طريقة تحضير التسقية السورية

التسقية السورية: تراث الطعم والروح في طبق شعبي أصيل

تُعد التسقية السورية واحدة من أبرز وأعرق الأطباق التقليدية التي تُجسد المطبخ الدمشقي الأصيل، حيث يتداخل فيها الطعم الشعبي البسيط مع عناصر غذائية متكاملة تعكس التراث السوري الغني. تحظى هذه الوجبة بمكانة مميزة على موائد الفطور أو السحور، خصوصًا في شهر رمضان، وهي من الأطعمة التي تعكس فلسفة الاستفادة القصوى من المكونات اليومية البسيطة، مثل الخبز، اللبن، والحمص، بأسلوب يحافظ على القيمة الغذائية ويبرز الطابع الشعبي.

أصول طبق التسقية السورية

يعود أصل طبق التسقية إلى مدينة دمشق، عاصمة سوريا، المعروفة بأصالتها وعراقة مطبخها. يعتبر هذا الطبق امتدادًا لتقاليد الطهي العثماني الذي أثر في المطبخ الدمشقي، غير أن السوريين أضافوا عليه لمستهم الخاصة فصار طبقًا فريدًا يحمل الطابع المحلي في كل تفاصيله، بدءًا من مكوناته ووصولًا إلى طريقة التقديم.

التسقية تُعرف أيضًا في بعض المناطق بـ”فتة الحمص باللبن”، لكنها في دمشق تُحضر بطريقة مختلفة قليلًا، وتُزين بالسمنة البلدية أو الزيت، ويُضاف إليها الثوم، الكمون، والمكسرات المحمصة لإضفاء نكهة غنية.

المكونات الأساسية للتسقية السورية

فيما يلي عرض تفصيلي للمكونات التي تُستخدم في تحضير التسقية التقليدية، مع إبراز أهمية كل منها:

طريقة التحضير التفصيلية للتسقية

الخطوة الأولى: تجهيز الخبز

يُفضل استخدام الخبز العربي الناشف الذي يتم تقطيعه إلى مكعبات صغيرة أو متوسطة الحجم. يتم وضع الخبز في وعاء عميق ليُشكل الطبقة الأساسية التي ستمتص صلصة اللبن لاحقًا. يمكن تحميص الخبز قليلًا في الفرن أو المقلاة لتحسين القوام والنكهة، لكن النسخة التقليدية تعتمد الخبز اليابس بدون تحميص.

الخطوة الثانية: تحضير اللبن بالطحينة

في وعاء منفصل، يُخلط اللبن الزبادي مع الطحينة جيدًا حتى يصبح الخليط متجانسًا. يُضاف إليه عصير الليمون والثوم المهروس والملح والكمون. يتم خلط المكونات باستخدام مضرب يدوي حتى نحصل على قوام كريمي متماسك. يمكن إضافة كمية قليلة من الماء لتخفيف الخليط حسب الحاجة، دون أن يُصبح سائلاً جدًا.

الخطوة الثالثة: تسخين الحمص

يُفضل استخدام حمص منزلي مسلوق مسبقًا للحفاظ على النكهة الأصيلة. يُسخن الحمص مع القليل من مائه، ويمكن إضافة القليل من الكمون إليه. يُصفى بعد ذلك ويُضاف مباشرة إلى الخبز في الطبق.

الخطوة الرابعة: سكب اللبن فوق الخبز

يُسكب خليط اللبن فوق الخبز والحمص بشكل متساوٍ حتى يتشرب الخبز الخليط جيدًا. يُترك لمدة 5 إلى 10 دقائق حتى تمتزج النكهات ويُصبح الخبز طريًا ولكن غير مهروس.

الخطوة الخامسة: تحمير السمنة وتزيين الوجه

في مقلاة صغيرة، تُسخن السمنة أو زيت الزيتون حتى تبدأ في إصدار رائحة زكية. يُمكن إضافة رشة من الثوم المفروم لتحميصه، ثم تُسكب السمنة الساخنة على وجه طبق التسقية، مما يمنحه لمسة لونية ونكهة غنية مميزة. بعد ذلك، تُضاف المكسرات المحمصة مثل الصنوبر أو اللوز، ويُرش القليل من البقدونس المفروم للتزيين.

القيمة الغذائية والفوائد الصحية

تُعد التسقية السورية من الأطباق المتوازنة غذائيًا، إذ تجمع بين البروتينات النباتية من الحمص، والدهون الصحية من الطحينة والسمنة، والكربوهيدرات من الخبز. كما يُعد اللبن الزبادي مصدرًا ممتازًا للبروبيوتيك الذي يُسهم في تحسين صحة الأمعاء.

من أبرز الفوائد الصحية لهذا الطبق:

• تعزيز صحة الجهاز الهضمي: بفضل احتوائه على اللبن والكمون والثوم.

• مصدر ممتاز للطاقة: بسبب توازن الكربوهيدرات والدهون والبروتين.

• دعم الجهاز المناعي: من خلال احتوائه على الثوم والليمون والبقدونس.

• مناسب للنباتيين: كونه لا يحتوي على لحوم، ويمكن تحضيره باستخدام الزيوت النباتية فقط.

التنوعات الإقليمية للتسقية

رغم أن الأصل الدمشقي للتسقية هو الأكثر شهرة، إلا أن هناك تنوعات بسيطة في مكوناتها وطريقة تحضيرها بين المناطق السورية المختلفة:

• التسقية بالسمنة: تكثر في دمشق وتُعتمد فيها السمنة البلدية لتعزيز النكهة.

• التسقية بالزيت: أكثر شيوعًا في بعض الأرياف، حيث يُستخدم زيت الزيتون بدلاً من السمنة.

• التسقية الحلبية: قد تُضاف إليها مكعبات من الكبة المقلية أو فتات الفلافل لتكون أكثر دسامة.

• التسقية الرمضانية: يُضاف لها رشة من السماق أو دبس الرمان لمنحها طابعًا حمضيًا مميزًا.

تقديم التسقية السورية

يُقدم هذا الطبق في صحون مسطحة أو أطباق فخارية تقليدية، وغالبًا ما يُؤكل مباشرة بالملعقة أو باستخدام قطعة من الخبز العربي. يُعد طبقًا مثاليًا للفطور أو وجبة مسائية خفيفة، ويُعتبر خيارًا مفضلًا عند الرغبة في تناول شيء سريع التحضير وغني بالعناصر الغذائية.

استدامة المطبخ السوري عبر التسقية

يُعتبر طبق التسقية مثالًا حيًا على استدامة المطبخ السوري، حيث يُستفاد فيه من بقايا الخبز بشكل عملي ولذيذ. وهذا يندرج ضمن ثقافة التقليل من الهدر الغذائي التي كانت سائدة منذ القدم في المجتمعات الشرقية، قبل أن تُصبح مفهومًا عالميًا في العصر الحديث. كما يعكس هذا الطبق بساطته وجذوره الشعبية، مما يجعله رمزًا من رموز الهوية الغذائية السورية.

الخاتمة

التسقية السورية ليست مجرد طبق شعبي، بل هي وصفة تاريخية تحمل في طياتها نكهة الزمن الجميل وروح العائلة والضيافة. بفضل مكوناتها البسيطة وطريقة تحضيرها التقليدية، استطاعت هذه الوجبة أن تحافظ على حضورها القوي في المائدة السورية حتى اليوم. وتُعد خيارًا صحيًا، متوازنًا، ومرنًا، يمكن تعديله حسب الرغبة مع الحفاظ على جوهره التراثي. في كل ملعقة منها، يجد المرء مزيجًا من الطعم الأصيل والحنين إلى الجذور.

المصادر:

1. كتاب المطبخ السوري التقليدي – وزارة الثقافة السورية

2. دراسة حول المطبخ الدمشقي – مجلة التراث الشعبي السورية