق طبيعية بين الأطفال في توقيت التسنين، إلا أن التأخر المفرط قد يكون مؤشراً على مشكلة كامنة، مثل نقص فيتامين “د” أو مشكلات في الغدة الدرقية أو اضطرابات وراثية في النمو.

يجب مراجعة الطبيب في الحالات التالية:

• إذا لم تبدأ أي من الضروس بالظهور بعد عمر 18 شهرًا.

• إذا ظهرت علامات على تأخر النمو الجسدي العام.

• في حال وجود تاريخ عائلي لأمراض تؤثر على نمو العظام أو الأسنان.

العلاقة بين التغذية وبروز الضروس

التغذية المتوازنة تلعب دوراً حاسماً في تطور الأسنان والعظام لدى الأطفال. فالكالسيوم، وفيتامين “د”، والفوسفور، بالإضافة إلى الفيتامينات الأخرى مثل “C” و”B12″، تُعد ضرورية لنمو الضروس بصحة جيدة.

ينبغي التركيز على:

• الحليب ومشتقاته: لاحتوائه على الكالسيوم.

• البيض والكبدة والأسماك: كمصادر جيدة لفيتامين “د”.

• الفواكه والخضروات الطازجة: لدعم الجهاز المناعي وتسريع نمو الأنسجة.

المشاكل المحتملة أثناء مرحلة ظهور الضروس

بالرغم من أن التسنين عملية طبيعية، إلا أنها قد تترافق مع بعض المشاكل:

• التسوس المبكر: نتيجة قلة العناية أو التعرض المستمر للمشروبات السكرية.

• التهاب اللثة: بسبب فرك اللثة أو دخول البكتيريا.

• التسنين المتأخر أو غير المنتظم: الذي قد يتطلب تدخل طبي.

هذه الحالات يمكن التعامل معها بفعالية عبر المتابعة الدورية مع الطبيب واتباع التعليمات الوقائية.

الفرق بين الضروس اللبنية والضروس الدائمة

الضروس اللبنية تُستبدل لاحقاً بضروس دائمة في عمر يتراوح بين 10-13 سنة. وتُعد الضروس الدائمة أكثر صلابة وتستمر طيلة الحياة. أهمية العناية بالضروس اللبنية تكمن في أنها تمهد الطريق لنمو الضروس الدائمة بطريقة صحيحة. فقدان الضرس اللبني قبل أوانه قد يؤدي إلى نمو الأسنان الدائمة في أماكن غير صحيحة.

خلاصة علمية

إن ظهور الضروس عند الأطفال هو محطة حيوية في رحلة النمو الفموية، وتعدّ دليلاً على التطور الصحي للطفل. تتطلب هذه المرحلة وعياً من الأهل ومتابعة دقيقة، حيث أن التعامل الخاطئ أو الإهمال يمكن أن يؤدي إلى مشاكل فموية طويلة الأمد. من خلال التغذية السليمة، والعناية الجيدة بصحة الفم، والمتابعة المنتظمة مع طبيب الأسنان، يمكن ضمان عبور هذه المرحلة بسلاسة وتحقيق نتائج صحية إيجابية للفم والأسنان على المدى الطويل.

المراجع

1. American Academy of Pediatric Dentistry. “Guidelines on Infant Oral Health Care.” AAPD Reference Manual.

2. Mayo Clinic Staff. “Teething: Symptoms and Remedies.” Mayo Clinic.