صفراء حديثي الولادة: الأسباب والعلاج

مرض الصفراء عند الأطفال حديثي الولادة: الأسباب، التشخيص والعلاج

تعد الصفراء من أكثر الحالات شيوعًا بين الأطفال حديثي الولادة، وتتميز بظهور اصفرار في الجلد والعينين نتيجة ارتفاع مستوى مادة البيليروبين في الدم. يُعتبر هذا المرض، في الغالب، حالة مؤقتة تمر بها أغلب الأطفال خلال الأيام الأولى بعد الولادة، إلا أن وجوده في بعض الحالات قد يشير إلى مشاكل صحية أخرى تستدعي التدخل الطبي. في هذا المقال، سوف نستعرض أسباب الصفراء عند الأطفال حديثي الولادة، طرق تشخيصها، وكيفية علاجها والتعامل معها بشكل فعال.

تعريف الصفراء عند الأطفال حديثي الولادة

الصفراء هي حالة تظهر نتيجة لزيادة تركيز مادة البيليروبين في دم الطفل. البيليروبين هو مادة ناتجة عن تكسير خلايا الدم الحمراء القديمة داخل الجسم، ويقوم الكبد عادة بمعالجتها لتتمكن من التخلص منها عبر البول والبراز. وفي الأطفال حديثي الولادة، يكون الكبد غير مكتمل النمو، مما يجعل قدرته على معالجة البيليروبين أقل كفاءة، مما يؤدي إلى تراكم هذه المادة في الدم.

أسباب الصفراء عند الأطفال حديثي الولادة

تتنوع أسباب حدوث الصفراء عند الأطفال حديثي الولادة، ويمكن تقسيم هذه الأسباب إلى نوعين رئيسيين: الصفراء الفسيولوجية و الصفراء المرضية.

1. الصفراء الفسيولوجية

الصفراء الفسيولوجية هي النوع الأكثر شيوعًا بين الأطفال حديثي الولادة، وتحدث بسبب النضوج البطيء للكبد الذي يؤدي إلى عدم قدرة الطفل على معالجة البيليروبين بشكل سريع. تظهر هذه الحالة عادة بين اليومين الثاني والرابع بعد الولادة، وتختفي عادة خلال أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع. يُعتبر هذا النوع من الصفراء حالة طبيعية لا تستدعي القلق في معظم الحالات.

2. الصفراء المرضية

في بعض الحالات، يمكن أن تكون الصفراء ناتجة عن حالات مرضية أخرى. تشمل هذه الحالات:

• تضخم الكبد أو الطحال: بعض الأمراض التي تصيب الكبد أو الطحال قد تؤدي إلى تراكم البيليروبين في الدم.

• الأمراض الجينية: بعض الأطفال قد يعانون من أمراض وراثية تؤثر على قدرة الكبد في معالجة البيليروبين، مثل متلازمة جيلبرت أو متلازمة كريغلر-ناجار.

• العدوى: بعض العدوى التي يصاب بها الأطفال حديثي الولادة، مثل التهابات المسالك البولية أو التهابات الدم، قد تؤدي إلى ظهور الصفراء.

• الاختلاف في فصيلة الدم: إذا كان هناك اختلاف في فصيلة الدم بين الأم والطفل (مثل حالة عدم توافق فصيلة الدم Rh)، قد يتسبب ذلك في تكسر خلايا الدم الحمراء بشكل أسرع مما يرفع من مستوى البيليروبين.

• مشاكل في التغذية: الأطفال الذين يعانون من صعوبة في الرضاعة أو أولئك الذين لا يحصلون على الكمية الكافية من الحليب قد يتعرضون للإصابة بالصفراء بسبب قلة التبول والبراز، مما يعيق التخلص من البيليروبين.

• التحلل الدموي: بعض الحالات الصحية مثل نقص الإنزيمات أو اضطرابات الدم قد تؤدي إلى تكسر غير طبيعي لخلايا الدم الحمراء مما يزيد من تركيز البيليروبين في الدم.

أعراض الصفراء عند الأطفال حديثي الولادة

أعراض الصفراء تتمثل بشكل رئيسي في اصفرار جلد الطفل وبياض العينين، وقد تظهر في الأيام الأولى بعد الولادة. يمكن أن تتفاوت شدة الاصفرار بين الأطفال، حيث قد يكون اصفرار الجلد خفيفًا أو قويًا. في الحالات الشديدة، يمكن أن يصبح الاصفرار أكثر وضوحًا ويشمل أجزاء أخرى من الجسم مثل الساقين والذراعين. في بعض الحالات، قد يظهر الاصفرار أولاً في بياض العينين قبل أن ينتقل إلى الجلد.

أعراض أخرى قد تشير إلى وجود مشاكل إضافية:

• ضعف النشاط والنعاس المفرط.

• صعوبة في الرضاعة أو البكاء المستمر.

• تغير في لون البول ليصبح داكنًا.

• تغير في لون البراز ليصبح فاتحًا أو أبيض.

• تورم في البطن أو زيادة في حجم الكبد والطحال.

تشخيص الصفراء عند الأطفال حديثي الولادة

عندما يتم اكتشاف الصفراء عند الطفل حديث الولادة، يتطلب الأمر فحصًا دقيقًا لتحديد السبب. يعتمد التشخيص عادة على:

1. الفحص السريري: يقوم الطبيب بفحص الطفل بشكل دقيق للتحقق من وجود الاصفرار وتحديد مدى انتشاره في الجسم.

2. اختبارات الدم: يتطلب الأمر إجراء فحص دم لقياس مستوى البيليروبين في الدم، وهو أساسي لتحديد مدى خطورة الحالة. إذا كان مستوى البيليروبين مرتفعًا بشكل غير طبيعي، يجب إجراء مزيد من الفحوصات للبحث عن الأسباب المحتملة.

3. فحوصات إضافية: في حالات معينة، قد يطلب الطبيب فحوصات أخرى مثل فحص وظائف الكبد، فحص الدم لتحديد نوع فصيلة الدم (وخاصة إذا كان هناك شك في وجود عدم توافق بين فصيلة دم الأم والطفل)، أو فحوصات للكشف عن وجود عدوى.

علاج الصفراء عند الأطفال حديثي الولادة

عادةً ما تكون الصفراء الفسيولوجية حالة مؤقتة ولا تتطلب علاجًا كبيرًا، حيث يتمكن الكبد من معالجة البيليروبين بشكل تدريجي. ومع ذلك، في بعض الحالات قد تحتاج الحالة إلى تدخل طبي خاص، ويمكن استخدام عدة طرق لعلاج الصفراء:

1. العلاج بالضوء (العلاج بالضوء الأزرق)

يعد العلاج بالضوء هو العلاج الأكثر شيوعًا في حالات الصفراء عند الأطفال حديثي الولادة. يعتمد هذا العلاج على تعريض الطفل لمصادر ضوء خاصة تُسمى “الضوء الأزرق”، والذي يساعد على تحويل البيليروبين إلى شكل يمكن أن يخرج من الجسم بسهولة عبر البول والبراز. يستمر العلاج عادة لفترة تتراوح من 24 إلى 48 ساعة، حسب شدة الحالة.

2. العلاج بالأدوية

في بعض الحالات النادرة، قد يوصي الطبيب باستخدام أدوية للمساعدة في تقليل مستويات البيليروبين. مثل الأدوية التي تزيد من قدرة الكبد على معالجة البيليروبين أو تساعد في تقليل تكسره.

3. الرضاعة المستمرة

من المهم تشجيع الرضاعة الطبيعية بشكل مستمر للأطفال المصابين بالصفراء. الرضاعة الطبيعية تساعد في زيادة التبول والتبرز، مما يساهم في التخلص من البيليروبين بشكل أسرع. في حالات الصفراء التي ناتجة عن سوء التغذية أو صعوبة الرضاعة، قد يتطلب الأمر مساعدات إضافية من مختصي الرضاعة.

4. نقل الدم

في حالات الصفراء الشديدة للغاية، قد يحتاج الطفل إلى نقل دم من خلال عملية تسمى “التبادل الدموي”. يساعد هذا الإجراء في إزالة البيليروبين الزائد من الدم بسرعة. ومع ذلك، يُعتبر هذا العلاج نادرًا ويُستخدم فقط في الحالات الأكثر خطورة.

الوقاية من الصفراء عند الأطفال حديثي الولادة

نظرًا لأن معظم حالات الصفراء عند الأطفال حديثي الولادة تكون فسيولوجية وغير خطيرة، فإن الوقاية لا تشكل مشكلة كبيرة. ومع ذلك، هناك بعض التدابير التي يمكن أن تساعد في تقليل احتمالية حدوث الصفراء:

1. التغذية الجيدة: التأكد من أن الطفل يحصل على كمية كافية من الحليب، سواء كان من الثدي أو الحليب الصناعي. الرضاعة المنتظمة تساعد في تحسين عملية التخلص من البيليروبين.

2. الفحص المبكر: يجب مراقبة مستويات البيليروبين لدى الأطفال حديثي الولادة من خلال الفحوصات المبكرة، خاصة للأطفال الذين لديهم عوامل خطر، مثل الذين يعانون من عدم توافق في فصيلة الدم أو الذين يولدون بوزن منخفض.

3. المتابعة الطبية: يجب على الأهل متابعة حالة الطفل مع الطبيب بعد الولادة للتأكد من أن مستويات البيليروبين تتناقص بشكل طبيعي.

الخاتمة

تُعد الصفراء حالة شائعة عند الأطفال حديثي الولادة، وعادة ما تكون حالة مؤقتة لا تشكل تهديدًا خطيرًا على الصحة. ومع ذلك، من المهم أن يتم اكتشاف الصفراء ومعالجتها بشكل سريع وفعال. في معظم الحالات، يمكن علاج الصفراء باستخدام العلاج بالضوء والرعاية المناسبة. من خلال التشخيص المبكر والمتابعة الطبية المنتظمة، يمكن ضمان تعافي الطفل بشكل كامل وتجنب أي مضاعفات صحية قد تنتج عن ارتفاع مستويات البيليروبين في الدم.