الصلاتان المسميّتان بالبردين

مفهوم البَرْدَين في الشريعة الإسلامية

في الشريعة الإسلامية، أُطلقت تسمية “البَرْدَين” على صلاتي الفجر والعصر، وهي تسمية ذات دلالة عميقة في اللغة والاصطلاح، حيث يرتبط هذا المصطلح بالزمن ودرجات الحرارة خلال فترات النهار. فالبَرْدَين مشتقان من كلمة “البَرْد”، ويقصد بها الزمن الذي ينكسر فيه حرّ الشمس ويعتدل الجوّ، ويشمل وقتين أساسيين في اليوم: وقت الصباح الباكر (الفجر) ووقت ما بعد منتصف النهار إلى اقتراب الغروب (العصر).

جاء ذكر البَرْدَين في العديد من الأحاديث النبوية التي تؤكد عظم هاتين الصلاتين وأهميتهما في حياة المسلم. ومن هذه الأحاديث ما رواه الإمام البخاري عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال:

“من صلى البَرْدَين دخل الجنة”.

والمقصود بالبَرْدَين هنا صلاتا الفجر والعصر.

الحكمة من تسمية صلاتي الفجر والعصر بالبَرْدَين

تعود هذه التسمية إلى ارتباطها ببرودة الوقت نسبيًا مقارنة بسائر أوقات النهار. فالفجر يكون في وقت السَّحر وقبل طلوع الشمس حيث تكون الحرارة في أدنى مستوياتها، أما وقت العصر فهو عند ميل الشمس إلى الغروب، حيث تبدأ درجة الحرارة بالانخفاض بعد ذروة الظهيرة. ومن الناحية الشرعية، هذا التوقيت يمثل أوقاتًا مميزة من حيث الفضل والثواب.

ومن الحكم الإلهية في تخصيص هاتين الصلاتين بهذا الوصف، أن المسلم مطالب فيهما بمجاهدة النفس، إذ أن صلاة الفجر تقع في وقت يغلب فيه النوم ويحتاج المسلم إلى مجاهدة الراحة والكسل لأداء هذه العبادة، بينما صلاة العصر تقع في وقت الانشغال بأعمال الدنيا واقتراب انتهاء فترة العمل، ما يتطلب حضور القلب وإعطاء العبادة أولوية رغم الانشغالات الحياتية.

فضل صلاتي الفجر والعصر في الإسلام

الحفظ الإلهي

من أعظم ما ورد في فضل صلاتي الفجر والعصر، أن الله تعالى يخص من يحافظ عليهما بعنايته وحفظه، فقد قال النبي ﷺ:

“من صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها لا يدخل النار” رواه مسلم.

ويُستفاد من الحديث أن صلاتي الفجر والعصر لهما مكانة خاصة في ميزان الأعمال، وهما بمثابة حماية للمؤمن من النار.

شهود الملائكة

من المميزات التي تنفرد بها صلاتا الفجر والعصر أن ملائكة الليل وملائكة النهار تجتمعان فيهما، وقد ورد ذلك في قوله تعالى:

“وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا” [الإسراء: 78]

أي أن ملائكة الليل وملائكة النهار تشهدان هذه الصلاة.

كما جاء في حديث النبي ﷺ:

“يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم الله وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون” متفق عليه.

دخول الجنة

وعد النبي ﷺ من حافظ على صلاتي الفجر والعصر بدخول الجنة، ففي الحديث الصحيح:

“من صلى البَرْدَين دخل الجنة” رواه البخاري.

وهذا دليل على أن المحافظة عليهما من علامات الإيمان الراسخ وسبب من أسباب الفوز بالجنة.

صعوبة المحافظة عليهما

أشارت النصوص إلى أن هاتين الصلاتين هما الأكثر مشقة على المنافقين، فقد قال النبي ﷺ:

“أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا” رواه البخاري ومسلم.

وهذا يدل على أن أداء هاتين الصلاتين يتطلب صدق النية وقوة الإيمان، خاصة أن صلاة الفجر تكون في وقت الغفلة وصلاة العصر تكون في وقت الانشغال.

وقتا صلاتي الفجر والعصر بالتفصيل

وقت صلاة الفجر

صلاة الفجر تبدأ بطلوع الفجر الصادق، وهو الضوء الأبيض المستطير في الأفق الشرقي، ويمتد وقتها إلى شروق الشمس. ويُسن أداء الصلاة في أول وقتها لما فيه من فضل عظيم كما ورد عن السلف الصالح.

وقت صلاة العصر

يبدأ وقت صلاة العصر عندما يصير ظل كل شيء مثله بعد الزوال، ويمتد إلى غروب الشمس، وأفضل وقتها هو في أول دخولها بعد أن يصير ظل كل شيء مثله، مع ضرورة تعجيلها وعدم تأخيرها حتى تصفر الشمس كما ورد في النصوص.

أهمية المحافظة على البَرْدَين

المحافظة على صلاتي الفجر والعصر ليست مجرد التزام ظاهري، بل هي دليل عملي على صدق الإيمان وحرص المسلم على أداء فرائضه في وقتها. كما أن أداء البَرْدَين يعكس تعلق المسلم بربه في أوقات يغفل فيها كثير من الناس، سواء عند النوم في الفجر أو عند الانشغال بالأعمال في العصر.

وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يولون اهتماماً بالغاً بهاتين الصلاتين، ويحرصون على أدائهما في جماعة، واعتبروا التخلف عنهما من علامات ضعف الإيمان أو النفاق العملي.

أثر صلاة الفجر والعصر في حياة المسلم

قوة الإيمان

الالتزام بالبَرْدَين يُنمي في قلب المسلم الصدق مع الله تعالى، ويجعله أكثر إيماناً ويقظة، حيث يتمكن من التغلب على وساوس الشيطان وتثاقل النفس عن القيام بالعبادات.

تحقيق البركة في اليوم

أداء صلاة الفجر في وقتها يعين المسلم على بدء يومه بنشاط وبركة، وقد ورد في الحديث:

“اللهم بارك لأمتي في بكورها” رواه الترمذي.

فمن صلى الفجر، انتقل إلى يومه بنشاط وطمأنينة وبركة في وقته وجهده.

التقرب إلى الله في وقت الغفلة

صلاة العصر تؤدى في وقت ينشغل فيه كثير من الناس بأمور دنياهم، والمداومة عليها تُعد من علامات محبة الله للعبد، حيث اختاره لأن يكون من القليلين الذين يذكرون الله في هذه الأوقات.

الحماية من النار

المداومة على صلاتي الفجر والعصر، كما ورد في الحديث، حماية من نار جهنم وضمان للنجاة يوم القيامة، وهذا يجعل المسلم في حالة استشعار دائم لعظمة هذه الصلوات وأثرها في مصيره الأخروي.

التهاون في أداء البَرْدَين

الانشغال عن هاتين الصلاتين والتهاون في أدائهما في الوقت المحدد له تأثيرات سلبية خطيرة على إيمان المسلم وسلامته الروحية. وقد جاء الوعيد الشديد في ترك الصلاة عموماً، وخاصة التهاون في صلاتي الفجر والعصر.

التأخير عن أداء الصلاة حتى خروج وقتها يُعتبر تفريطًا كبيرًا، وقد وصف الله تعالى في كتابه الكريم الذين يؤخرون الصلاة بقوله:

“فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون” [الماعون: 4-5]

أي الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها المشروع.

الفرق بين البَرْدَين وبين بقية الصلوات

رغم أن جميع الصلوات الخمس لها فضل عظيم ومكانة في الإسلام، إلا أن صلاتي الفجر والعصر اختصتا بفضائل إضافية لعدة أسباب:

عناية السلف بالبَرْدَين

كان السلف الصالح يدركون تمامًا عظمة البَرْدَين، فكانوا يحافظون على أداء صلاتي الفجر والعصر في المسجد مهما كانت الظروف. وكان بعضهم يقول: “ما فاتتني صلاة الفجر في الجماعة منذ أربعين سنة”، دلالة على شدة حرصهم على هذه العبادة.

كما كانوا يعتبرون من يتغيب عن صلاة الفجر والعصر باستمرار شخصًا ناقص الإيمان أو في خطر من النفاق العملي. وقد ورد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يفتقد المسلمين في صلاة الفجر والعصر فإذا غاب أحدهم سأل عنه.

النصح بالاهتمام بالبردين في الواقع المعاصر

في زمن تغلبت فيه الانشغالات وكثرت فيه الفتن، أصبحت المحافظة على البَرْدَين تحديًا يتطلب الصبر والجدية. فصلاة الفجر تحتاج إلى مجاهدة النفس ضد حب النوم والراحة، وصلاة العصر تحتاج إلى ضبط الوقت وعدم الانشغال بالدنيا. ويجب على المسلم أن يحرص على وضع خطة عملية لتحقيق الالتزام بهما من خلال:

• النوم المبكر للاستيقاظ لصلاة الفجر.

• ضبط المنبه بأوقات مناسبة.

• أداء صلاة العصر في أول وقتها وعدم الانشغال عنها بأعمال الدنيا.

• تعويد الأبناء منذ الصغر على أداء البَرْدَين في المسجد.

• مشاركة الأسرة في الالتزام بهذه الصلوات لتصبح عادة جماعية.

المصادر والمراجع

1. صحيح البخاري – كتاب مواقيت الصلاة.

2. صحيح مسلم – كتاب المساجد ومواضع الصلاة.