صلاة التراويح في المذاهب الأربعة

عنوان المقال: صلاة التراويح في المذاهب الأربعة

تُعدُّ صلاة التراويح من السنن المؤكدة التي يُقبل عليها المسلمون في شهر رمضان المبارك، وقد ثبتت مشروعيتها بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله، كما واظب عليها الخلفاء الراشدون من بعده، وعلى رأسهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ورغم اتفاق المذاهب الفقهية الأربعة على مشروعيتها، إلا أن طريقة أدائها وعدد ركعاتها وبعض تفاصيلها يختلف باختلاف المذهب الفقهي. في هذا المقال المطول، نتناول بالتفصيل آراء المذاهب الأربعة في صلاة التراويح، مع بيان أوجه الاتفاق والاختلاف بينهم، مدعومة بالدليل الفقهي والشرعي من المصادر المعتبرة.

أولاً: مفهوم صلاة التراويح وأصل تسميتها

التراويح في اللغة جمع “ترويحة”، وهي المرة الواحدة من الراحة. وسُمّيت بذلك لأنهم كانوا يستريحون بعد كل تسليمتين لطول القيام، خاصة في المساجد زمن الصحابة والتابعين. أما اصطلاحًا فهي: صلاة قيام الليل في رمضان، وتُصلَّى بعد صلاة العشاء جماعة أو فرادى، وهي سنة مؤكدة عند جمهور الفقهاء.

وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها ثلاث ليالٍ في جماعة ثم ترك الخروج خشية أن تُفرض على الأمة، كما ورد في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم. ثم أحياها الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وجمع الناس عليها في المسجد خلف إمام واحد، واستمرت على ذلك الهيئة.

ثانياً: صلاة التراويح في المذهب الحنفي

عدد الركعات:

يرى الحنفية أن صلاة التراويح تتكوَّن من عشرين ركعة، تُصلَّى مثنى مثنى، أي بعد كل ركعتين يتم التسليم. وهذا هو المعتمد في المذهب، واستدلوا بفعل الصحابة في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث جمع الناس على أبي بن كعب ليصلي بهم عشرين ركعة، ولم يُنكر ذلك أحد.

كيفية أدائها:

• تُصلَّى بعد صلاة العشاء، وقبل الوتر.

• تُصلَّى ركعتين ركعتين.

• الأفضل أن تُصلَّى جماعة في المسجد، وإن صلَّاها المرء منفردًا في البيت فتصح.

• يُستحب فيها الختم الكامل للقرآن الكريم خلال ليالي رمضان، إن تيسر ذلك.

السُّنة المؤكدة:

عدّها الحنفية من السنن المؤكدة التي واظب عليها الصحابة ولم يُخالفوا في مشروعيتها أو طريقتها. وقد نقل ابن عابدين عن كتب المتأخرين أن من تركها جماعة مع الإمام كان فاسقًا مردود الشهادة.

ثالثاً: صلاة التراويح في المذهب المالكي

عدد الركعات:

يرى المالكية أن صلاة التراويح عددها ست وثلاثون ركعة، ويُضاف إليها ثلاث ركعات للوتر، فيكون المجموع تسعًا وثلاثين. هذا هو المشهور في المذهب، خاصة في مدينة القيروان والأندلس، بينما في المدينة كانوا يصلونها عشرين.

وقد استندوا في ذلك إلى ما كان يفعل في المدينة زمن الإمام مالك، حيث كان الناس يطيلون الصلاة نظرًا لقصر الليل فيها في بعض المواسم، واستدلوا بما رواه الإمام مالك في الموطأ حول قيام أهل المدينة.

كيفية أدائها:

• تُصلَّى ركعتين ركعتين.

• تُؤدى جماعة، وتُقرأ فيها سور طوال نسبيًا.

• يُفصل بين كل أربع ركعات باستراحة قصيرة.

• تُختم بثلاث ركعات للوتر.

موقف الإمام مالك:

اختلفت الروايات عنه، فمرة ورد عنه أن العدد غير محدد بل بحسب طول القيام، ومرة ورد الاقتصار على عشرين، ولكن المعتمد في المذهب هو العدد الأكبر أي 36 ركعة، خصوصًا أن الإمام مالك كان يعتني بتقليد أهل المدينة وعملهم.

رابعاً: صلاة التراويح في المذهب الشافعي

عدد الركعات:

يرى الشافعية أن صلاة التراويح هي عشرون ركعة، تُصلَّى بعد العشاء، وتُختم بثلاث ركعات وترًا. وقد استدلوا بعمل الصحابة في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وفعل التابعين، إذ لم يُنقل عن أحد منهم إنكار هذا العدد.

كيفية أدائها:

• تُصلّى ركعتين ركعتين، مع التسليم في كل ركعتين.

• تُستحب فيها القراءة المتوسطة إلى الطويلة.

• يُستحب فيها الختم للقرآن، لكن لا يُشترط.

• يُفصل بين كل أربع ركعات بترويحة قصيرة.

الاستحباب الجماعي:

أكد الشافعية على استحباب صلاتها جماعة في المسجد، حتى قال الإمام الشافعي: “إن الصلاة جماعة في رمضان أحب إلي من صلاتها فرادى”.

خامساً: صلاة التراويح في المذهب الحنبلي

عدد الركعات:

يرى الحنابلة أن صلاة التراويح عددها عشرون ركعة، كما هو عند جمهور العلماء، وقد وافقوا جمهور الفقهاء في الاستدلال بسنة الخلفاء الراشدين، خاصة ما فعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

لكن مع ذلك، نجد في بعض روايات أحمد بن حنبل أنه لا بأس من الاقتصار على 11 ركعة كما ورد عن النبي ﷺ في حديث عائشة، وهو قول لبعض أهل الحديث. ولكن المعتمد عندهم هو العشرون.

كيفية أدائها:

• تُصلّى مثنى مثنى.

• يُفضل أن تكون في جماعة في المسجد.

• تُفصل بركعات الترويحة كل أربع ركعات.

• تُختم بثلاث ركعات: اثنتين ثم ركعة، أو ثلاث متصلة حسب ما يُرجح الإمام.

جدول المقارنة بين المذاهب الأربعة في عدد ركعات التراويح

سادساً: أقوال العلماء حول عدد ركعات التراويح

قال ابن عبد البر في كتاب “التمهيد”:

“ثبت أن الناس كانوا يقومون في زمن عمر بن الخطاب عشرين ركعة، ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة، فهو إجماع سكوتي”.

وقال النووي في “المجموع”:

“التراويح سنة بإجماع العلماء، ولا خلاف في مشروعيتها، وعددها عندنا عشرون ركعة، وهذا قول جمهور العلماء من السلف والخلف”.

أما ابن قدامة الحنبلي فقال في “المغني”:

“عدد الركعات عشرون ركعة، وهو قول أكثر أهل العلم، وبه قال الثوري وأبو حنيفة والشافعي”.

سابعاً: مسألة الخلاف في العدد، هل هو معتبر؟

يرى الفقهاء أن العدد ليس توقيفيًا، بل الغاية من صلاة التراويح هو القيام في رمضان، كما جاء في الحديث:

“من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه”.

فالخلاف في العدد ليس خلافًا مؤثرًا على صحة العبادة، وإنما يدخل في باب التنوع المشروع، وكل ما ورد عن الصحابة والتابعين مما لا يُخالف السنة فهو معتبر.

وقد اختلفت الأعراف بحسب الزمان والمكان، ففي مكة كانوا يطيلون القراءة ويقلّلون الركعات، وفي المدينة كانوا يزيدون الركعات ويقصرون القراءة. وهذا الاختلاف كان سائدًا منذ زمن التابعين ولم يُنكر بعضهم على بعض.

ثامناً: مكانة صلاة التراويح وأثرها الروحي

تُعدّ صلاة التراويح من أهم الشعائر الرمضانية التي تُنعش الجانب الإيماني في حياة المسلم، إذ تجمع بين طول القيام، وتدبر القرآن، والعبادة الجماعية. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله:

“من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه”.

كما أنها فرصة لتربية النفس على الانضباط، وتُعزز روح الجماعة، وتُعدّ تدريبًا على التفرغ للعبادة والتلاوة والخشوع. وهي كذلك من مواطن ختم القرآن الكريم، حيث يحرص الأئمة على ختمه في آخر ليلة من رمضان.

تاسعاً: التراويح في العصور الإسلامية المختلفة

مرّت صلاة التراويح بتطورات في أدائها الجماعي عبر العصور:

• العصر النبوي: صلاها النبي ثلاث ليال ثم تركها خشية الفرض.

• عصر الخلفاء الراشدين: جمّع عمر الناس على إمام واحد، وهو أول من نظمها جماعيًا.

• العصر الأموي والعباسي: أصبحت جزءًا من نظام المساجد الكبرى، مع تنظيم التلاوة والختم.

• العصر العثماني: شاع فيها تقسيم القرآن على ثلاثين ليلة، وتعدد القراء في المسجد الواحد.

عاشراً: الخلاصة

رغم وجود اختلافات في التفاصيل بين المذاهب الأربعة، إلا أن القاعدة الأساسية التي يجتمعون عليها هي مشروعية صلاة التراويح وسنيتها المؤكدة في رمضان. فالاختلاف في العدد لا يمس جوهر العبادة، بل يعكس رحابة الشريعة وتنوعها، ويسمح بتوسعة دائرة المشاركة دون تضييق.

المراجع:

1. ابن عبد البر، التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

2. النووي، المجموع شرح المهذب