عنوان المقال: طبيعة نار جهنم
المقدمة
يُعد الحديث عن نار جهنم من أعمق المواضيع العقدية التي تناولها القرآن الكريم والسنّة النبوية، لما لها من ارتباط مباشر بالعقيدة الإيمانية في البعث والحساب والجزاء. إن نار جهنم ليست مجرد عقوبة جسدية بل هي أيضًا تجلٍ لغضب الله وعدله، ووعاءٌ للعقوبة الأخروية التي تستوعب كل من أعرض عن الحق وتمادى في الطغيان. لقد جاءت أوصافها في النصوص الإسلامية متعدّدة ومتشعّبة، تجمع بين الرهبة والعدالة، وتُشكّل جزءًا من الإيمان بالغيب الذي لا يدرك كنهه إلا بوحي من الله تعالى.
أصل التسمية والمعاني اللغوية
“جهنم” اسم أعجمي معرّب، وقيل هو عبري أو سرياني، يشير إلى وادٍ كان يُلقى فيه المهمل والقمامة خارج أورشليم. ثم استُعمل في الأدبيات الدينية ليعبّر عن العذاب الأبدي في الآخرة. وفي العربية، أصبحت “جهنم” علمًا على النار الكبرى التي أعدّها الله للكافرين والمذنبين. ومن مرادفاتها: السعير، الحطمة، الجحيم، لظى، سقر، هاوية، وكل اسم منها يحمل دلالة معينة ترتبط بدرجة من درجات العذاب أو صفة من صفات النار.
أوصاف نار جهنم في القرآن الكريم
جاءت أوصاف جهنم في القرآن الكريم كثيرة، تدلّ على شدّة حرّها، وسعة مكانها، واستمرار عذابها، وعجز المذنبين عن احتمالها. ومن بين أبرز هذه الأوصاف:
-
حرارتها الشديدة: قال تعالى: ﴿قل نار جهنم أشد حرًّا لو كانوا يفقهون﴾ [التوبة: 81]. وقد رُوي في الحديث أنّ نار الدنيا جزء من سبعين جزءًا من نار جهنم.
-
سوادها وظلمتها: جاء في الحديث: “أوقد عليها ألف سنة حتى احمرت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضّت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودّت، فهي سوداء مظلمة”.
-
اتّساعها المهول: قال تعالى: ﴿يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد﴾ [ق: 30]. وقد وصفها النبي ﷺ بأنها تُلقى فيها الأمم والمجرمون، ولا تزال تطلب المزيد.
-
طبقاتها ودركاتها: تتكون جهنم من دركات مختلفة، وهي سبع طبقات يتفاوت عذابها بحسب جرم ساكنيها، كما في قوله تعالى: ﴿إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار﴾ [النساء: 145].
درجات جهنم وأسماؤها
ذكر العلماء أن لجهنم سبع دركات تختلف بحسب شدة العذاب ومراتبه، وهي:
| الرقم | الاسم | الوصف والمستحقون |
|---|---|---|
| 1 | جهنم | للمذنبين من المسلمين |
| 2 | لظى | للكافرين بالرسل |
| 3 | الحطمة | لمَن جمع مالًا وعدده |
| 4 | السعير | لمن كذّب بالبعث |
| 5 | سقر | لمن ترك الصلاة |
| 6 | الجحيم | للمستكبرين |
| 7 | الهاوية | للمنافقين والمشركين |
أوصاف عذابها وألوانه
عذاب جهنم لا يقتصر على النار وحدها، بل يشمل صورًا متعددة من الإهانة والألم، ومن ذلك:
-
الغليان: الطعام فيها زقوم، والشراب فيها ماء كالمهل يشوي الوجوه. قال تعالى: ﴿وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ﴾ [محمد: 15].
-
السلاسل والأغلال: ﴿إنا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالا وسعيرا﴾ [الإنسان: 4].
-
الظلال من الدخان الكثيف: ﴿انطلقوا إلى ظلٍّ ذي ثلاث شعب. لا ظليل ولا يغني من اللهب﴾ [المرسلات: 30-31].
-
جلود تتبدل باستمرار: ﴿كلما نضجت جلودهم بدّلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب﴾ [النساء: 56].
-
الحسرة واليأس الأبدي: إذ لا موت ولا راحة ولا خروج، ﴿لا يُقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها﴾ [فاطر: 36].
خزنة جهنم ووصفهم
ذكر الله في كتابه أن على جهنم ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم، وهم خزنة النار، وعلى رأسهم مالك، كما في قوله تعالى: ﴿ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك﴾ [الزخرف: 77]. وقد روى النبي ﷺ أن عدد الخزنة تسعة عشر، كما في قوله تعالى: ﴿عليها تسعة عشر﴾ [المدثر: 30].
أهل النار وأنواعهم
لا يدخل النار إلا من استحق العذاب عدلاً. وأهل النار يتنوعون بحسب أعمالهم وعقائدهم، ومن أبرزهم:
-
الكافرون والمشركون: الذين جحدوا وجود الله أو أشركوا به.
-
المنافقون: الذين أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر.
-
المستهزئون بالدين: الذين اتخذوا آيات الله هزوًا.
-
الظالمون: من ظلم الناس وأكل حقوقهم، خاصة الحكّام الجائرين.
-
الذين تهاونوا في الصلاة أو من منعوا الزكاة: وقد جاء عن سقر أنها جزاء من ترك الصلاة.
-
الجبابرة والمستكبرون: الذين طغوا وبغوا وتجبروا في الأرض.
حوار أهل النار وتمنياتهم
تصف آيات عديدة من القرآن الكريم حوارات تجري داخل جهنم، تعكس الحسرة والندم، منها:
-
تمنّي الرجوع للدنيا: ﴿ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون﴾ [المؤمنون: 107].
-
لوم الكفار بعضهم بعضًا: ﴿وقال الذين استُضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين﴾ [سبأ: 31].
-
نداءات بلا استجابة: يطلبون من الخزنة تخفيف العذاب، لكن بلا جدوى.
الأبدية وعدم الفناء
أجمع جمهور علماء المسلمين على أن نار جهنم دار أبدية للكافرين، لا تفنى ولا يفنون. قال تعالى: ﴿يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم﴾ [المائدة: 37]. أما عصاة الموحدين من أهل الكبائر، فقد يدخلون النار زمناً ثم يخرجون منها بشفاعة أو برحمة الله.
العدل الإلهي في عذاب جهنم
عذاب جهنم ليس ظُلمًا، بل هو عدل إلهي خالص، فالله تعالى لا يظلم الناس شيئًا، بل الناس أنفسهم يظلمون. فكل من يدخل النار يدخلها بعد أن قامت عليه الحجج والبراهين، وبعد أن أصرّ على الكفر أو الطغيان أو الإفساد في الأرض، ورفض التوبة أو التذلل بين يدي الله.
وقاية النفس من النار
إن إدراك حقيقة جهنم ووصف عذابها يدفع المؤمن إلى المسارعة إلى الطاعات والبعد عن المعاصي. قال النبي ﷺ: «اتقوا النار ولو بشق تمرة»، أي أن النجاة من النار تكون حتى بأصغر عمل صالح يُبتغى به وجه الله. كما أن من الأعمال التي تقي من النار: الإخلاص، الصلاة، الصيام، الصدقة، ذكر الله، وبر الوالدين، والتحلّي بالأخلاق الفاضلة، والابتعاد عن الكبائر.
جهنم في ضوء السنّة النبوية
أحاديث النبي ﷺ زادت من تفصيل ما جاء في القرآن حول جهنم. فقد رُوي عن النبي أن “أقل أهل النار عذابًا يوم القيامة رجل توضع في أخمص قدميه جمرة، يغلي منها دماغه”، وفي حديث آخر أن النار تُسحب يوم القيامة لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرّونها.
الفرق بين نار الدنيا ونار جهنم
نار الدنيا، بكل ما فيها من احتراق ولهيب، لا تعد شيئًا مقارنة بجهنم. فقد ورد أن النبي ﷺ قال: «ناركم هذه التي توقدون جزء من سبعين جزءًا من نار جهنم»، قالوا: يا رسول الله، إنها لكافية، قال: «إنها فُضّلت عليها بتسعة وستين جزءًا، كلّها مثل حرّها».
الخاتمة
نار جهنم ليست مجرد تهديد رمزي أو وعيد بلاغي، بل هي حقيقة وجودية ثابتة في العقيدة الإسلامية. تجسّد العدالة الإلهية في أبهى صورها، وتُعبّر عن الفرق الحاسم بين الإيمان والكفر، وبين الطاعة والمعصية. إن استيعاب طبيعة جهنم ليس من باب الترهيب المجرد، بل لتحريك القلوب ودفعها نحو التوبة والطهارة الداخلية، والرجوع إلى الله قبل فوات الأوان.
المراجع:
-
الطبري، تفسير جامع البيان، دار هجر
-
ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، دار طيبة
