ظاهرة التسول في المغرب: دراسة تحليلية شاملة

تعد ظاهرة التسول واحدة من أبرز المشكلات الاجتماعية التي تواجه المجتمع المغربي، إذ تمثل تحدياً حقيقياً يؤثر على البنية الاجتماعية والاقتصادية والنفسية للأفراد والمجتمع ككل. تنتشر هذه الظاهرة في العديد من المدن المغربية الكبرى والصغرى، مما يستدعي فهم أبعادها المختلفة وأسبابها، بالإضافة إلى تحليل تداعياتها وسبل معالجتها من خلال مقاربة شاملة تستند إلى حقائق وأرقام.

تعريف التسول وأشكاله في المغرب

التسول هو طلب المساعدة المالية أو العينية من الآخرين، وغالباً ما يتم التعبير عنه بصورة مباشرة من خلال التوسل على الطرقات والأسواق أو الأماكن العامة. في المغرب، تتنوع مظاهر التسول بين الفئات العمرية المختلفة، ويشمل أشكالاً متعددة منها:

• التسول التقليدي: وهو قيام الأفراد بطلب المال مباشرة في الشوارع والأماكن العامة.

• التسول المرافق للأطفال: حيث يتم استغلال الأطفال في التسول عبر إلحاقهم بالمتسولين الكبار، الأمر الذي يعد انتهاكاً صارخاً لحقوق الطفل.

• التسول المتنقل: يتجول المتسولون عبر المناطق المختلفة بحثاً عن من يساعدهم.

• التسول المزيف: الذي يقوم فيه البعض بإظهار حالة ضعف أو عجز غير حقيقي من أجل كسب تعاطف الآخرين.

تنتشر هذه الأشكال في شوارع المدن الكبرى مثل الدار البيضاء، الرباط، فاس، ومراكش، حيث تكثر حركة الناس وزيادة فرص إقبال المتسولين.

الأسباب الاقتصادية والاجتماعية لظاهرة التسول في المغرب

يمكن تصنيف الأسباب التي تؤدي إلى تفاقم ظاهرة التسول في المغرب إلى عدة محاور رئيسية مترابطة:

1. الفقر والبطالة

يعتبر الفقر المدقع وانعدام فرص العمل أحد الأسباب الرئيسية لانتشار التسول. يواجه المغرب تحديات اقتصادية كبيرة تتمثل في نسب بطالة مرتفعة، خاصة بين الشباب والخريجين، مما يجعل بعض الأسر تواجه صعوبة في تلبية الاحتياجات الأساسية، ما يدفع بعض أفرادها إلى التسول كوسيلة للبقاء.

2. الهشاشة الاجتماعية وانعدام شبكة الأمان

يفتقد الكثير من الأسر المغربية إلى دعم اجتماعي واقتصادي فعال من الدولة أو المؤسسات الخيرية، مما يعمق حالة الهشاشة ويزيد من الاعتماد على التسول. ضعف منظومة الحماية الاجتماعية يجعل الأسر الفقيرة أكثر عرضة للسقوط في دوامة الفقر.

3. غياب التعليم والتكوين المهني

انخفاض معدلات التعليم والتكوين المهني بين فئات المجتمع الفقيرة يسهم في ضعف فرص العمل لديهم، مما يحد من قدرتهم على تحسين أوضاعهم الاقتصادية. الأطفال الذين يتسربون من المدارس أو الذين لم يحصلوا على فرص التعليم الجيد غالباً ما ينخرطون في التسول أو أشكال أخرى من العمل غير القانوني.

4. الهجرة الداخلية والتهجير القسري

تشهد بعض المناطق الريفية في المغرب ظروفاً اقتصادية واجتماعية صعبة تدفع سكانها إلى الهجرة نحو المدن الكبرى، حيث تزداد البطالة والفقر بسبب نقص الخدمات وفرص العمل، ما يؤدي إلى تفاقم ظاهرة التسول في المدن.

5. الأبعاد النفسية والعائلية

غالباً ما يكون المتسولون ضحايا لمشاكل أسرية مثل التفكك، العنف الأسري، أو الإدمان، مما يجعل التسول مهرباً مؤقتاً من الواقع الصعب الذي يعيشونه.

الأبعاد الاجتماعية والنفسية لظاهرة التسول

تترك ظاهرة التسول آثاراً بالغة السلبية على المجتمع، فهي لا تقتصر على الجانب الاقتصادي فقط، بل تمتد لتشمل الأبعاد الاجتماعية والنفسية، ومنها:

1. التأثير على صورة المدن والمجتمع

وجود أعداد كبيرة من المتسولين في الشوارع يؤثر سلباً على صورة المدينة أمام الزوار والسياح، كما يعكس واقعاً اجتماعياً صعباً يعكس الفجوة بين الفئات الاجتماعية.

2. الاستغلال والإيذاء للأطفال

يتم استغلال الأطفال في التسول بشكل واسع، مما يحرمهم من حقوقهم الأساسية في التعليم والرعاية الصحية ويعرضهم لمخاطر الاستغلال والانحراف والجريمة.

3. فقدان الكرامة الإنسانية

يقود التسول إلى فقدان كرامة الإنسان وتشويه صورته الذاتية، حيث يعاني المتسولون من وصمة اجتماعية تنعكس على حياتهم الاجتماعية والنفسية.

4. تفشي الظواهر السلبية

ينتشر في بعض الحالات استعمال المتسولين للمخدرات والكحول، كما قد يرتبط التسول بظواهر مثل السرقة أو التهديد، مما يزيد من تعقيد المشكلة.

الجهود الحكومية والمؤسساتية لمكافحة التسول

تسعى الحكومة المغربية إلى مكافحة ظاهرة التسول من خلال عدة برامج وسياسات اجتماعية واقتصادية، تشمل:

1. تحسين شبكة الحماية الاجتماعية

تم العمل على تقوية شبكة الحماية الاجتماعية عبر برامج مثل “راميد” (التأمين الصحي للفقراء) ومبادرات لمحاربة الفقر وتحسين الدخل، بهدف تقليص عدد الأسر التي تلجأ إلى التسول.

2. دعم الأسر الهشة

تعمل بعض الجمعيات والهيئات الحكومية على تقديم الدعم المباشر للأسر المحتاجة، بما في ذلك الدعم الغذائي، الصحي، والتعليم، للحد من دوافع التسول.

3. حملات التوعية

تنظم وزارة التضامن والتنمية الاجتماعية حملات توعية لتغيير النظرة المجتمعية إلى التسول والتعريف بسبل التعامل معه بإنسانية ومسؤولية.

4. تعزيز التعليم والتكوين المهني

تم إطلاق مبادرات لتشجيع الأطفال من الأسر الفقيرة على الالتحاق بالمدارس وتحسين مستوى التكوين المهني للشباب، ما يسهم في الحد من التسول.

5. التدخل الأمني والتنظيمي

تتعاون الأجهزة الأمنية مع الجمعيات لتقليص ظاهرة التسول خاصة المزيف منه، وضبط المتسولين الذين يمارسون أنشطة غير قانونية.

دور المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية

يلعب المجتمع المدني دوراً محورياً في مواجهة ظاهرة التسول من خلال تقديم الدعم المباشر وإطلاق مبادرات تنموية تركز على:

• تأهيل المتسولين ودمجهم في المجتمع عبر مشاريع إنتاجية.

• توفير الدعم النفسي والاجتماعي للمتسولين، خاصة الأطفال منهم.

• تعزيز العمل التطوعي والتكافل الاجتماعي للحد من أسباب التسول.

• تطوير برامج موجهة للأسر الفقيرة لتعزيز سبل العيش الكريم.

المقترحات والحلول المستدامة لمواجهة التسول

1. تعزيز السياسات الاقتصادية والاجتماعية

يجب الاستثمار بشكل أكبر في القطاعات الاقتصادية التي توفر فرص عمل، مع دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة لتشجيع روح المبادرة والحد من البطالة.

2. توسيع نطاق الحماية الاجتماعية

تطوير نظام حماية اجتماعية شامل يغطي كل الفئات المعرضة للخطر، مع التركيز على الأسر المعوزة والمهمشة.

3. التعليم والتكوين المهني

الاستثمار في التعليم هو حجر الأساس، مع توفير برامج تعليمية متخصصة تستهدف الأطفال والشباب من الأسر الفقيرة، وإعادة إدماج المتسولين السابقين من خلال التكوين المهني.

4. التشريع والتنظيم

تحديث القوانين المتعلقة بالتسول وفرض عقوبات على استغلال الأطفال في التسول، مع تقديم حلول إنسانية بديلة.

5. تنمية الوعي المجتمعي

تكثيف حملات التوعية التي تسلط الضوء على آثار التسول السلبية وتشجع على العمل الخيري المنظم والفعّال.

الإحصائيات والتوزيع الجغرافي للتسول في المغرب

تشير الدراسات والإحصاءات إلى أن التسول ينتشر بشكل أكبر في المدن الكبرى ذات الكثافة السكانية العالية، كما تبرز بعض المناطق كأماكن بؤر لهذه الظاهرة. حسب تقارير وزارة التضامن والتنمية الاجتماعية، فإن نسبة المتسولين في الدار البيضاء تصل إلى حوالي 30% من إجمالي المتسولين في البلاد، تليها الرباط ومراكش وفاس. ويظهر التوزيع الجغرافي تركزاً في الأحياء الفقيرة والمناطق ذات النشاط الاقتصادي المحدود.

خاتمة

ظاهرة التسول في المغرب هي مشكلة اجتماعية معقدة متعددة الأبعاد تتطلب تضافر جهود الحكومة والمجتمع المدني والمؤسسات المختلفة لوضع حلول واقعية ومستدامة. تعتمد هذه الحلول على فهم شامل للعوامل الاقتصادية والاجتماعية والنفسية التي تؤدي إلى انتشار التسول، بالإضافة إلى بناء منظومة دعم متكاملة تستهدف الفئات الأكثر هشاشة. إن مكافحة التسول بنجاح تتطلب إرساء عدالة اجتماعية حقيقية تضمن حق الجميع في حياة كريمة، وتكفل تعليم الأطفال، وتحافظ على كرامة الإنسان في كل الظروف.

المصادر والمراجع:

1. وزارة التضامن والتنمية الاجتماعية المغربية، تقرير الظاهرة الاجتماعية، 2023.

2. دراسة مركز البحث الاجتماعي المغربي حول الفقر والتسول، 2022.