صفات الداعية في الإسلام

صفات الداعية الناجح في الإسلام: بين العلم والعمل والتأثير

تمثّل الدعوة إلى الله شرفًا عظيمًا ومرتبة سامية من مراتب الدين، وهي وظيفة الأنبياء والمرسلين التي انتقلت بعدهم إلى العلماء والمصلحين، وهي رسالة عظيمة تتطلب صفات ومؤهلات خاصة تضمن للداعية أداء دوره على أكمل وجه، وتحقيق الهدف الأسمى المتمثل في هداية الناس إلى طريق الله، ونشر الحق، ودحض الباطل. لا يُمكن تصور نجاح الدعوة بدون توفر جملة من الصفات الجوهرية في شخصية الداعية، سواء على المستوى الإيماني أو السلوكي أو العلمي أو الاجتماعي.

أولًا: الإخلاص في النية والعمل

أهم وأول صفة يجب أن يتحلى بها الداعية هي الإخلاص لله تعالى، فهو الأساس الذي تُبنى عليه جميع الأعمال الصالحة. فالداعية لا يبتغي بدعوته رياء ولا شهرة ولا مكانة اجتماعية، وإنما يهدف إلى نيل رضا الله وهداية الخلق إلى صراطه المستقيم. قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ﴾ [سبأ: 46]. وكل عمل لا يُبتغى به وجه الله مصيره إلى الزوال، كما جاء في الحديث: “إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى”.

ثانيًا: العلم الشرعي والبصيرة

من أهم مقومات الدعوة امتلاك الداعية العلم الشرعي المتين الذي يمكنه من بيان الحقائق وشرح تعاليم الإسلام بالحجة والدليل. قال الله تعالى: ﴿قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى ٱللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي﴾ [يوسف: 108]. والبصيرة تعني العلم العميق والفهم الواعي، فلا يجوز للداعية أن يخوض في المسائل دون علم، لأن ذلك يفتح باب الفتن والبدع، ويؤدي إلى إضلال الناس بدل هدايتهم.

ثالثًا: القدوة الحسنة والسلوك المستقيم

الداعية الناجح هو الذي يجسّد القيم التي يدعو إليها في سلوكه وأفعاله، فيكون قدوة صالحة للناس. فالناس يتأثرون بالأفعال أكثر من الأقوال، ولو تناقضت أفعال الداعية مع أقواله فذلك يضعف أثر دعوته ويجعلها عرضة للرفض. قال الله تعالى في ذم من يخالف فعله قوله: ﴿يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ۝ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُوا۟ مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ [الصف: 2-3].

رابعًا: الحكمة في الخطاب وأسلوب الدعوة

من الصفات الجوهرية للداعية الحكمة، وهي الجمع بين العلم والعمل واللطف في التبليغ، واختيار الوقت والوسيلة المناسبة. قال الله تعالى: ﴿ٱدْعُ إِلِىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ وَجَـٰدِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل: 125]. والحكمة لا تعني فقط معرفة ما يُقال، بل متى يُقال، ولمن يُقال، وبأي أسلوب.

خامسًا: الصبر والثبات والتحمل

الدعوة إلى الله طريق محفوف بالعقبات، وقد يلقى الداعية معارضة واستهزاءً بل وأذىً من المجتمع. لذا لا بد له من الصبر والثبات على طريق الحق. فقد قال الله لنبيه محمد ﷺ: ﴿فَصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ﴾ [الأحقاف: 35]. والصبر يشمل صبرًا على الأذى، وصبرًا على طول الطريق، وصبرًا على مجاهدة النفس.

سادسًا: الرحمة وحسن الظن بالناس

الداعية يجب أن يُحسن الظن بالناس، ويعاملهم برحمة ورفق، لا بغِلظة أو تكفير أو تنفير. فقد قال الله تعالى عن نبيه ﷺ: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لَٱنفَضُّوا۟ مِنْ حَوْلِكَ﴾ [آل عمران: 159]. فالداعية الرحيم يفتح القلوب، بينما الغليظ ينفّرها من الدين.

سابعًا: المرونة ومراعاة اختلاف أحوال المدعوين

الناس ليسوا على درجة واحدة من الفهم أو الاستعداد لقبول الحق، لذا يحتاج الداعية إلى مرونة في الطرح وتكييف لأسلوبه بحسب المخاطب. فحديثه مع العالم يختلف عن حديثه مع الجاهل، ومع الشاب يختلف عن الكبير. وهذه خاصية امتاز بها النبي ﷺ، فقد خاطب الناس على قدر عقولهم.

ثامنًا: الثقافة الواسعة والفهم للواقع

الداعية المعاصر لا يكفيه الفقه في الدين فحسب، بل لا بد أن يكون واسع الثقافة مطلعًا على واقع مجتمعه، وعلى القضايا الفكرية والاجتماعية والاقتصادية المؤثرة في حياة الناس. فهذا يساعده على فهم حاجات الناس وتقديم حلول واقعية مستمدة من الإسلام.

تاسعًا: الصدق والأمانة

الصدق ركيزة أخلاقية عظيمة للداعية، وبه يكتسب ثقة الناس واحترامهم. وقد وصف الله أنبياءه بالصدق، فقال عن إبراهيم: ﴿إِنَّهُۥ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا﴾ [مريم: 41]، وقال عن إدريس: ﴿وَاذْكُرْ فِي ٱلْكِتَـٰبِ إِدْرِيسَ إِنَّهُۥ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا﴾ [مريم: 56]. والصدق لا يكون في القول فقط، بل في النية والسلوك والمواقف.

عاشرًا: العدالة والتواضع

الداعية ينبغي أن يتحلى بالعدالة في الحكم على الناس، وألا ينحاز لهوى أو مصلحة أو انتماء، وأن يتواضع في دعوته، فلا يتكبر بعلمه أو يقصي من يخالفه. قال النبي ﷺ: “من تواضع لله رفعه الله”، فالتواضع يفتح القلوب ويزيد من قبول الناس للدعوة.

حادي عشر: الذكاء الاجتماعي والتواصل الفعّال

القدرة على التواصل الجيد والتأثير بالكلمة والموعظة والأسلوب الراقي، تعتبر من أهم مهارات الداعية الناجح، حيث يجب أن يكون لبقًا في حديثه، قادرًا على إيصال فكرته بلغة يفهمها المتلقون. والذكاء الاجتماعي يمكن الداعية من كسب القلوب والتعامل مع كافة طبقات المجتمع.

ثاني عشر: الإبداع والتجديد في أساليب الدعوة

في ظل تطور وسائل الإعلام والاتصال، أصبح من الضروري للداعية أن يُجدد في أساليب دعوته، مستفيدًا من التكنولوجيا الحديثة كالمواقع الإلكترونية، ومنصات التواصل، والإعلام الرقمي. ومن الضروري أن يُوظّف هذه الوسائل في إيصال رسالته بأسلوب عصري دون التفريط في الثوابت.

جدول: مقارنة بين صفات الداعية التقليدي والداعية المعاصر

ثالث عشر: الزهد في الدنيا وعدم التعلق بالمكاسب

من صفات الداعية الحق أن يكون زاهدًا في الدنيا، لا يتخذ من الدعوة وسيلة للتكسب أو الشهرة، بل يكون همه إرضاء الله ونشر الخير. قال الإمام الشافعي: “لو علم الناس ما في العلم من لذة لطلبوه ولو بسفك المهج”.

رابع عشر: الاستمرار في طلب العلم والتزكية

ينبغي على الداعية ألا يتوقف عن طلب العلم الشرعي وتزكية النفس، فالعلم بحر لا ينتهي، وتزكية النفس تضمن له الثبات على الطريق. فكما كان النبي ﷺ يستغفر الله ويزداد عبادة، فالداعية يجب أن يراقب نفسه ويجدد نيته ويزيد قربه من ربه.

خامس عشر: القدرة على إدارة الأزمات والتعامل مع التحديات

الدعوة لا تخلو من العقبات والمواقف الحرجة، لذا لا بد من امتلاك الداعية مهارة إدارة الأزمات، وحسن التصرف في المواقف الحرجة، وأن يكون هادئًا متزنًا لا يتسرع في اتخاذ المواقف، وأن يكون دائم البحث عن الحلول دون تفريط أو تشدد.

سادس عشر: التعاون مع الآخرين والعمل الجماعي

الداعية لا يعمل منفردًا، بل ضمن منظومة من الدعاة والعلماء والمؤسسات. فالتعاون والتكامل يحققان نتائج أوسع، والعمل الجماعي يُبعد الداعية عن الفردية والانعزال. كما قال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ﴾ [المائدة: 2].

سابع عشر: الانفتاح والتسامح مع المخالف

من سمات الداعية الراشد أن يكون منفتحًا على الرأي الآخر، متسامحًا مع من يختلف معه، بعيدًا عن التعصب أو التشنج، مع محافظته على الثوابت. فالنبي ﷺ كان يتعامل مع الكفار والمنافقين وأهل الكتاب بالحكمة، وكان يسعى لهدايتهم دون غلظة.

الخلاصة

إن صفات الداعية في الإسلام لا تنحصر في جانب دون آخر، بل هي تركيبة متكاملة من الإيمان الصادق، والعلم الشرعي، والسلوك القويم، والمهارات الإنسانية، والفطنة الاجتماعية. فالداعية الذي يجمع هذه الصفات يستطيع أن يُبلغ رسالة الإسلام بطريقة فعالة وجذابة تؤثر في القلوب وتصل إلى العقول. ومن دون هذه المقومات، تضعف الدعوة وتفقد أثرها في النفوس.

المراجع:

1. ابن تيمية، مجموع الفتاوى.

2. محمد الغزالي، فن الدعوة إلى الله.