تعتبر صفات الله الذاتية من أهم المواضيع التي تم تناولها في علم التوحيد، وهي الصفات التي تميز الله سبحانه وتعالى عن غيره من المخلوقات. هذه الصفات لا يمكن للإنسان أن يتصورها تماماً، كونها تتعلق بذات الله العظيمة والمقدسة التي لا تشبه أي شيء في الوجود. تشتمل الصفات الذاتية على العديد من الجوانب التي تعكس كمال الله، وعمق معرفته، وسعة حكمته، وقوة قدرته، وجميع هذه الصفات تشير إلى عظمة الله وتفرده في خلق الكون وتدبيره. من خلال هذا المقال، سنتناول بشكل شامل ووافي صفات الله الذاتية مع التركيز على أبعادها المختلفة، مستندين إلى القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.
1. الوجود
الله سبحانه وتعالى هو الوجود الحق، وكل شيء سواه مخلوق وعرضة للفناء. الله هو الأوّل الذي لا قبل له، والآخر الذي لا بعد له. لا بداية لوجوده ولا نهاية، فهو دائم الوجود ولا يتغير. من خلال هذه الصفة، يعبر المسلمون عن إيمانهم بأن الله هو مصدر كل شيء، وأنه لا يمكن للكون أن يكون موجودًا دون إرادته.
الوجود في حق الله هو صفة تامة لا تقبل النقص أو التغيير. قال تعالى في سورة الحشر: “هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلٰهَ إِلَّا هُوَ”. هذه الآية تشير إلى أن الله هو الوجود الأول الذي لا يمكن للإنسان أو أي مخلوق آخر أن يصل إلى هذه المرتبة.
2. الحياة
الله حي، ولا يجوز أن يكون خاليًا من الحياة. الحياة الإلهية تتصف بالكمال، ولا يتخللها موت أو تغير. حياة الله ليست مشابهة للحياة التي نعهدها في المخلوقات، فهي حياة تامة ودائمة لا يشوبها نقص. قال تعالى في القرآن الكريم: “وَاللَّهُ يَحْيِي وَيُمِيتُ” (آل عمران: 156).
هذه الصفة تدل على أن الله سبحانه وتعالى هو صاحب الحياة المستمرة، التي لا تتوقف أبدًا، وتختلف عن حياة المخلوقات التي هي عرضة للموت.
3. العلم
علم الله واسع شامل، لا يحده زمان ولا مكان. الله سبحانه وتعالى يعلم ما كان وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف يكون. علم الله يشمل كل شيء في الكون، من حركات الأجرام السماوية إلى أحوال الإنسان وأفكاره. وقد ورد في القرآن الكريم العديد من الآيات التي تصف علم الله، مثل قوله تعالى: “إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا” (النساء: 66). علم الله لا يقتصر على الأمور الظاهرة فقط، بل يشمل أيضًا ما في الصدور وما خفي.
4. القدرة
قدرة الله لا حد لها، فهي شاملة لا يعجزها شيء في الأرض ولا في السماء. الله سبحانه وتعالى هو القادر على كل شيء، لا يعجزه أمر ولا تحده ظروف. قال الله تعالى: “إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” (آل عمران: 6). قدرة الله تشمل جميع الأفعال الممكنة في الكون، بل وتتجاوز ذلك إلى ما هو مستحيل بالنسبة للمخلوقات.
5. الإرادة
إرادة الله سبحانه وتعالى هي الإرادة التي تسيطر على كل شيء في الكون. ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن. هي إرادة نافذة لا ترد ولا يمكن للإنسان أو المخلوقات الأخرى أن تعارضها. قال تعالى: “إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ” (البروج: 16). هذه الإرادة تتجلى في كل ما يحدث في الكون، من خلق الكون نفسه إلى الأحداث اليومية التي يعيشها البشر.
6. السمع والبصر
من الصفات الذاتية لله تعالى، السمع والبصر اللذان لا يشبهان في شيء سمع وبصر المخلوقات. الله سبحانه وتعالى يسمع كل شيء ويعلمه، ويرى ما لا يمكن للبشر أن يراه. قال تعالى: “إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ” (الحجرات: 1). هذه الصفة تدل على أن الله لا يعجزه شيء من العلم، ولا يعجزه السمع أو البصر، فهو يسمع ما في الصدور ويعلم ما تخفيه النفوس.
7. الاستواء
الاستواء على العرش من الصفات الذاتية التي تميز الله عن خلقه. هو استواء يليق بجلاله وعظمته، ويختلف عن أي استواء مخلوق. الله سبحانه وتعالى لا يشبهه شيء في ذاته وصفاته، والاستواء على العرش يمثل كمال سيطرته على الكون وإحاطته بجميع مخلوقاته. قال تعالى: “الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ” (طه: 5).
8. الكمال والجمال
الله سبحانه وتعالى متصف بكمال لا يشوبه نقص، وجمال لا يوصف. الله هو الكامل في كل شيء، من حيث الصفات والقدرات والعلم والقدرة. قال تعالى في القرآن الكريم: “اللَّهُ لَا إِلٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ” (آل عمران: 2). الله هو الأجمل والأعظم، وكل صفاته تدل على هذا الكمال والجمال الذي لا يمكن للمخلوقات أن تدركه.
9. العدالة
عدالة الله سبحانه وتعالى تامة وشاملة. الله لا يظلم أحدًا مهما كان، بل يوازن بين المخلوقات بالحق. وتعد العدالة من الصفات الأساسية في الإسلام، حيث لا يمكن تصور حدوث ظلم من الله تجاه أي مخلوق. قال تعالى: “إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا” (يونس: 44). هذه الصفة تدل على أن الله يحكم بين خلقه بما هو عدل وصواب، ولا يظلم أحدًا أبدًا.
10. الرحمة
رحمة الله سبحانه وتعالى لا حصر لها، وهي تشمل كل شيء في الكون. الله سبحانه وتعالى هو أرحم الراحمين، ورحمته وسعت كل شيء، من الكائنات الحية إلى المخلوقات غير الحية. قال تعالى: “وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ” (الأعراف: 156). من خلال هذه الصفة، يعبر المسلمون عن إيمانهم بأن الله لا يقصر رحمته على أي مخلوق، بل هو غفور رحيم لكل من يلتجئ إليه ويتوب.
الخاتمة
إن صفات الله الذاتية هي من أسمى المعاني التي يجب على المسلمين فهمها وتدبرها. إنها تمثل أعمق جوانب الإيمان بالله وتساعد في تعزيز العلاقة الروحية بين الإنسان وخالقه. من خلال تدبر هذه الصفات، يتعمق المسلم في معرفة عظمة الله وعلاقته بالكون من حوله.
