صفات المرأة النرجسية وكيف تعرف المرأة النرجسية؟

في عالم العلاقات الإنسانية المعقدة، تبرز النرجسية كإحدى أبرز السمات السلوكية التي تؤثر على مسار التفاعل بين الأفراد. وعندما نتحدث عن “المرأة النرجسية”، فإننا نتطرق إلى شخصية تحمل مجموعة من السمات النفسية العميقة التي تنعكس على تعاملها مع الآخرين، وتؤثر في علاقاتها الشخصية والاجتماعية والمهنية. هذه الشخصية قد تبدو في الظاهر ساحرة، واثقة، ولامعة، لكنها تخفي خلف هذا البريق قلقاً دفيناً وحاجة مستمرة للتقدير والإعجاب، في تكرار دائم لدائرة من السيطرة والتلاعب بالآخرين.

تُعد النرجسية اضطرابًا نفسيًا يمكن أن يظهر بدرجات متفاوتة بين الأفراد، والمرأة النرجسية ليست استثناءً من هذا النمط. لفهم طبيعة هذه الشخصية وكيفية التعرف عليها، من المهم التعمق في خصائصها السلوكية والنفسية وتداعيات وجودها في محيط العلاقات.

مفهوم النرجسية من المنظور النفسي

يرجع أصل مصطلح “النرجسية” إلى الأسطورة اليونانية عن “نرسيس”، الشاب الذي وقع في حب صورته المنعكسة على سطح الماء حتى غرق فيها. ومن هنا نشأ هذا المصطلح ليعبر عن حالة من التمركز حول الذات والانشغال المفرط بالذات على حساب الآخرين. في علم النفس، تُصنف النرجسية كجزء من اضطرابات الشخصية (Personality Disorders) وتحديدًا في فئة “اضطراب الشخصية النرجسية” (Narcissistic Personality Disorder)، وهو اضطراب يتمثل في شعور متضخم بالأهمية الذاتية، والحاجة الشديدة للإعجاب، ونقص في التعاطف مع الآخرين.

الصفات الأساسية للمرأة النرجسية

المرأة النرجسية تحمل سمات مميزة قد تتقاطع مع سمات الثقة بالنفس أو الجاذبية في ظاهرها، لكنها تختلف جذريًا في جوهرها. وفيما يلي أبرز هذه الصفات:

1. التمركز حول الذات

المرأة النرجسية تعتبر نفسها محور الكون، وتعتقد أن كل شيء يجب أن يدور حولها. فهي ترى آراءها وأفكارها وإنجازاتها أهم من أي شيء آخر، وتميل إلى التقليل من شأن الآخرين أو تجاهل وجودهم.

2. حاجة مفرطة للإعجاب

تسعى المرأة النرجسية إلى الحصول على الإعجاب الدائم، سواء من خلال المظهر الخارجي، أو الحديث عن إنجازاتها، أو عبر شبكات التواصل الاجتماعي. هذه الحاجة لا تتوقف، بل تكون دافعًا لسلوكيات متعددة، منها التفاخر المفرط أو المبالغة في عرض الذات.

3. قلة التعاطف

من أبرز علامات النرجسية غياب القدرة على التعاطف الحقيقي مع الآخرين. فالمرأة النرجسية تجد صعوبة في فهم مشاعر الآخرين أو مشاركتهم عاطفيًا، وغالبًا ما تتعامل مع مآسيهم أو احتياجاتهم ببرود أو بتجاهل متعمد.

4. استغلال الآخرين

تستخدم المرأة النرجسية الآخرين كأدوات لتحقيق أهدافها أو لتعزيز صورتها الذاتية. قد تدخل في علاقات سطحية لا لشيء إلا لكسب فائدة شخصية أو لتأكيد تفوقها.

5. الحساسية المفرطة للنقد

على الرغم من مظهرها الخارجي الذي يوحي بالقوة، إلا أن المرأة النرجسية شديدة الحساسية تجاه النقد، وغالبًا ما ترد عليه إما بالعدوان أو بالانسحاب الكامل. فهي ترى أي ملاحظة على سلوكها وكأنها تهديد مباشر لهويتها.

6. حب السيطرة والتحكم

تسعى المرأة النرجسية دائمًا إلى فرض سيطرتها على محيطها، سواء في المنزل أو العمل أو العلاقات الاجتماعية. تتحكم في الآخرين من خلال التلاعب العاطفي أو التهديد أو التخويف غير المباشر.

7. الغيرة والحسد

تغار المرأة النرجسية بشكل مفرط من نجاحات الآخرين، حتى وإن بدت في الظاهر مشجعة وداعمة. تشعر بتهديد داخلي من أي شخص ينجح في مجالات تعتبرها حكرًا عليها.

8. النرجسية الخفية

هناك نوع خفي من النرجسية، حيث تتخذ المرأة مظهرًا متواضعًا أو خجولًا أو ضحية، لكنها في الواقع تسعى لجذب الانتباه من خلال لعب دور الضعيفة أو المظلومة. هذا النوع يصعب كشفه لأنه مموه بالمظاهر الإنسانية.

9. العلاقات السطحية وغير المستقرة

المرأة النرجسية تجد صعوبة في بناء علاقات عاطفية أو اجتماعية طويلة الأمد. علاقاتها غالبًا ما تكون قائمة على المصلحة وتنتهي بانتهاء هذه المصلحة، أو بمجرد أن تشعر بأنها لم تعد محور الاهتمام.

10. الكذب والتزييف

تلجأ المرأة النرجسية إلى الكذب لتجميل صورتها أو لتقويض صورة الآخرين. قد تدعي إنجازات لم تحققها، أو تشوه الحقائق لتتناسب مع سرديتها الخاصة.

أسباب تكوّن الشخصية النرجسية عند المرأة

تتعدد العوامل التي تؤدي إلى نشوء الشخصية النرجسية، وتتشابك بين البيولوجيا والنشأة الاجتماعية والظروف التربوية. أبرز هذه العوامل تشمل:

التربية المبكرة

تلعب الطفولة دورًا محوريًا في تكوين النرجسية، خاصة في حال كانت الطفلة تتعرض للتدليل المفرط أو التقديس من قبل الأهل، ما يخلق لديها إحساسًا متضخمًا بالأهمية. في المقابل، يمكن أيضًا أن تنشأ النرجسية كرد فعل على الإهمال العاطفي أو الانتقاد الدائم، حيث تبني الطفلة “قناعًا” من التفوق لتعويض الشعور بالنقص.

التجارب الاجتماعية

قد تساهم التجارب الاجتماعية كالفشل في العلاقات أو التهميش المجتمعي في تعزيز السلوك النرجسي، خصوصًا عندما تقترن هذه التجارب بشخصية غير مرنة أو بيئة لا تعزز التعاطف.

العوامل الوراثية

تشير بعض الدراسات إلى أن هناك عوامل وراثية قد تلعب دورًا في ميل الفرد نحو النرجسية، وذلك عبر تأثيرات على بنية الدماغ والمواد الكيميائية المرتبطة بالمكافأة والأنانية.

الجدول التالي يوضح الفرق بين الثقة بالنفس الصحية والنرجسية المَرَضية:

تداعيات التعامل مع المرأة النرجسية

التعامل مع شخصية نرجسية قد يكون مجهدًا نفسيًا ومرهقًا، خاصة عندما تكون هذه المرأة في دائرة قريبة كزوجة أو زميلة عمل أو صديقة. من أبرز التأثيرات المحتملة:

• استنزاف نفسي دائم بسبب محاولات إرضائها المستمرة.

• تقليل الثقة بالنفس لدى المحيطين بها نتيجة الانتقاد الدائم والتقليل من شأن الآخرين.

• العلاقات المتوترة والمشحونة حيث تسودها السيطرة والتلاعب بدلًا من التفاهم والدعم.

• الشعور بالذنب الدائم نتيجة أسلوبها في إلقاء اللوم وتحميل الآخرين المسؤولية.

آليات التعامل مع المرأة النرجسية

لمواجهة التحديات المرتبطة بهذه الشخصية، من الضروري تطوير استراتيجيات تعامل فعالة:

1. وضع حدود واضحة تمنع التعدي على الخصوصية أو استغلال المشاعر.

2. عدم الانجرار في لعبة اللوم التي تتقنها المرأة النرجسية، والبقاء على الحياد الانفعالي.

3. التحقق من الواقع دائمًا لتجنب الوقوع في فخ تشويه الحقائق أو الإيهام.

4. اللجوء للدعم النفسي في حال تسبب هذا النمط من الشخصيات في اضطرابات عاطفية أو توتر دائم.

الخاتمة

المرأة النرجسية تمثل نموذجًا نفسيًا معقدًا يتطلب فهمًا دقيقًا لسلوكها ومحدداته النفسية والاجتماعية. هي شخصية تجمع بين الجاذبية الظاهرية والقلق الداخلي، بين الطموح المفرط والانغلاق العاطفي، وبين الحاجة المستمرة للتقدير والاستغلال المتعمد للآخرين. إن معرفة صفات هذه الشخصية تساعد على تجنب آثارها السلبية، وتُعد الخطوة الأولى نحو بناء علاقات أكثر صحة وتوازنًا. إن تحليل هذه الشخصية لا ينبغي أن يكون بهدف الوصم، بل لفهم عميق قد يساهم في إحداث تحول إيجابي في التعاملات اليومية.

المصادر:

• American Psychiatric Association. (2013). Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders (5th ed.).

• Campbell, W. Keith, & Twenge, Jean M. (2010). The Narcissism Epidemic: Living in the Age of Entitlement. Free Press.