صوت القطة ودلالاته

عنوان المقال: صوت القطة، المواء، خصائصه، أنواعه، ودلالاته السلوكية

تُعتبر القطة من أكثر الحيوانات الأليفة قربًا للإنسان، وقد حظيت بمكانة خاصة في مختلف الثقافات عبر العصور. ومن بين السمات الفريدة التي تميز القطة عن غيرها من الحيوانات صوتها المميز المعروف بـ”المواء”، والذي يتخذ أشكالًا متعددة، ويؤدي أدوارًا مختلفة في التواصل داخل بيئتها. لا يُعد المواء مجرد صوت عشوائي، بل هو وسيلة تعبير متكاملة تنطوي على رسائل سلوكية ونفسية معقدة. في هذا المقال، سنغوص بعمق في عالم صوت القطة، ونستعرض أنواعه، وظائفه، دلالاته السلوكية، والخصائص الصوتية التي تجعله فريدًا، كما سنعالج كيف يتغير حسب العمر والحالة النفسية والبيئة المحيطة.

التسمية العلمية لصوت القطة

يطلق على صوت القطة اسم المواء، وهو تعريب للكلمة الإنكليزية Meow أو الفرنسية Miaulement. يختلف نطق المواء بين اللغات، لكنه يشير دائمًا إلى نفس الظاهرة الصوتية. لا يقتصر صوت القطة على المواء فقط، بل تصدر القطة مجموعة واسعة من الأصوات، مثل الخرخرة، الهسهسة، الزمجرة، والأنين، ولكل منها دلالة ووظيفة في سياق معين. ورغم هذا التنوع، يظل المواء هو الصوت الأكثر شيوعًا واستخدامًا لدى القطط، خاصة في تعاملها مع البشر.

الخصائص الصوتية للمواء

المواء هو صوت عالي التردد نسبيًا، يتراوح عادة بين 450 و 2000 هرتز، وقد يزداد التردد تبعًا لحالة القطة الانفعالية. هذا الصوت ينتج عن اهتزاز الحبال الصوتية للقطة في الحنجرة، وهو قابل للتعديل بشكل كبير، حيث تستطيع القطة أن تعبر عن العديد من الحالات والمشاعر عن طريق تغييره في الطول، والحدة، والنغمة، والتردد. تظهر الدراسات الصوتية أن القطط تملك تنوعًا صوتيًا غنيًا يتيح لها إيصال عدد كبير من الرسائل، وهو ما يعكس تطورًا سلوكيًا معقدًا في بنية تواصلها.

أنواع صوت القطة ودلالاته السلوكية

تُصدر القطة أنواعًا مختلفة من الأصوات، ويعتمد ذلك على الموقف والحالة النفسية التي تمر بها. وفيما يلي أبرز هذه الأصوات مع شرح مفصل لكل نوع:

1. المواء الاعتيادي (Meow)

هو الصوت الكلاسيكي المعروف، ويصدر غالبًا عندما تريد القطة جذب الانتباه أو التواصل مع الإنسان. المواء قد يكون تعبيرًا عن الجوع، الرغبة في اللعب، الملل، أو حتى الألم. تشير الأبحاث أن القطط طورت هذا الصوت خصيصًا للتواصل مع البشر، حيث نادرًا ما تستخدمه للتخاطب فيما بينها في الحياة البرية.

2. الخرخرة (Purring)

يصدر هذا الصوت عادةً عندما تكون القطة في حالة استرخاء وراحة، خاصة أثناء المداعبة أو النوم. إلا أن بعض القطط قد تخرخر عندما تكون خائفة أو مريضة، كآلية لتهدئة النفس. الخرخرة ناتجة عن اهتزاز عضلات الحنجرة بتردد يتراوح بين 25 إلى 150 هرتز، ويُعتقد أن لها خصائص علاجية.

3. الهسهسة (Hissing)

يستخدم هذا الصوت في مواقف التهديد أو الدفاع عن النفس. يصدر الهسهسة عند وجود خطر حقيقي أو وهمي، كوجود حيوان غريب أو شعور بالتهديد. يدل هذا الصوت على حالة من التوتر والانزعاج الشديدين، وغالبًا ما يكون مصحوبًا بتغيرات جسدية كنفش الشعر وتوسيع حدقة العين.

4. الزمجرة (Growling)

تعبير عن العدوانية أو الدفاع عن النفس، وغالبًا ما يصدر عن القطط في المعارك أو عند الدفاع عن منطقة النفوذ. الزمجرة تختلف في ترددها ونبرتها عن الهسهسة، وتكون أكثر عمقًا وحدة.

5. العواء أو النحيب (Yowling)

يُلاحظ هذا الصوت بشكل خاص عند القطط في موسم التزاوج، أو في حال كانت القطة تشعر بالضياع أو الألم. يكون الصوت طويلًا وحزينًا في طبيعته، ويُستخدم كذلك كوسيلة للنداء على قطط أخرى.

6. الزقزقة أو القرقرة (Chirping/Chattering)

غالبًا ما يصدر هذا الصوت عندما تراقب القطة طائرًا أو فريسة من خلف نافذة، ويصاحبه اهتزاز في الفك السفلي. يعتقد أن هذا الصوت يعكس إحباطًا أو حماسًا زائدًا، وقد يكون تدريبًا صوتيًا لمحاكاة أصوات الفرائس لجذبها.

تطور صوت القطة عبر مراحل حياتها

تتغير الأصوات التي تصدرها القطة تبعًا لمراحل نموها، من مرحلة الهررة الصغيرة إلى البلوغ والشيخوخة. في المرحلة الأولى من عمر القطة (من الولادة حتى ثلاثة أشهر)، يكون صوت المواء وسيلة لاستدعاء الأم، خاصة في حالات الجوع أو البرد. ومع النمو، تبدأ القطة في تنويع أصواتها، وتقلل من استخدام المواء تدريجيًا عند التعامل مع القطط الأخرى، وتزيده عند التفاعل مع الإنسان. القطط الأكبر سنًا قد تصدر أصواتًا متكررة لطلب المساعدة أو نتيجة لتغيرات في الإدراك المرتبط بالشيخوخة.

تأثير البيئة والتربية على صوت القطة

تلعب البيئة المحيطة دورًا مهمًا في تشكيل طبيعة الصوت الذي تصدره القطة. فالقطة التي تعيش في منزل مزدحم قد تستخدم المواء بشكل مفرط للتواصل وجذب الانتباه، في حين أن القطة التي تعيش في بيئة هادئة قد تعتمد على لغة الجسد أكثر من الأصوات. كذلك تؤثر التجارب السابقة للقطة على طريقتها في التعبير الصوتي، فالقطط التي تعرضت للإهمال أو الإساءة قد تصدر أصواتًا أقل، أو تُظهر سلوكيات دفاعية مفرطة مصحوبة بهسهسة وزمجرة متكررة.

الوظائف التواصلية لصوت القطة

يؤدي صوت القطة عدة وظائف أساسية، منها:

• طلب الغذاء: المواء القصير والمتكرر يدل غالبًا على الجوع.

• التحية: تستخدم القطط أصواتًا ناعمة عند الترحيب بأصحابها أو القطط المألوفة.

• التحذير والدفاع: كالزمجرة والهسهسة.

• التزاوج: عبر العواء المميز الذي يصدر خلال موسم التزاوج.

• طلب الرعاية أو الحنان: المواء المصحوب بدنو الجسد والتقرب الجسدي.

الفرق بين أصوات القطط الأليفة والبرية

على الرغم من التشابه الوراثي بين القطط المنزلية والقطط البرية، إلا أن الصوتيات تختلف بينهما بشكل ملحوظ. القطط البرية لا تستخدم المواء إلا نادرًا، وتعتمد بشكل أكبر على إشارات غير صوتية مثل لغة الجسد والروائح. بينما طورت القطط الأليفة مجموعة واسعة من الأصوات خصيصًا للتفاعل مع الإنسان، وهو ما يُعد مثالًا على التكيف السلوكي الناتج عن التدجين.

الجدول التالي يوضح أنواع أصوات القطط ودلالاتها السلوكية:

الدراسات العلمية حول صوت القطة

أظهرت العديد من الدراسات في علم السلوك الحيواني أن القطط تتعلم كيفية تعديل صوتها مع البشر بمرور الوقت. دراسة نُشرت في مجلة Current Biology أظهرت أن القطط تضيف “نغمة بشرية” لصوت المواء لجعله أكثر فعالية في جذب انتباه أصحابها. كما تشير دراسات أخرى إلى أن القطط تستطيع تمييز ردود أفعال الإنسان بناءً على نغمة الصوت التي تستخدمها، مما يدل على مستوى عالٍ من الإدراك الصوتي والسلوكي.

استخدام المواء في فهم الحالة الصحية للقطة

يمكن لصوت المواء أن يكون مؤشرًا مهمًا على الحالة الصحية للقطة. المواء الزائد قد يدل على مشاكل في الغدة الدرقية، الألم، أو القلق. المواء الضعيف أو اختفاؤه قد يكون دليلاً على التهاب الحنجرة أو مشكلة في الجهاز التنفسي. لذلك، يُعد مراقبة الصوت جزءًا من الرعاية الصحية الشاملة للقطط، وقد يستخدمه الأطباء البيطريون كأداة تشخيصية غير مباشرة.

الخلاصة

يمثل صوت القطة، أو ما يُعرف بالمواء، عنصرًا جوهريًا في منظومة التواصل الخاصة بهذا الكائن الأليف. لا يقتصر دوره على التعبير عن الحاجات الفسيولوجية فقط، بل يمتد ليشمل الجوانب العاطفية والسلوكية والاجتماعية. وفهم هذا الصوت بكل أشكاله وتنوعاته يتيح للإنسان أن يكوّن علاقة أعمق وأكثر وعيًا مع القطة، ويُسهم في تحسين جودة حياة الحيوان وصحته النفسية والجسدية. إن إدراك هذه اللغة الصوتية المعقدة هو في حد ذاته دليل على تفاعل بيولوجي وثقافي بين الإنسان والحيوان تطور عبر آلاف السنين.

المراجع:

1. McComb, K., Taylor, A. M., Wilson, C., & Charlton, B. D. (2009). The cry embedded within the purr. Current Biology, 19(13), R507-R508.

2. Brown, S. L., & Bradshaw, J. W. S. (2014). Communication in domestic cats: within and between species. In The Domestic Cat: The Biology of its Behaviour (3rd ed.).