صفراء حديثي الولادة: الأسباب والعلاج

صفراء الأطفال حديثي الولادة: الأسباب، التشخيص والعلاج

تُعد صفراء الأطفال حديثي الولادة واحدة من الحالات الطبية الشائعة التي قد يعاني منها العديد من المواليد في الأيام الأولى من حياتهم. في حين أن هذه الحالة قد تثير قلق الأمهات والآباء، إلا أن أغلب الحالات تكون مؤقتة ويمكن علاجها بسهولة إذا تم تشخيصها في وقت مبكر. تتعلق هذه الظاهرة بارتفاع نسبة البيليروبين في دم الطفل، وهو صباغ أصفر يتكون عند تكسير خلايا الدم الحمراء في الجسم. يستعرض هذا المقال الأسباب الكامنة وراء صفراء حديثي الولادة، طرق التشخيص، والعلاج المتاح لهذه الحالة.

ما هي صفراء حديثي الولادة؟

صفراء الأطفال حديثي الولادة هي حالة مرضية تتسبب في تحول لون جلد الطفل إلى الأصفر، نتيجة لارتفاع مستويات البيليروبين في الدم. عادةً ما يكون هذا الارتفاع في البيليروبين نتيجة لزيادة تكسير خلايا الدم الحمراء في الجسم خلال الأيام الأولى من الحياة، الأمر الذي يؤدي إلى تراكم هذا الصباغ في الدم. البيليروبين هو منتج ناتج عن تحلل الهيموجلوبين في خلايا الدم الحمراء الميتة، ويتم عادةً معالجته وتخليص الجسم منه بواسطة الكبد.

عند الولادة، يكون الكبد في مرحلة نضج مبكرة، مما يعني أنه لا يعمل بشكل كامل في تكسير البيليروبين. وبسبب هذا التأخير في تطور قدرة الكبد على معالجة البيليروبين، يرتفع مستوى هذا الصباغ في دم الطفل، مما يؤدي إلى ظهور أعراض الصفراء.

أسباب صفراء حديثي الولادة

تتعدد الأسباب التي قد تؤدي إلى ظهور صفراء الأطفال حديثي الولادة، ويمكن تصنيف هذه الأسباب إلى عدة أنواع رئيسية:

1. الصفراء الفيزيولوجية
   تعد الصفراء الفيزيولوجية هي أكثر أنواع صفراء حديثي الولادة شيوعًا. تظهر عادة بعد 24 ساعة من الولادة وتبلغ ذروتها بين اليومين الثالث والخامس. يعاني معظم الأطفال من هذه الحالة التي تزول تلقائيًا دون الحاجة إلى علاج خاص. تحدث الصفراء الفيزيولوجية بسبب نضوج الكبد بشكل تدريجي، مما يتسبب في عدم قدرة الكبد على التخلص من البيليروبين بكفاءة في الأيام الأولى من الحياة.

2. صفراء الرضاعة
   تحدث صفراء الرضاعة في بعض الأطفال نتيجة لانخفاض كمية الحليب الذي يتناوله الطفل في الأيام الأولى من حياته، سواء بسبب مشكلات في الرضاعة الطبيعية أو بسبب ضعف قدرة الطفل على الامتصاص. يؤدي نقص كمية الحليب إلى زيادة تركيز البيليروبين في الدم، مما يسبب الصفراء. في بعض الأحيان، يتم تحسين هذه الحالة ببساطة من خلال زيادة عدد مرات الرضاعة.

3. الصفراء الناتجة عن الانحلال الدموي
   في بعض الحالات، قد يكون هناك تحلل مفرط لخلايا الدم الحمراء لدى الطفل. يحدث هذا النوع من الصفراء عندما تكون هناك مشكلة في الدم مثل عدم توافق فصيلة الدم بين الأم والطفل، كما في حالة وجود تضارب في فصيلة دم الأم وطفلها (مثل Rh أو ABO). يؤدي هذا التفاعل إلى تدمير خلايا الدم الحمراء في الطفل بشكل أسرع من المعتاد، مما ينتج عنه تراكم البيليروبين.

4. الأسباب الوراثية أو الخلقية
   هناك بعض الحالات النادرة التي قد تؤدي إلى زيادة مستويات البيليروبين بشكل غير طبيعي، مثل وجود أمراض وراثية تؤثر على قدرة الكبد على معالجة البيليروبين. ومن أبرز هذه الأمراض “مرض جيلبرت” و”متلازمة كريكتر نيجار” التي تعد من الحالات الخلقية التي تؤثر على عملية التصفية الطبيعية للبيليروبين.

5. العدوى
   قد تكون العدوى أحد الأسباب المؤدية إلى ارتفاع مستويات البيليروبين في الدم لدى الأطفال حديثي الولادة. بعض الحالات التي قد تسبب هذا التراكم تشمل التهابات الجهاز البولي، التهاب الأمعاء، أو العدوى الفيروسية مثل التهاب الكبد.

تشخيص صفراء حديثي الولادة

يتم تشخيص صفراء حديثي الولادة من خلال ملاحظة الأعراض الظاهرة على الطفل، والتي تشمل اصفرار الجلد وبياض العينين. قد يتراوح مستوى الاصفرار من درجة خفيفة إلى شديدة حسب مستوى البيليروبين في الدم. على الرغم من أن التشخيص الظاهري قد يكون كافيًا في بعض الحالات، فإن الأطباء عادة ما يعتمدون على الفحوصات المخبرية لتأكيد التشخيص ومعرفة مستويات البيليروبين.

الفحوصات المخبرية:

• اختبار مستوى البيليروبين: يتم فحص مستوى البيليروبين في دم الطفل باستخدام اختبار دم بسيط. يمكن أن يساعد هذا الاختبار في تحديد ما إذا كان مستوى البيليروبين مرتفعًا للغاية أم لا.

• فحص الدم الكامل: يمكن أن يساعد هذا الفحص في الكشف عن أسباب أخرى قد تؤدي إلى الاصفرار، مثل وجود مشاكل في خلايا الدم الحمراء أو العدوى.

علاج صفراء حديثي الولادة

في معظم الحالات، تكون صفراء الأطفال حديثي الولادة حالة مؤقتة تتلاشى مع مرور الوقت. ومع ذلك، قد يتطلب بعض الأطفال علاجًا إضافيًا حسب شدة الحالة.

1. المراقبة والانتظار
   في حالة الصفراء الفيزيولوجية، يكفي مراقبة الطفل عن كثب مع تقديم الرضاعة الطبيعية المنتظمة. عادةً ما يوصى بزيادة عدد مرات الرضاعة لتعزيز حركة الأمعاء والتخلص من البيليروبين الزائد.

2. العلاج بالضوء (العلاج بالفلورسنت)
   إذا كانت مستويات البيليروبين مرتفعة بشكل مفرط، قد يكون العلاج بالضوء هو الحل الأفضل. في هذا العلاج، يتم تعريض الطفل للضوء الأزرق الخاص الذي يساعد في تكسير البيليروبين في الجسم وتحويله إلى شكل يمكن التخلص منه بسهولة عبر البول والبراز. عادةً ما يستغرق العلاج بالضوء من عدة ساعات إلى يومين، حسب شدة الحالة.

3. نقل الدم (في الحالات الشديدة)
   في حالات نادرة جدًا، إذا كانت مستويات البيليروبين مرتفعة للغاية ولم تنجح العلاجات الأخرى، قد يتم اللجوء إلى نقل دم للطفل. يتم استبدال بعض من دم الطفل بدم جديد لخفض مستوى البيليروبين بشكل سريع.

4. علاج الأسباب الكامنة
   إذا كانت الصفراء ناتجة عن مشكلة صحية أخرى مثل العدوى أو تحلل الدم، يتم علاج هذه الحالة المبدئية لعلاج الصفراء. يمكن استخدام الأدوية أو المضادات الحيوية حسب الحاجة.

التوقعات والتعايش مع صفراء حديثي الولادة

في معظم الحالات، يشفى الأطفال المصابون بصفراء حديثي الولادة بشكل كامل دون أي آثار جانبية. كما أن الصفراء الفيزيولوجية تختفي عادة في غضون أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع من الولادة. بالنسبة للأطفال الذين يعانون من الصفراء بسبب أمراض أخرى أو حالات طبية، قد يتطلب الأمر متابعة طبية دقيقة لمعالجة السبب الأساسي والتأكد من أن الحالة لا تؤدي إلى مشاكل صحية أخرى.

الوقاية

لا يمكن الوقاية من الصفراء الفيزيولوجية لأنها ناتجة عن نضوج الكبد بشكل طبيعي. ومع ذلك، يمكن تقليل المخاطر الناتجة عن مشاكل أخرى، مثل الصفراء الناتجة عن تحلل الدم، من خلال تقديم الرعاية المبكرة للأطفال المولودين لأمهات تحمل فصائل دم مختلفة عن أطفالهن.

كما أن الرضاعة الطبيعية المنتظمة تعتبر عاملًا مساعدًا في الوقاية من بعض أنواع الصفراء، حيث تسهم في تحسين عملية التخلص من البيليروبين عبر الجهاز الهضمي.

خاتمة

تعد صفراء الأطفال حديثي الولادة حالة طبية شائعة يمكن أن تؤثر على المواليد في الأيام الأولى من حياتهم. في حين أنها غالبًا ما تكون حالة مؤقتة وقابلة للعلاج، فإن التشخيص المبكر والعلاج المناسب يعتبران أمرين حاسمين لضمان صحة الطفل وتجنب أي مضاعفات صحية.