صفات الله عز وجل في الإسلام

صفات الله عز وجل: بين التوحيد والتقديس

يعدّ الحديث عن صفات الله عز وجل من أسمى المواضيع التي يمكن للمسلم أن يتناولها في حياته الدينية والروحية. فالله سبحانه وتعالى هو خالق الكون وما فيه، وهو الرحمن الرحيم، العليم الحكيم، الذي لا يشبهه شيء في ذاته وصفاته وأفعاله. إن الإيمان بصفات الله عز وجل هو أساس من أسس العقيدة الإسلامية، ولذلك فإن فهم هذه الصفات يعدّ خطوة أساسية في طريق المسلم نحو تحقيق التوحيد والعبودية الحقة لله.

التوحيد وأثره في فهم صفات الله

التوحيد، الذي هو إفراد الله بالعبادة والإيمان بألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته، يُعدّ ركنًا أساسيًا في العقيدة الإسلامية. يقتضي التوحيد أن المسلم يُقرّ بأن الله عز وجل هو الوحيد الذي يستحق العبادة، وأنه لا شريك له في أسمائه وصفاته وأفعاله. ومن هنا، فإن دراسة صفات الله هي جزء لا يتجزأ من التوحيد، إذ تساعد المسلم على التعرف على عظمة الله وجلاله وتقديسه.

أنواع صفات الله عز وجل

تنقسم صفات الله عز وجل إلى قسمين رئيسيين: صفات ذاتية و صفات فعلية.

1. الصفات الذاتية

الصفات الذاتية هي الصفات التي لا تتغير ولا تتبدل بتغير الأوقات أو الظروف، فهي صفات ثابتة في ذات الله عز وجل. من أبرز هذه الصفات:

• الوجود: الله سبحانه وتعالى هو الوجود المطلق، فلا وجود لشيء إلا من خلاله. الله ليس موجودًا في مكان أو زمان، بل هو موجد كل شيء في هذا الكون.

• القدرة: الله عز وجل هو القدير الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء. قدرتُه لا حد لها، ولا يحدها شيء. يقول تعالى: “إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ” (يس: 82).

• العلم: علم الله عز وجل شامل لكل شيء، لا يغيب عن علمه شيء في الأرض ولا في السماء. يعلم ما كان وما سيكون، وما لم يكن لو كان كيف سيكون. يقول تعالى: “إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ” (آل عمران: 5).

• الحياة: الله عز وجل حيّ لا يموت. حياتُه مستمرة أبدًا، وهي حياة لا يشوبها نقص أو ضعف. “اللّهُ لا إِلٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ” (آل عمران: 2).

• السمع والبصر: الله سبحانه وتعالى سميع بصير، يسمع كل شيء، ويبصر كل شيء، لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء. “إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ” (الشورى: 11).

• الكلام: الله عز وجل يتكلم بما يشاء، بكلام لا يشبه كلام البشر. كلامه لا يتوقف ولا يتأثر بالزمان أو المكان.

2. الصفات الفعلية

الصفات الفعلية هي الصفات التي تظهر في أفعال الله عز وجل، وهي تتعلق بما يقوم به الله في خلقه وإرادته. من أبرز هذه الصفات:

• الخلق: الله عز وجل هو خالق كل شيء في الكون، من السماوات والأرض وما فيهما. لا شيء في هذا الكون سوى ما خلقه الله. “اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ” (الزمر: 62).

• الرزق: الله عز وجل هو الرزاق الذي يرزق كل مخلوق بما يحتاج إليه. رزقه شامل لكل شيء، ولا أحد يقدر على إعطاء الرزق مثلما يعطيه الله. “وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ” (الذاريات: 22).

• الإرادة: إرادة الله عز وجل فوق إرادة كل مخلوق، ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن. “إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ” (يس: 82).

• المغفرة: الله سبحانه وتعالى يغفر الذنوب جميعًا، مهما كانت كبيرة أو صغيرة، إذا تاب العبد وأناب إليه. “إِنَّ اللّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا” (الزمر: 53).

• الرحمة: الله سبحانه وتعالى رحيم بعباده، يرحمهم في الدنيا والآخرة. رحمته وسعت كل شيء، ولا يعجز عن أن يُنزل رحمة على عباده في أي وقت. “وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ” (الأعراف: 156).

3. صفات متعلقة بأفعال الله

الصفات التي تتعلق بأفعال الله عز وجل في هذا الكون تظهر من خلال:

• التدبير: الله عز وجل هو الذي يدبر أمر الكون، ولا يحدث شيء إلا بإرادته. هو الذي ينظم حركة السماوات والأرض، ويتولى شؤون كل مخلوق.

• الانتقام: الله عز وجل ينتقم من الظالمين ويجازيهم بما يستحقون. لكنه أيضًا عفو كريم، يغفر للعباد إذا تابوا.

• الحكمة: الله سبحانه وتعالى حكيم في كل أفعاله، لا يفعل شيئًا عبثًا. كل ما يفعله الله فيه مصلحة كبيرة لعباده أو عبرة، حتى وإن كانت الأقدار صعبة أو مؤلمة.

التوحيد في صفات الله عز وجل

من أعظم صور التوحيد في الإسلام أن يُؤمن المسلم بجميع صفات الله عز وجل دون أن يشبّه الله بخلقه أو يقتصر على بعض الصفات دون البعض الآخر. التوحيد في صفات الله يتطلب من المسلم أن يعتقد بأن الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء، وأن صفاته لا تشبه صفات أي مخلوق.

إثبات صفات الله عز وجل ورفض التشبيه

من أهم ما يجب أن يراعيه المسلم عند الحديث عن صفات الله هو أن يثبت لله ما أثبته لنفسه في القرآن الكريم أو على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، دون تحريف أو تأويل أو تمثيل. يُنفى عن الله عز وجل مشابهة المخلوقات في صفاته، فلا يُشبه الله أحدًا في سمعه أو بصره أو قدرته. “لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ” (الشورى: 11).

الاستفادة من صفات الله عز وجل في حياة المسلم

إن معرفة صفات الله عز وجل تعين المسلم على تعزيز يقينه وتوطيد إيمانه. عندما يعرف المسلم أن الله هو الرحمن الرحيم، يغمر قلبه الأمل في رحمة الله مهما كانت ذنوبه. وعندما يعلم أن الله هو الرزاق، يجد الطمأنينة بأن رزقه آتٍ من الله في الوقت الذي قدره الله له. هذه المعرفة تعطي المسلم القوة في مواجهة تحديات الحياة، فكل صفة من صفات الله تحمل رسالة للمؤمن بأن الله دائمًا بجانبه، يدبر له الأمور ويهديه في كل خطوة.

في الختام، يعدّ التفكر في صفات الله عز وجل أحد أعظم أبواب الإيمان والتقوى. هو طريق المؤمن إلى فهم عظمة الله وجلاله، والارتقاء بمعرفته به إلى مستوى أعلى من الفهم والتقدير.