الفطريات هي كائنات حية تنتمي إلى المملكة الفطرية، وتعد من الكائنات المهمة في النظام البيئي، حيث تلعب دورًا رئيسيًا في تحلل المواد العضوية وإعادة تدوير العناصر الغذائية. على الرغم من أن الفطريات لا تمتلك القدرة على صنع غذائها من خلال عملية التمثيل الضوئي كما تفعل النباتات، إلا أن لها طرقًا متعددة للحصول على الغذاء من مصادر أخرى، وتعتمد في ذلك على مجموعة من الأنماط الغذائية التي تتنوع حسب نوع الفطر وبيئته. في هذا المقال، سنتناول طرق الحصول على الغذاء لدى الفطريات وأنواعها المختلفة، وكذلك آلية ذلك من خلال تفاصيل دقيقة حول طرق التغذية التي تتبعها.
1. مفهوم تغذية الفطريات
الفطريات هي كائنات غير ذاتية التغذية، مما يعني أنها لا تستطيع أن تنتج غذاءها من خلال التمثيل الضوئي كما تفعل النباتات. بدلاً من ذلك، تتغذى الفطريات على المواد العضوية الموجودة في البيئة المحيطة بها. تعتمد الفطريات على امتصاص الغذاء من خلال ارتباطها بالمصادر العضوية المحيطة بها، سواء كان ذلك عبر تحلل المواد العضوية الميتة أو التعايش مع كائنات أخرى في البيئة.
2. أنواع تغذية الفطريات
تتخذ الفطريات مجموعة متنوعة من الأنماط الغذائية التي تساعدها على البقاء والنمو. من بين هذه الأنماط:
أ. التغذية السابوروفية (Saprophytic Nutrition)
الفطريات السابوروفية هي أكثر الأنواع شيوعًا وتقوم بتغذيتها على المواد العضوية الميتة مثل الأوراق المتساقطة، الأخشاب، والمخلفات الحيوانية. تتواجد هذه الفطريات في بيئات غنية بالمواد العضوية المتحللة، مثل الغابات والتربة الرطبة.
تبدأ الفطريات السابوروفية عملية التغذية بإفراز إنزيمات هاضمة إلى البيئة المحيطة بها. تقوم هذه الإنزيمات بتحليل المركبات العضوية الكبيرة مثل البروتينات والكربوهيدرات والدهون إلى مركبات أبسط يمكن امتصاصها. بعد أن تتحلل المواد العضوية إلى مكونات بسيطة، تمتص الفطريات هذه المركبات عبر جدران خلاياها.
تساهم الفطريات السابوروفية في تنظيف البيئة من المواد العضوية الميتة، وبالتالي تساعد في دورة المواد الغذائية في الطبيعة. كما تلعب هذه الفطريات دورًا مهمًا في تجديد التربة من خلال إعادة العناصر المغذية التي تم امتصاصها من المواد العضوية.
ب. التغذية الطفيلية (Parasitic Nutrition)
الفطريات الطفيلية تتغذى على كائنات حية أخرى وتؤدي إلى موت أو تدهور صحة الكائن المضيف. تتخذ هذه الفطريات من الكائنات الحية، مثل النباتات والحيوانات، مصدرًا لغذائها. تتمكن الفطريات الطفيلية من التسلل إلى الكائن المضيف عن طريق إنتاج هياكل خيطية تدعى “الخيوط الفطرية” أو “الهيفات”، التي تخترق الأنسجة الحية للمضيف وتستخرج منه العناصر الغذائية.
الفطريات الطفيلية تتسبب في العديد من الأمراض لدى النباتات والحيوانات. على سبيل المثال، الفطر Puccinia graminis هو المسؤول عن مرض الصدأ في المحاصيل الزراعية. في الحيوانات، يمكن أن تؤدي الفطريات مثل Candida albicans إلى الإصابة بالفطريات المعوية أو التهابات جلدية.
ج. التغذية المتكافلة (Symbiotic Nutrition)
في هذا النمط من التغذية، يكون للفطريات علاقة تكافلية مع كائنات أخرى، حيث تستفيد الفطريات من غذاء الكائن الآخر بينما توفر هي الأخرى فوائد لهذا الكائن. ومن أشهر الأمثلة على هذا النوع من التغذية هو التعايش بين الفطريات والنباتات في ما يعرف بالعلاقة “الميكورايزية” (Mycorrhizal Relationship).
في هذه العلاقة، يتشابك الفطر مع جذور النبات، وتستفيد الفطريات من العناصر الغذائية التي يتم امتصاصها من التربة، مثل الفوسفور. في المقابل، يحصل الفطر على السكريات الناتجة عن التمثيل الضوئي في النبات. كما توفر الفطريات للنبات حماية إضافية من بعض الكائنات الحية الدقيقة الضارة عن طريق إفراز مواد كيميائية تمنع نموها.
د. التغذية المفترسة (Carnivorous Nutrition)
على الرغم من أن الفطريات عادةً ما تتغذى على المواد العضوية الميتة أو الكائنات الحية الأخرى، إلا أن بعض الأنواع النادرة تتبع أسلوبًا مفترسًا في تغذيتها. هذه الفطريات يمكن أن تصطاد الكائنات الحية مثل الديدان أو الحشرات، وتستفيد منها كغذاء. إحدى الأمثلة على ذلك هو الفطر Arthrobotrys, الذي ينشئ حلقات لزجة تستخدم لاصطياد الديدان.
3. آلية التغذية في الفطريات
عملية التغذية في الفطريات تعتمد على امتصاص المواد المغذية بعد تحللها بواسطة الإنزيمات التي تفرزها الفطريات. تبدأ العملية عندما يفرز الفطر الإنزيمات الهاضمة إلى البيئة المحيطة به، مما يؤدي إلى تحلل المواد العضوية. تقوم هذه الإنزيمات بتفكيك المركبات المعقدة إلى مكونات بسيطة مثل السكريات والأحماض الأمينية.
يُعد الهيفات، الذي يشكل الشبكة الخيطية التي تنمو داخل المواد العضوية أو الكائنات الحية، هو الوسيلة الأساسية التي يستخدمها الفطر للامتصاص. من خلال الهيفات، يتم امتصاص العناصر الغذائية وتوزيعها داخل جسم الفطر. وتعمل الخلايا الفطرية على نقل هذه المواد المغذية إلى جميع أنحاء الهيكل الفطري لضمان نموه وتكاثره.
4. العلاقة بين الفطريات والمكونات البيئية
تلعب الفطريات دورًا هامًا في البيئات التي تعيش فيها، حيث تؤثر بشكل كبير على التوازن البيئي من خلال دورها في تحلل المواد العضوية وإعادة تدوير العناصر الغذائية. الفطريات تساعد في التخلص من المواد العضوية الميتة وتحويلها إلى مكونات مفيدة للتربة، مما يعزز خصوبتها ويساهم في نمو النباتات.
الفطريات أيضًا تلعب دورًا في استقرار النظم البيئية من خلال التفاعل مع الكائنات الأخرى. كما أن الفطريات الطفيلية تؤثر على سلاسل الغذاء في النظام البيئي، حيث يمكن أن تؤدي إلى إصابة الكائنات الحية بالأمراض وتغيير التركيبة البيئية.
5. دور الفطريات في الزراعة والطب
تعتبر الفطريات جزءًا أساسيًا من الزراعة حيث تساهم في تحسين جودة التربة وزيادة خصوبتها. الفطريات الميكورايزية على سبيل المثال، تساعد في تحسين امتصاص العناصر الغذائية من التربة، مما يعزز نمو النباتات. كما أن الفطريات السابوروفية تساهم في تحلل المواد العضوية وتكوين الدبال، الذي يعزز من قدرة التربة على الاحتفاظ بالمياه.
في الطب، يتم استخدام بعض أنواع الفطريات لإنتاج أدوية هامة مثل المضادات الحيوية، وأشهرها البنسلين الذي يتم الحصول عليه من فطر Penicillium. كما يتم استخدام بعض الأنواع في تصنيع الأدوية المضادة للفطريات، مثل الأدوية المستخدمة لعلاج التهابات الفم والجهاز الهضمي.
6. الخلاصة
تغذية الفطريات تتنوع بين الأنماط المختلفة مثل التغذية السابوروفية، الطفيلية، والتكافلية. تعتمد الفطريات على امتصاص المواد العضوية بعد تحللها بواسطة الإنزيمات التي تفرزها، وهي عملية أساسية لنموها وتكاثرها. تلعب الفطريات دورًا حيويًا في الأنظمة البيئية من خلال تحلل المواد العضوية وإعادة تدوير العناصر المغذية. كما أن لها تطبيقات هامة في الزراعة والطب، حيث تسهم في تحسين خصوبة التربة وتوفير أدوية مهمة للبشر.
