صناعة زيت الزيتون: مراحل وجودة

صناعة زيت الزيتون: مراحل الإنتاج وأهمية هذا المنتج في الحياة اليومية

يعتبر زيت الزيتون من أقدم وأهم الزيوت النباتية التي استخدمها الإنسان على مر العصور. يعود تاريخه إلى آلاف السنين، حيث استخدمه القدماء في العديد من المجالات، بما في ذلك الطهي، والعلاج، والتجميل، وحتى في الطقوس الدينية. تنتشر زراعة الزيتون بشكل رئيسي في مناطق البحر الأبيض المتوسط، لكنه أصبح في العقود الأخيرة منتجًا عالميًا يُستخدم في العديد من البلدان.

تتطلب صناعة زيت الزيتون عدة مراحل تبدأ من زراعة شجرة الزيتون وصولًا إلى استخراج الزيت وتعبئته. في هذا المقال، سنستعرض جميع جوانب صناعة زيت الزيتون بدءًا من الزراعة وحتى عملية التعبئة والتسويق.

1. زراعة شجرة الزيتون

تعتبر شجرة الزيتون من الأشجار التي تتحمل الظروف المناخية القاسية، فهي تزرع في المناطق ذات المناخ المتوسط الذي يتسم بالشتاء المعتدل والصيف الحار والجاف. ولزراعة الزيتون، يجب مراعاة بعض العوامل الأساسية التي تضمن إنتاج زيت عالي الجودة.

اختيار التربة والمناخ المناسب

يحتاج الزيتون إلى تربة جيدة التصريف وغنية بالمعادن، حيث تنمو الشجرة بشكل أفضل في التربة الكلسية. كما أن شجرة الزيتون تحتاج إلى ما لا يقل عن 200-300 ساعة من البرودة خلال فصل الشتاء لتنمو بشكل صحي.

اختيار الأصناف المناسبة

هناك العديد من الأصناف المختلفة من الزيتون التي تُستخدم لإنتاج الزيت، منها ما هو مخصص للاستهلاك المباشر كثمار، ومنها ما هو مخصص لإنتاج الزيت. من أشهر الأصناف التي تُزرع في مناطق البحر الأبيض المتوسط: “النبالي” في فلسطين، “المنزلاوي” في تونس، و”الكونسيرفا” في إيطاليا.

2. حصاد الزيتون

تتم عملية حصاد الزيتون في موعد محدد يتأثر بنوع الزيتون والمناخ. يتم حصاد الزيتون عادة في فصل الخريف، وبالتحديد في الفترة من شهر أكتوبر إلى ديسمبر. يختلف توقيت الحصاد حسب المنطقة ودرجة نضج الثمار، حيث يُفضل الحصاد عندما تكون الثمار قد بدأت في النضج ولكن لم تصبح كاملة النضج، وذلك لضمان الحصول على زيت عالي الجودة.

هناك طريقتان رئيسيتان لحصاد الزيتون:

• اليدوي: حيث يقوم العمال بجمع الثمار يدويًا من الأشجار باستخدام أدوات خاصة مثل العصا الطويلة. يتميز هذا النوع من الحصاد بأنه لا يؤدي إلى تلف الثمار ولكنه يتطلب جهدًا ووقتًا أطول.

• الميكانيكي: يتم باستخدام آلات خاصة تهتز بها الأشجار أو باستخدام آلات متطورة تقوم بجمع الزيتون بسرعة وكفاءة أكبر.

3. غسل الزيتون وتنظيفه

بعد الحصاد، يتم نقل الزيتون إلى معمل المعالجة حيث يتم تنظيفه جيدًا لإزالة أي أوساخ أو أوراق أو أي مواد غير مرغوب فيها قد تكون علقت بالثمار أثناء الحصاد. يتم غسل الزيتون بعناية شديدة لضمان خلوه من أي ملوثات قد تؤثر على جودة الزيت النهائي.

4. سحق الزيتون

تبدأ مرحلة معالجة الزيتون بسحق الثمار باستخدام مطاحن خاصة. يتم في هذه المرحلة تحويل الزيتون إلى عجينة لينة، حيث تتكون العجينة من اللب والنواة والزيوت. يستخدم في هذه العملية عادةً مطحنة حجرية أو مطحنة معدنية حديثة لضمان استخلاص أفضل للمكونات.

5. عصر الزيتون (الضغط)

بعد الحصول على العجينة، يتم فصل الزيت عن باقي المكونات باستخدام عملية الضغط أو الطرد المركزي. في الطريقة التقليدية، كانت عملية العصر تتم باستخدام مكابس هيدروليكية أو مكابس خشبية، ولكن في العصر الحديث، أصبحت الطريقة الأكثر شيوعًا هي استخدام آلات الطرد المركزي التي تعمل على فصل الزيت بشكل أسرع وأكثر كفاءة.

الضغط البارد مقابل الضغط الساخن

• الضغط البارد: يتم في درجة حرارة منخفضة (أقل من 27 درجة مئوية)، ويُعتبر هذا النوع من الضغط الأفضل للحصول على زيت زيتون بكر ممتاز، حيث يحافظ على نكهته الطبيعية وخصائصه الغذائية.

• الضغط الساخن: يتم في درجات حرارة عالية وقد يؤدي إلى فقدان بعض العناصر الغذائية والخصائص المميزة لزيت الزيتون.

6. الفصل والتصفية

بعد عصر الزيتون، يتم فصل الزيت عن باقي المواد الصلبة التي تكون موجودة في العجينة. يتم ذلك باستخدام أجهزة الطرد المركزي أو الفلاتر الخاصة. يتم تصفية الزيت للحصول على زيت نقي وخالي من الشوائب. في بعض الحالات، قد يُترك الزيت لفترة حتى يتماسك وترسب الشوائب الثقيلة في القاع، ثم يُصَفى باستخدام فلاتر دقيقة.

7. التخزين والتعبئة

بعد عملية التصفيه، يتم نقل الزيت إلى خزانات من الفولاذ المقاوم للصدأ أو خزانات زجاجية لتخزينه في ظروف ملائمة. يُعتبر تخزين زيت الزيتون بشكل جيد أمرًا مهمًا للحفاظ على جودته لفترة طويلة. يجب أن يكون الزيت محفوظًا في مكان بارد ومظلم بعيدًا عن الضوء والحرارة، حيث أن التعرض لأشعة الشمس أو درجات الحرارة المرتفعة يؤدي إلى تدهور جودته.

مدة التخزين

أفضل مدة لتخزين زيت الزيتون هي من 6 إلى 12 شهرًا من تاريخ الإنتاج، ولكن يمكن أن تستمر بعض الأنواع من زيت الزيتون لفترة أطول إذا تم تخزينها بالشكل الصحيح.

بعد مرحلة التخزين، يتم تعبئة الزيت في زجاجات أو عبوات محكمة الإغلاق لحمايته من أي ملوثات خارجية. يختلف نوع العبوات حسب الأسواق المستهدفة؛ فبعض الأسواق تفضل العبوات الزجاجية بينما تفضل أسواق أخرى العبوات المعدنية أو البلاستيكية.

8. أنواع زيت الزيتون

تختلف أنواع زيت الزيتون حسب طريقة إنتاجه وجودته:

• زيت الزيتون البكر الممتاز: يتم الحصول عليه من أول عملية عصر للزيتون باستخدام الطريقة الباردة ويتميز بنكهته الطازجة والحادة وخصائصه الغذائية الممتازة.

• زيت الزيتون البكر: يتمتع بنكهة جيدة ولكن تحتوي درجات حموضته على مستوى أعلى من زيت الزيتون البكر الممتاز.

• زيت الزيتون المكرر: يتم الحصول عليه من الزيت الذي تم تكريره باستخدام الحرارة أو المواد الكيميائية لإزالة الروائح والمذاق المر. يكون أقل جودة من الأنواع السابقة.

9. فوائد زيت الزيتون الصحية

تتعدد الفوائد الصحية لزيت الزيتون بشكل كبير، حيث يعد من أغنى المصادر الطبيعية للأحماض الدهنية غير المشبعة (الأوميغا 3 والأوميغا 6)، بالإضافة إلى احتوائه على مضادات الأكسدة مثل الفينولات التي تساهم في حماية الجسم من الأمراض.

• تحسين صحة القلب: يساعد زيت الزيتون في تقليل مستويات الكولسترول الضار (LDL) في الدم، مما يعزز صحة القلب والأوعية الدموية.

• محاربة الالتهابات: يحتوي زيت الزيتون على مواد مضادة للالتهابات التي قد تساعد في تقليل التهابات الجسم بشكل عام.

• مكافحة السرطان: تشير بعض الدراسات إلى أن مضادات الأكسدة في زيت الزيتون قد تساهم في الوقاية من بعض أنواع السرطان، خاصة سرطان القولون والثدي.

• تحسين عملية الهضم: يعتبر زيت الزيتون من أفضل الزيوت التي تساهم في تحسين الهضم وحماية الجهاز الهضمي من التقرحات والالتهابات.

10. التسويق والتوزيع

تعتبر صناعة زيت الزيتون من الصناعات التي تشهد تنافسًا كبيرًا على مستوى العالم. يتم تسويق زيت الزيتون بعد تعبئته عبر العديد من القنوات مثل المتاجر الكبرى، والأسواق المحلية، والتوزيع عبر الإنترنت. يعتمد التسويق على جودة الزيت، والشهادات الصحية، والتعبئة الجذابة التي تسهم في جذب المستهلكين.

يُعد التوزيع المباشر إلى محلات السوبر ماركت والمطاعم من الطرق الأكثر شيوعًا لتوزيع زيت الزيتون. كما بدأ العديد من الشركات في تسويق الزيت عبر منصات الإنترنت، مما سهل على المستهلكين الحصول على الزيت من أي مكان في العالم.

الخاتمة

تعتبر صناعة زيت الزيتون من الصناعات التي تجمع بين التقاليد والابتكار، حيث يتمكن المزارعون والمصنعون من الاستفادة من طرق الإنتاج الحديثة، مع الحفاظ على أصالة الزيت الزيتون الذي يعد جزءًا من الثقافة الغذائية في العديد من البلدان. إن جودة زيت الزيتون لا تعتمد فقط على طريقة الإنتاج، ولكن أيضًا على العناية بالتفاصيل في كل مرحلة من مراحل التصنيع بدءًا من الزراعة وحتى التعبئة والتسويق.